لا يزال الغيب يقذف إلى هذا العالم بين زمان وزمان رجالاً أفذاذًا؛ يسارعون لتعديل مسارات الأمم، وإيقاف عجلات تدهورها، وذهابها بعيدًا إلى منحدرات مفزعة وهوات مظلمة.. ومن أعاجيب هذا الغيب حرصه على بقاء روح الأمة خالصًا صافيًا معافى مما ينتاب الأرواح من أمراض تهوي بها من شواهق التألق والوهج إلى ظلمات المنحدرات التي تسرع في إفراغ الأمة من مضامينها الروحية السامية. وأخلاقياتها التي هي مناط تماسكها وأساس وجودها وبقاءها.. والأستاذ “النورسي” رحمه الله هو واحد من رجالات الغيب المبعوثين لهذه الأمة في فترة من أشد فترات تاريخها ظلامًا وتأخرًا وانحطاطًا، وضمورًا للروح، وجمودًا للعقل، وموتًا للضمير والوجدان.. فإذا به يقوم لينفض عن روح هذه الأمة -وهو “القرآن”- ما تراكم فوقه من غبار عقود كثيرة من السنين، ويجليه ويكشف عن معانيه، ويزيح الأستار عن أسراره، ويدعو الأمة إلى العودة إليه والتعلّم منه، والأخذ به بقوة، وذلك من خلال “رسائل النور” التي أحدثت في أعصاب الأمة وفي عقلها هزّة قوية جعلتها تستيقظ من نومها الثقيل، وعجزها الكسيح. ولا زالت هذه الرسائل تفعل فعلها في هذه الأمة وتسري فيها سريان الروح في الجسد، وسريان الدم المغذي بالأوصال الشلّاء من الإنسان.. رحم الله “النورسي” وجزاه عن هذه الأمة خير الجزاء..

**********

المصدر: أديب إبراهيم البداغ، فتح اله كولن في شؤون وشجون، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2013م، صـ137/ 138.

ملحوظه: المقال كما قال الأستاذ أديب الدباغ في مقدمة الكتاب يمكن أن ننسبه للأستاذ كولن؛ لأنه من وحي فكره، ولكنه ليس للأستاذ كولن لأنه كتب بغير قلمه، وبغير مفرداته.