يرى “كولن” أن الإنسان الفعّال، المتجدد في روحيته وجدارته، هو الطرف الأبرز في صناعة النهضة، لذا فإن خطة تهيئة وإيجاد هذا الإنسان؛ إذا ما تمت برعاية الدولة تكون أسرع وأشمل، عكس ما يكون عليه الحال إذا ما كانت مساعي هذا التهييء والتكوين تجري خارج إشراف الدولة، أو عكس إرادتها، فعندئذ يكون الجهد سباحةً ضد التيار، وتنشأ علاقة الاعتراض والقمع التي تعيق أي صحوة، بل وتصادرها، وتضطرها إما إلى الانطفاء، وإما إلى العمل في جنح السرية والتخفي، مع ما يكون في ذلك من مخاطر على العاملين، ومن ضآلة ومحدودية على مستوى المردود والنتائج العائدة عليها.

هناك أنانية وقصور تعكسه أحيانًا شعارات دعوية تعتمد العمل التنظيمي الحصري، فكأنها تجعل من العمل التكتلي غايتها، فهي من ثَم تقصد إلى تحقيق الكيان الفئوي، أو التنظيمي، أكثر مما تهدف إلى الخدمة والبناء.

 يرى “كولن” أن الإنسان الفعّال، المتجدد في روحيته وجدارته، هو الطرف الأبرز في صناعة النهضة، لذا فإن خطة تهيئة وإيجاد هذا الإنسان؛ إذا ما تمت برعاية الدولة تكون أسرع وأشمل.

 فقه الواقع:

لا ريب أن الضغوط السياسية والأيديولوجية القامعة تحتّم على العاملين انتهاج سبل التستر والحذر، وإن من طبيعة هذا النوع من العمل -غالبًا- التزام التنظيم الهيكلي الخفي. فمساحة التحرك والتأثير ضيّقة، ومحفوفة بالتهديدات، ونتائجها غالبًا ما تكون بطيئة، ومتعسرة. وإن الاستمرار على اتباع نهج الحذر والتحفظ إنما تسوّغه روحية الثبات على الموثق، والحرص على المضي في الاستصلاح، ولو على نطاق محدود، وعدم إلغاء راية الدعوة على أمل أن تتهيأ الظروف الأفضل والأوفق للعاملين. من هنا رأينا الأستاذ كولن يقرر أن النهضات تنفّذها الدول الحرة، فهي التي تضمنها وتعطيها الصبغة الوطنية والقومية، بحيث تغدو رهانًا جمعيًّا، ومقصدًا مركزيًّا تتضافر على بلوغه الإرادات الخيّرة والجهود المباركة.

 لا ريب أن مبدأ إناطة النهضة بالدولة الحرة -كما رسم كولن- إنما أسَّست له تجربةُ العمر، وتَقلُّب الأوضاع بالأستاذ في مجتمعٍ سارت به سياسة التغريب على طريق الانسلاخ والتفريط في الهوية الأصلية.

ذلك لأن التقدم بالعمل الدعوي، باعتباره خطة نافذة وفعّالة في اتجاه البناء والتسديد، ظل يدبّ دبيبًا تحت ضغط القمع والمنع، قياسًا إلى الآمال التي كانت تسكن أعماق الأستاذ، وبالنظر إلى الدافعية العارمة التي لبثت تحرّكه وتجعله يوقف حياته على حلم تعميم الاستفاقة وتجذيرها في مجتمعٍ كانت آليات الأسْلبة والسلخ تفعل فعلها المنكر فيه، بعنادٍ وبلا هوادة.

أجل، كان الأستاذ يدرك أهمية تلك الأحجار القليلة التي يضعها أساسًا لليقظة، وقيمة تلك الخطوات التي يقطعها بكل جهد وإجهاد على طريق توطيد الصحوة، وكان موقنًا بأن ضم موضع شِبر إلى الأرضية المضاءة بنور الدعوة، هو فتح مبين.

————————————————

المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، ص: 183-185.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.