يبدو أن السياسة الداخلية المتعسفة التي يُسيِّر بها أردوغان أركان حكمه تنبئ بقرب انتهاء حكمه، وهذا ما تؤكده التقارير الدولية التي تتوالى يومًا تلو الآخر، وتؤكد في مجملها بأن نهاية حكم أردوغان لتركيا قد أوشكت على الأفول وبدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة.

ففى تقرير أذاعته القناة الأولى بالتلفزيون الألماني، أكد أن النظام الرئاسي الذي تبنته تركيا قبل عام منح الكثير من السلطات لأردوغان، لكنه الآن يواجه أزمة كبير، وسلطته تتآكل، وبات أضعف من أي وقت مضى، وحزبه يتشقق، وأضاف التقرير: “أن أردوغان لم يكن يتخيل أنه بعد عام واحد من توطيد سلطته كرئيس للبلاد، سيواجه أزمة كبيرة، ويعاني ضعفا لم يعانِه من قبل، وتتآكل سلطته، ويتشقق حزبه”.

حكم الفرد الواحد

ففي عام واحد، أصدر الرئيس التركي 6 آلاف أمر وقرار وقانون تنفيذي بموجب سلطاته كرئيس للبلاد، ومنذ انتخابه رئيسا للبلاد في ٢٠١٨، وتحويل البلاد إلى النظام الرئاسي باتت السلطات كافة بيد أردوغان حيث له الحق في اتخاذ كل القرارات بشكل منفرد، فهو الرئيس ورئيس الحكومة، ورئيس حزب العدالة والتنمية وقائد الجيش.

وقال التقرير: إن هناك درجة كبيرة من عدم الرضا في الشارع التركي عن قرار أردوغان إعادة الانتخابات في إسطنبول، وصل لأروقة الحزب الحاكم الذي يعاني تشققا كبيرا حاليا.

وأضاف: “في قسم توليه الرئاسة، أقسم أردوغان على البقاء على الحياد بين الأحزاب ومؤسسات الدولة التركية، لكنه لم يلتزم بذلك القسم حينما قاد الحملات الانتخابية لحزبه في إسطنبول ضد مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو الذي فاز بمنصب العمدة في يونيو الماضي”.

نقل التقرير كذلك عن رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو قوله: “لقد فهمت البلاد بأكملها حاليا ما الذي جلبه لنا النظام الرئاسي”، ونقل عن مواطن لم يذكر اسمه في إسطنبول: “لا يمكن حكم البلاد من قبل شخص واحد”، مضيفا: “لست راضيا عن ارتفاع الأسعار المستمر.. جيوبنا خاوية”.

تركيا معسكر اعتقال كبير

ومع استمرار أردوغان على رأس الطغمة الحاكمة في تركيا، تواصل سلطاته الإجراءات القمعية ضد مواطنيها، ولا تتوانى في التنكيل بهم، والزج بهم فى السجون بتهم ملفقة، وفى هذا السياق أصدرت السلطات التركية، قرارات اعتقال بحق 49 عسكريا، على خلفية اتهامهم بالانتماء إلى جماعة المفكر التركي والداعية المعروف فتح الله كولن، الذى تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الانقلابية صيف 2016.

وبحسب ما ذكره الموقع الإلكترونى لصحيفة “جمهورييت” المعارضة، شملت قرارات الاعتقال الصادرة عن النيابة العامة بالعاصمة أنقرة 49 عسكريا بقيادة قوات الدرك فى 22 ولاية.

وقالت النيابة إن العناصر المطلوبة تواصلت مع قيادات “الخدمة” من خلال نظام الاتصال الدورى والمتسلسل عبر الهواتف العمومية، الذى تستخدمه الحركة بين الجنود والأئمة السريين الموجودين داخل الجيش.

ويزعم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية أن كولن متهم بتدبير المحاولة الانقلابية، وهو ما ينفيه الأخير بشدة، فيما ترد المعارضة التركية أن أحداث ليلة 15 يوليو كانت “انقلاباً مدبراً” لتصفية المعارضين من الجنود وأفراد منظمات المجتمع المدنى.

