يواجه النظام التعليمي ومقوماته الأساسية تحديات كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. لكنني لا أرى تحديًا أهم لبقاء الأمة من تعليم الطلاب التواصل مع جانبهم الإنساني بوصفهم أفرادًا يعيشون في أمة متعددة الثقافات واللغات وسط عالم دائم التغير. لا أحد ينكر أننا نعيش في عالم مترابط، حيث قد تؤدي الأفعال في أحد أطراف العالم إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي في جميع أنحاء العالم، وتدمير أنظمة بيئية، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، التي تترك البشر في معاناة كارثية، وهو ما نرى آثاره بصورة يومية. لا يكفي قياس التميز التعليمي وفقًا للمعايير الأكاديمية ونتائج الاختبارات فحسب. إن إغفال الرؤى متعددة الثقافات، ومهارات التواصل، والسلوكيات التي تؤهل الطلاب للعيش والدراسة والعمل في عالم متغير يحكم على شبابنا بحياة الجهل والضحالة. تستشهد هذه الدراسة بالنجاحات التي حققتها المشروعات التعليمية المستوحاة من فكر كولن، وتناقش الحاجة إلى تحديث المناهج في نظام التعليم الأمريكي، وأفضل سبل تطبيق فلسفة فتح الله كولن وأفكاره في مجال التعليم. كما تتناول الدراسة تطبيق منهج الحوار بين الثقافات والأديان، لنشر السلام والعدل والتناغم، في سياق هويتنا الوطنية وأسسنا التعليمية.
من واقع عملي معلمةً في مدرسة حكومية أمريكية، وأستاذةً في الجامعة، وعميدةً لكلية التربية، عايشت على مدار العقود الأربعة الماضية تجارب تدريس الطلاب بنظام K-16 في أماكن عديدة مثل نيويورك، وتكساس، وكاليفورنيا، وكانساس، وجزر العذراء الأمريكية. أكتب هذه الدراسة من القلب، ومن منطلق خبرتي البحثية في مجال التعليم ثنائي اللغة/متعدد الثقافات. إذا قلنا إن النظام التعليمي ومقوماته الأساسية تواجه تحديات كثيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا نبسّط الأمور. لكنني لا أرى تحديًا أهم لبقاء الأمة من تعليم الطلاب التواصل مع جانبهم الإنساني بوصفهم أفرادًا يعيشون في أمة ديمقراطية متعددة الثقافات واللغات وسط عالم دائم التغير. الواقع أن إصلاح المناهج وتحقيق النتائج المرجوة من التعليم في أي أمة مرهون بالنخب الاقتصادية والسياسية التي تتحكم في التمويل والسياسات. يرتبط التعليم بفرص التوظيف، وإتمام التعليم العالي، ومستوى المعيشة، وغيرها من المتغيرات. لهذا من المستبعد على أمة كالولايات المتحدة، تطبق نظام تعليم لا مركزي يمنح كل ولاية حرية إدارة مدارسها بصورة مستقلة، أن تتفق بالإجماع على منهج واحد وطريقة تدريسه. لكن بناء على كتابات ووصايا الفيلسوف والمفكر الإسلامي التركي البارز فتح الله كولن، أشعر بضرورة تأييد نشر مهارات التفكير العليا في جميع المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة. هناك حقائق بديهية عامة، بغض النظر عن أي اختلاف في الآراء السياسية. من البديهي أن يدرك كل الطلاب أننا نعيش في عالم مترابط، وأن نتعلم جميعًا أن نكون ضيوفًا مسؤولين في تعاملنا مع أرضنا، وأن نتعلم احترام التنوع الإنساني بكل أبعاده. لا أحد ينكر أننا نعيش في عالم مترابط، حيث قد تؤدي الأفعال في أحد أطراف العالم إلى الإخلال بالتوازن الطبيعي في جميع أنحاء العالم، وتدمير أنظمة بيئية، وإشاعة حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، التي تترك البشر في معاناة كارثية، وهو ما نرى آثاره بصورة يومية. إن تناقل معارف الماضي والتغلب بذكاء على تحديات المستقبل بهدف بقاء الجنس البشري يتيح لنا الحياة الأبدية
على هذا الكوكب. وفي النهاية، يجب أن تكون الحكمة جوهر ما نسعى إلى تحقيقه بالتعليم. أؤمن بحاجتنا العاجلة إلى إقامة حوار وطني ودولي بين قادة مجتمعاتنا التعليمية.
