في الصراع الذي يقوده الرئيس التركي رجب أردوغان ضد حركة الخدمة والأستاذ كولن تُستخدم جميع الوسائل الممكنة وكافة إمكانات الدولة التركية المادية والبشرية، وبينما يرفض المجتمع الدولي مزاعم أنقرة حول حركة الخدمة، وينظر بعين الريبة لعلاقة نظامها الحاكم بالتنظيمات الإرهابية، استحدث النظام التركي اتهاما جديدا يزيد الشكوك حول علاقته بهذه التنظيمات، حيث قدم بين أدلة التحقيقات اتهاما يفيد بأن الأستاذ كولن الذي يعيش في الولايات المتحدة، وتتهمه أنقرة بالوقوف وراء مسرحية الانقلاب الشهيرة منتصف عام 2016، سبق ودان تفجير إرهابي نفذه داعش في فرنسا عام 2015.
ففي وقت يقود فيه نظام أردوغان حملة مسعورة لملاحقة معارضيه في الداخل والخارج مستخدمًا أجهزة تركيا الأمنية والاستخباراتية، فإن نفس النظام لم يكتفِ بدعم التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح، وإمدادها بالمعلومات الاستخباراتية، ونقل المقاتلين عبر الأراضي التركية، بل حوّل مؤسسة القضاء إلى ماكينة لتبييض سجلات عناصرها المتطرفة.
جانب آخر من دعم أردوغان للتنظيمات المتطرفة كشفه موقع نورديك مونيتور السويدي، يوم الخميس الماضي، مزيحًا الستار عن تحول إدانة العمليات الإرهابية التي ينفذها “داعش” إلى تهمة يحاكم بها معارضي النظام وعلى رأسهم الداعية الإسلامي المقيم بالولايات المتحدة فتح الله كولن.
الموقع السويدي لفت إلى أن بيان أصدره الداعية الإسلامي تزامنًا مع تفجيرات إرهابية شهدتها فرنسا عام 2015، دان خلاله التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش، أدرج فيما يبدو كدليل إدانة ضد كولن وأنصاره في قضية شهدت أحكامًا بالسجن مدى الحياة.
الجناية إدانة داعش
في بيان شديد اللهجة، كان الداعية الإسلامي المقيم بالولايات المتحدة فتح كولن قد أدان الهجمات الإرهابية التي نفذها تنظيم داعش في فرنسا عام 2015، داعيًا الجميع إلى رفض الإرهاب جملة وتفصيلًا.
كولن قال: “إن الهجمات الإرهابية التي أودت بحياة 131 شخصًا هي مذبحة لا تمت للإنسانية بصلة ولا يمكن تبريرها بأي سبب معلن، لافتًا إلى أن تلك الأعمال وجهت أكبر ضربة للسلام والهدوء ويجب اعتبارها جرائم غير مقبولة وإدانتها دون الاختباء وراء أية أعذار.
وشدد على أن “الإرهاب يمثل أكبر تهديد لحياة الإنسان، وهي القيمة الأكثر قداسة والأكثر قيمة عالميًا”، مضيفًا أنه لا يوجد دين ولا فكرة ولا وجهة نظر يمكن أن تكون فاسدة لدرجة قبول مثل هذه الأعمال.
الداعية الإسلامي أكد أن المسلم الحقيقي لا يمكن أن يكون إرهابيًا ومن غير الممكن أن يكون الإرهابي مسلمًا حقيقيًا، مكررًا الملاحظات الشهيرة التي أدلى بها مباشرة بعد الهجمات على مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001، من قبل تنظيم “القاعدة” الإرهابي.
تصريحات كولن الرافضة للإرهاب والداعية للسلام، أدرجها المدعي العام التركي سيردار كوشكون في ملف قضية مفتوحة ضد الداعية الإسلامي كدليل إدانة، قبلته المحكمة الجنائية العليا الرابعة في أنقرة، فيما تم اعتباره ملاحقة قضائية سياسية ممنهجة لمعاقبة معارضي نظام أردوغان الاستبدادي، وفقًا لوثائق المحكمة التي حصل عليها “نورديك مونيتور”.
السجن مدى الحياة
“نورديك مونيتور” قال إن لائحة الاتهام، أدرجت بموجب الملف رقم 2016/24769 ، بيان كولن كما لو كان دليلًا جنائيًا يدينه، فيما لم تكلف المحكمة الجنائية العليا الرابعة في أنقرة، برئاسة سيلت جيري، وعضوية صالح أي وإرحان كركايا، نفسها عناء التشكيك في إدراج البيان كدليل جنائي ضد الداعية الإسلامي واستندت عليه في قرار إدانة أصدرته في 8 يونيو 2018.