وتشن السلطات التركية بشكل منتظم حملات اعتقال طالت الآلاف منذ المحاولة الانقلابية، تحت ذريعة الاتصال بجماعة كولن.

اعتقالات متتالية

كما كشف سليمان صويلو وزير الداخلية التركى ـ مارس الماضى ـ عن توقيف 511 ألف شخص، اعتقل منهم 30 ألفا و821، فى إطار العمليات التى استهدفت جماعة الداعية فتح الله كولن، وحزب العمال الكردستانى، منذ المحاولة الانقلابية المزعومة.

وفى 3 يناير الماضى أعلن الوزير ذاته أن عدد المعتقلين فى عام 2018 بلغ 750 ألفا و239 شخصا، بينهم أكثر من 52 ألفا فقط بشبهة الانتماء إلى حركة الخدمة.

كما فصلت السلطات التركية، اليوم، 9 من القضاة والمدعين العامين؛ بزعم انتمائهم لجماعة الأستاذ فتح الله كولن.

جاء ذلك بحسب ما ذكره الموقع الإلكترونى لصحيفة “خبردار” التركية المعارضة، الذى أشار إلى أن قرار الفصل تم اتخاذه من قِبل الدائرة الثانية بالمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين التركى.

ونقل الموقع الإلكترونى للصحيفة بيانا عن المجلس يشير إلى أن “جميع الأدلة والتحقيقات أثبتت صلة هؤلاء الأشخاص بتنظيم كولن الإرهابى”.

وجاء قرار الفصل اليوم عقب اجتماع طارئ عقدته الدائرة الثانية بالمجلس لاتخاذ قرار بشأن المتهمين التسعة، لتقرر فصلهم من عملهم بموجب المادة 77 من قانون مجلس القضاة والمدعين العامين التى تنص على فصل أى قاضٍ أو مدعٍ عام تجرى معه تحقيقات حفاظا على سلامة تلك التحقيقات.

ومنذ المحاولة الانقلابية الفاشلة التى وقعت 15 يوليو 2016، فصل مجلس القضاة والمدعين العامين أكثر من 4500 قاض ومدعٍ عام بزعم الانتماء لحركة كولن.

مستقبل مظلم

تُنبئ التطورات السياسية الأخيرة التي تشهدها تركيا عن مستقبل لا يبشر بالتفاؤل لمستقبل حكم أردوغان. فالهزيمة المدوية في انتخابات إسطنبول، والتي شكلت أول هزيمة كبرى في المسيرة السياسية لأردوغان، قد أضعفت نظرة الناس له على أنه زعيم لا يُهزم، وجرّأت المعارضين من داخل حزبه.

وقبل أيام، استقال وزير الاقتصاد التركي الأسبق علي باباجان من حزب العدالة والتنمية. ويُتوقع على نطاق واسع أن يقوم بتأسيس حزب جديد.

وأصبح مسؤولون سابقون مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو والرئيس السابق عبد الله جول معارضين بارزين.

وربما يكون انشقاق باباجان هو الأكثر ضررا، فقد كان الرجل وزيرا للشؤون الاقتصادية خلال الفترة من 2002 وحتى 2007 ، وأشرف على جهود إخراج البلاد من الأزمة المالية. ويُنسب إليه النمو الهائل الذي تلا ذلك. ورغم أنه لم يصرح علانية بمعارضة سياسات أردوغان الاقتصادية الأخيرة، فإن انسحابه من الحزب سيجعله يشعر بالحرية لإبداء المعارضة. ومثله مثل داوود أوغلو، يُعتقد أن باباجان يعارض القرار الذي صدر عن أردوغان منذ عام بتعيين صهره براءت ألبيرق وزيرا للخزانة والمالية.

وتسبب ذلك التعيين في زعزعة ثقة المستثمرين في إدارة أردوغان للملف الاقتصادي.

العديد من المؤشرات تؤكد أن أيام أردوغان في الحكم باتت معدودة. فهل يؤكد الواقع تلك المؤشرات أم سيستطيع أردوغان الصمود أمام تلك العواصف والأعاصير السياسية، ويقود سفينة حزبه في حكم البلاد إلى النجاة، هذا ما ستطالعنا به الأيام القادمة.