على سبيل المثال، أخشى في عالم ما بعد 11 سبتمبر أن يتعلم الأطفال معاداة الآخرين بناء على التصورات النمطية والدعاية السياسية. من الضروري بشدة أن يتعلم الأطفال الاهتمام بضحايا حوادث التعصب والوحشية، والحروب الخاسرة بوجه عام. لا بد أن يكون التفكير بعمق في هذه القضايا جزءًا من المنهج الذي يتعلمه كل طالب. (كون، 2001: 2)
بحسب فهمي وتأويلي لأعمال فتح الله كولن، يجب ألا يهدف التعليم إلى حشو عقول الأطفال وقلوبهم كما يملأ المرء آنية فارغة، بل أن يُعنى بجانبهم الإنساني والروحي وذكائهم الفطري، لتوجيه مجتمعاتنا العالمية المترابطة نحو نشر السلام والعدالة والرخاء. يقول كولن (2002):
“الفهم هو الواجب والهدف الأساسي لحياة الإنسان. وجهود تحقيق ذلك، المعروفة باسم التعليم، هي عملية متقنة نصل من خلالها -على الصعيد الروحاني والفكري والجسماني- إلى المرتبة المخصصة لنا بوصفنا أفضل المخلوقات” (ص 58).
يستطيع مفكرون وكتّاب كثر حول العالم كتابة كلمات تترك أثرًا في النفوس، لكن قلة قليلة منهم ترتقي كلماتهم بالآخرين إلى مستويات غير مسبوقة من الفهم، وتدفعهم إلى أخذ خطوات إيجابية. يقول كولن (1997) في كتاب “درر الحكمة”: “إذا أراد أي شعب أن يؤمّن مستقبله، فعليه تسخير كل جهد ممكن لتربية أطفاله كما يفعل مع مشكلاته الأخرى. في حين قد تذهب الجهود المكرّسة لقضايا كثيرة سدى، فإن أي جهد مبذول لتنشئة جيل الشباب يرتقي بهم إلى مكانة البشر. ويصبح هؤلاء الأشخاص معينًا لا ينضب ومصدرًا للدخل. (ص 37)
تكشف هذه النصيحة أفكار كولن حول أهمية الاستثمار في الأطفال والشباب لتأمين مستقبل أي أمة. وقد تعلمتُ الكثير منذ ذلك الحين حول ترك أثر إيجابي وتأثير رؤيته الملهمة. فلنأخذ على سبيل المثال مؤسسة الصحافيين والكتّاب (JWF)، المؤسسة الأم لمنصة الحوار بين الثقافات؛ فهي تشجع الحوار بين أتباع الأديان ونشر السلام والتفاهم في جميع أنحاء العالم. كما ظهرت مدارس كثيرة حول العالم مبنية على فلسفة كولن التعليمية الملهِمة. صحيح أن كولن لا يمول هذه المؤسسات أو يديرها، لكن فلسفته التعليمية هي الأساس والقوة المحركة لكل هذه الجهود. ويُعتقد أن مثل هذه المؤسسات منتشرة في أماكن كثيرة حول العالم. وتضم مدارس في الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى ضمن دول الاتحاد السوفيتي السابق: كازاخستان، وقرجيزستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، والبلقان، وجنوب شرق آسيا، وإفريقيا، وروسيا، وأوروبا الشرقية، وأستراليا، والولايات المتحدة. وقد أُغلقت بعض المدارس في أوزبكستان نتيجة خلاف سياسي مع تركيا. ويُعتقد أن هناك نحو 700 مدرسة مبنية على فكر كولن في جميع أنحاء العالم. (وودهول، 2005؛ آسيا الوسطى: مدارس فتح الله كولن التبشيرية، 2002).
