الخدمة التي أرسى بنيانها الأستاذ “كولن”، نَجحت في التحوّل بزكاة مجتمع التكفف (اقتصاد التقشف والتقلل التي سادت عصر الانحطاط) إلى زكاة التساهم والتثمير التمولي المنتج والفائض عن الكفاية.. وهذه الزكاة التثميرية هي امتداد للمردود الخراجي الذي كانت تغله الدولة المسلمة قديماً من المستثمرات الزراعية، إلا أن مداخيل الخراج ظلت -في الأغلب- موجّهة إلى تسديد نفقات القصر والعسكر. أما زكاة الخدمة -في فلسفة كولن- فقد تطوّرت بالتمويل إلى مستوى استثماري نوعي ولَّده الاجتهاد والترقّي في الرؤية التدبيرية للشأن الاقتصادي، وأتاحه التوسع في قراءة مقررات الشريعة ومفروضاتها حسب الضرورة العصرية.

 زكاة الخدمة – في فلسفة كولن- تطوّرت بالتمويل إلى مستوى استثماري نوعي ولَّده الاجتهاد والترقّي في الرؤية التدبيرية للشأن الاقتصادي، وأتاحه التوسع في قراءة مقررات الشريعة ومفروضاتها حسب الضرورة العصرية.

 نظام التمويل الخدمي

إن نظام التمويل الخدمي هو ارتفاق هيكلي فعّال ومحايث للمرحلة والعصر، ويشكّل وثبة تعَزَّز بها دورُ التكافل الجماعي، بل ومكَّنَ من الارتفاع بهذا التكافل من وظيفته الإحسانية التي كانت في ما مضى تؤدّي واجبا خيْريًّا استنقاذيًّا، آنيًّا، بسدّ شيء من حاجة الأفراد والأسر المحاويج، إلى وظيفة خدمية، ذات مردودية نمائيّة ملْموسة، وإضفاء طابع المؤسّسة عليه (التمويل)، ضمانا للنجاعة والتوسّع؛ إذ المؤسسة تكتسب صفة الحياة والاستمرار بفضل مخطط ونظام الأداء المنضبط الذي تتبعه، والذي هو -في الحقيقة- تقنين إذ شئنا أن نعيّن له موقعا في المنظومة التشريعية، فحتْما سندرجه في فقه الخدمة.. لأن إنشاء مشاريع العمل والاستثمار، وإدامة سير الخدمة وأوجه الإدارة والتكييف، والتحكّم في مستويات الإنفاق والتمويل والموازنات، هي الإطار التقنيني والتنظيمي الوضعي الذي يضمن سلامة الأداء ويحفظ المستثمرة من الوقوع في الاختلالات. وذلك بفضل فقه الضبطية، لأن ماهية الفقه في المدنية الإسلامية لم تقتصر على المجال التعبّدي فحسب، وإن مدوّنة قواعد المراقبة والمرجوعية المعيارية التي مارس بها المحتسب في الحضارة الإسلامية دوره، كانت مدوّنة فقهية من استنباط الفقهاء.

فقه الخدمة يحقق الفكر الشرعي وثبة نوعية في مجال توسيع الاجتهاد وتغطية أرضية التمدّن والنهضة والتطور بالمعادل التشريعي الاجتهادي.

تباشير نماء

من هنا نسجّل هذا تباشير النماء الحاصل اليوم في فكر التشريع، وعلى يد المدرسة التي أسّسها كُولن، إذ بفقه الخدمة يحقق الفكر الشرعي وثبة نوعية في مجال توسيع الاجتهاد وتغطية أرضية التمدّن والنهضة والتطور بالمعادل التشريعي الاجتهادي.

إن تجديدات الخدمة التجهيزية والارتفاقية والمدنية زيادة على طابعها التحولي الفعلي، هي أدخل في مطلب تحقيق الممايزة. ولا بدّ أن نلتفت إلى سورة الكافرون، وإلى الجدار الذي أقامته بين المسلم وغير المسلم؛ فهي سورة الـ”لا اندماج” ليس في باب العقيدة فحسب، ولكن في باب المثاقفة السلبية عامة. وإنه لبيِّن أن الأمّة التي لا تخطو بجدّ في حقل التمدّن والتصنيع وتحقيق الكفاية، لن تستطيع أن تحقّق التطابق مع هذا الإلزام الذي نادت به السورة. من هنا يتوجّب علينا المضي، وبكل عزم وتثبّت، تحصيلا للقوامة التي نغدو بها في مستوى ما توجبه علينا تعاليم كتابنا التي هيّأتنا لأنْ نكون محلّ احترامٍ وإلْهام وريادة وخير وإحسان للعالمين.

——————————————–

المصدر: سليمان عشرات، الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ119 120.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.