يحظى ملف التعليم بجانب العديد من الملفات الأخرى بأهمية كبرى في فكر الأستاذ كولن، إذ يعد الجهل مع الفقر والفرقة أحد الأمراض التي تعاني منها الأمة، والتي يسعى كولن من خلال رؤيته الإصلاحية في التعليم أن يعالج هذا الداء العضال الذي يسري في عقول أبناء أمتنا الإسلامية.

والإنسان مُعلِّمًا كان أو متعلمًا هو أحد أركان العملية التعليمة بجانب المدرسة والمنهج الدراسي، لذا يُوليه الأستاذ كولن أهمية قصوى، ويؤمن بأنه لو لم تتم تنشئة الإنسان تنشئة صحيحة تجمع ما بين حياة القلب والعقل، ستظل الأجيال المتعاقبة تضيع سدى، ولن تتمكن أمتنا من احتلال مكانتها اللائقة بها في النظام العالمي.

ورغبة من القائمين على إصدارة نسمات في تسليط الضوء على ملف التعليم في فكر كولن باعتبار أن طريق العلم المغذي للعقل والروح هو السبيل الوحيد لسعادة الإنسانية في الدنيا والآخرة فقد احتوت الإصدارة العاشرة على تسعة موضوعات، تتعلق كُلّها بالتعليم في فكر كولن والمقارنة بينها وبين بعض التجارب التعليمية التي برزت إلى الساحة للتركيز على الجانبين العلمي والروحي، وغرس الفضيلة في نفوس الطلاب والعمل على بناء شخصيتهم.

افتتاحية الإصدارة كتبها الأستاذ صابر المشرفي المشرف العام على الإصدارة، وفيها أكَّد على أهمية التعليم بكل أبعاده الشمولية باعتباره يُمثّل جوهر المنهاج الإصلاحي، وأن سِرَّ مركزية التعليم تكمن في الإنسان، ومن ثمَّ فإن إصلاح الأجيال مرتهن بإصلاح التعليم.

وحول “مفهوم التعليم في فكر الأستاذ كولن” كتب الباحث والكاتب الأكاديمي التركي يوكسل تشاير أوغلو مؤكدًا أن الأنشطة التربوية والتعليمية هي أبرز مظاهر حركة الخدمة، كما عرض في بداية دراسته بعض تعليقات كولن حول أهمية التعليم، وبعض الملاحظات التي وجهها للنظام التعليمي، والتي من أهمها أنه لا يتأتى تنشئة العظماء إلا من خلال تهيئة مناخ حر بعيدًا عن أي ضغط أو قمع، وأن التربية والتعليم يجب أن يسيرا جنبًا إلى جنب في أي نظام تعليمي ناجح.

ومن خلال دراسته “التعليم المعاصر بين سوق العمل وبناء الشخصية” أكّد تشارلز نيلسون الأستاذ المساعد بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة كين نيو جيرسي أنّ الذين بذلوا الجهد والمال من المتأثرين بأفكار كولن فعلوا ذلك لأنه يسعى لتكوين توليفة مثالية من الوقت والمكان والسياق والإنسان الذي يجعل من خدمة الإنسانية هدفًا أسمى.

أمّا مارجريت راوش في دراستها “التقوى طريق التقدم مجالس دروس النساء في حركة كولن” فقد وضّحت أهمية مجالس الدروس التي تُعقد أسبوعيًّا في مدينة كانساس لمؤيدي الخدمة من النساء، كما تقصّت آراء النساء حول دور الإيمان والتقوى في حياتهن، وتأثير تعاليم كولن في رسم معالم هذا الدور، وأثر مشاركتهن في مجالس الصحبة على نموهن الشخصي.

هذا إلى جانب موضوعات أخرى تسبر جوانب متعددة من نموذج الأستاذ كولن الإصلاحي، وتوضح المرجعية الأخلاقية لديه فكرًا وسلوكًا، وتعرض بإيجاز أهم مفاتيح التجديد في مشروعه الإصلاحي.

كل ذلك من خلال باحثين متعددي الجنسيات والثقافات والمرجعيات الفكرية والثقافية مما يشي بإنسانية هذا المشروع الذي يقدم تطبيقًا عمليًّا معاصرًا للإسلام.