وإلى جانب كولن، أدرجت لائحة الاتهام 74 شخصًا بتهمة متعلقة بالإرهاب بناء على أدلة واهية مثل بيان الداعية الإسلامي، ولم يتم إدانة سوى أربعة أشخاص فحسب هم المشرع والصحافي السابق إلهان إشبيلن، والصحافي والمدير العام لإحدى الشبكات التليفزيونية هداية كاراكا، وابن عم كولن، كاظم أفسي، ومالك إحدى وسائل الإعلام، علاء الدين كايا، وحُكم عليهم بالسجن مدى الحياة، فيما يعيش باقي المتهمين خارج تركيا ولم تتم محاكمتهم.
الموقع السويدي لفت إلى أن المحكمة فصلت قضية الأشخاص الذين لا يمكن توقيفهم لهروبهم خارج تركيا عن القضية التي صدرت فيها أحكام بالسجن المؤبد.
وشملت أسماء المدعى عليهم في القضية كلًا من عبد القادر عسوي ، عبد الله أيمز ، عبداللطيف تابكان ، أحمد كان ، أحمد كارا ، أحمد كرميش ، أحمد كوروكان ، أحمد شاهينالب ، علاء الدين كايا ، علي بيرم ، علي شيليك ، علي شيليك ، علي أورسافاس ، بارباروس كوكاكورت ، بكير باز ، جمال تورك ، جمال أوشاك ، جميل كوكا ، سفيت توركوليو ، ديلافير عظيم ، فاروك إلك ، هاليت إسندير ، حمدي أكين إيبك ، حمدالله بيرم أوزتورك ، هارون توكاك ، هوسيناروكي ، إسماعيل بويوكشيلي ، إسماعيل سينجوز ، إسماعيل أكسو ، كودرت أنال ، محمود أكدوغان ، محمد علي بويوكشيلي ، محمد علي سنغول ، محمد أردوغان توسون ، محمد أردوغان توسون ، محمد إسماعيل مصطفى وأخرين.
ولم يملك أي من المتهمين أي سجل جنائي، وأصبحوا جميعًا عرضة للمقاضاة بسبب خلفية الاتهامات الملفقة المتعلقة بالإرهاب، كما بدأت المحكمة في إصدار طلبات لتسليمهم هؤلاء الضحايا من خلال إساءة استخدام آليات الإنتربول أو اتفاقات المساعدة القضائية الثنائية.
بحسب “نورديك مونيتور”، فلم توافق أية دولة حتى الآن، على تسليم أي من هؤلاء الأشخاص الذين سعت حكومة أردوغان للتحفظ عليهم، حيث أشارت تلك الدول إلى انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق في تركيا، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية في السجون التركية وعدم وجود محاكمة عادلة في بلد كان يتمتع بسيادة القانون قبل أن يتم تعليقها بفعالية.
ليست المرة الأولى
بحسب الموقع السويدي، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي يكون فيها جولن ناقدًا صريحًا للجماعات الإرهابية، ففي عام 2014، وضع الداعية الإسلامي أيضًا إعلانات في كبرى الصحف الأمريكية والأوروبية، بما في ذلك الصحف الفرنسية، لإدانة الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش خاصة في أوروبا والولايات المتحدة.
في الإعلانات، التي ظهرت في صحيفة “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” وصحيفة “وول ستريت جورنال” و”شيكاغو تريبيون” و”لوس أنجلوس تايمز” و”لوموند” الفرنسية، قال كولن إن تصرفات داعش “عار على الإيمان الذي يعلنونه وتعتبر جرائم ضد الإنسانية”.
وشدد على أن الدين يعمل على توفير أساس لإقرار السلام وحقوق الإنسان والحريات وسيادة القانون، لافتًا إلى أن “أية تفسيرات مخالفة، بما في ذلك إساءة استخدام الدين لإذكاء النزاعات، هي ببساطة تفسيرات خادعة ومضللة”.
وبالإشارة إلى المنظمات الإرهابية الأخرى التي تزعم أنها تحمل راية الإسلام، قال كولن: “إن داعش لم تكن المجموعة الأولى التي “تتستر خلف الخطاب الديني لإخفاء وحشيتها”، حيث ذكر تنظيم القاعدة وجماعة “بوكو حرام” اللتين تشتركان في “عقلية شمولية تنكر كرامة الإنسان”.
الدعاية الإسلامي قال :”أي شكل من أشكال العنف ضد المدنيين الأبرياء أو اضطهاد الأقليات يتناقض مع مبادئ القرآن”، وأشار إلى أن الانتحاريين سوف يذهبون إلى الجحيم بسبب أرواح الأشخاص الأبرياء الذين قتلوهم.