ومن منطلق رغبتي في إصلاح التعليم في الولايات المتحدة، أرى أن هناك دروسًا مستفادة من أعمال فتح الله كولن، يمكن بل يجب تطبيقها على المدارس في أمريكا. العديد من مدارس وأكاديميات كولن مؤسسات خاصة، يحق لها طرد الطلاب الذين لا يلبون المعايير المتوقعة. ومن بين هذه المدارس الخاصة مدرسة بروكلين أميتي ومدرسة بايونير في نيويورك. لكنني أؤمن أن كل المدارس الحكومية، بما فيها المدارس الدستورية الحكومية التي تستقبل مختلف الطلاب، تستطيع الاستفادة من هذا النموذج والأسس الفلسفية لمدارس كولن.
نحتاج إلى غرس أربعة مبادئ تحديدًا في المدارس الأمريكية بصورة عاجلة: الحوار بين الأديان/الثقافات، وتربية الشخصية، وإشراك الوالدين وتثقيفهم، والحرص على تكامل المواد العلمية والروحانية. طبقت مدارس أمريكية كثيرة بعض هذه المبادئ، لكن ما زال أمامنا الكثير.
بدأت محاولات تربية الشخصية بهدف مساعدة الطلاب أن يكونوا مواطنين أفضل، وأن يتركوا أثرًا إيجابيًا في مجتمعهم. لكن إحصاءات الجريمة الوطنية تكشف “وقوع نحو 3 مليون جريمة سنويًا داخل حرم المدارس أو قريبًا منه؛ أي بواقع 16 ألف جريمة لكل يوم دراسي أو جريمة كل 6 ثوان. ووجدت دراسة حديثة عن العنف الأسري أن عددًا كبيرًا من فتيان المدارس الثانوية يرون أنه لا بأس أن يضرب الفتى صديقته إذا أغضبته” (لماذا يهتم الأطفال؟ ص 1). يجب أن يكون الوالدان والعائلة جزءًا لا يتجزأ من حياة الطالب في المدرسة وفي المنزل. لكن هذا الرأي مخالف لواقع ملايين الطلاب الذين يبقون في المنزل وحدهم حتى عودة والديهم، أو الذين تعرض والداهم للسجن، أو أبناء والدين قُصر، أو الذين يعيشون مع أجداد مسنين أو مع إخوة وأخوات. وفي النهاية يواجه المعلمون ومديرو المدارس والموظفون الحكوميون الأمريكيون مشكلات اجتماعية خطيرة تؤثر على عدد كبير من شباب أمتنا. لهذا حري بالقطاعين الحكومي والخاص الاستفادة من نموذج فتح الله كولن والتزامه بالاستثمار في التعليم ومحاولة رفع مستواه.
نشرت وزارة التربية والتعليم الأمريكية مؤخرًا نتائج دراسة بعنوان “التقييم الوطني للتقدم في التعليم”، تشير إلى أن طلاب المدارس الحكومية في الولايات المتحدة “على نفس مستوى طلاب المدارس الخاصة أو أفضل في بعض الفئات مثل رياضيات الصف 4… عند تعديل الدرجات بناء على السمات الاقتصادية الاجتماعية، والعرقية، وغيرها” (زير، 2006: 1).
غير أنه بالنظر بعمق إلى ما يتم قياسه و”الممارسات المثلى” للحصول على درجات عالية، لا تُجمع سوى البيانات الكَمية حول المادة. وليس هناك ذكر لأثر المتغيرات النوعية على الجانب العاطفي، والتوجهات العرقية، وتطور الشخصية، والعلاقات الإنسانية، والبروتوكول متعدد الثقافات وما شابه (فياديرو، 2006: 12).
لا شك أن التعليم أملنا المشترك لتحقيق التنوير الروحاني والتطور الفكري لعائلتنا البشرية. يوفر التعليم ملاذًا آمنًا للأشخاص من مختلف الأعمار، والأعراق، والثقافات، والأديان، والعقائد، واللغات، والأصول الوطنية، والجنسيات، والمستويات الاجتماعية الاقتصادية، وأنواع الإعاقات وغيرها، لنجتمع فيه معًا تحت “راية” الحرية الفكرية والروحانية، لاستكشاف معنى حياتنا ورسم أحلامنا من أجل غد أفضل لنا ولذريتنا. يجب أن تنتبه العائلات التي ترسل أطفالها إلى مدارس حكومية أو خاصة لما يتعلمه أطفالهم، وأن يدققوا النظر فيما يتعلمونه حول جوانب إنسانيتهم، وألا يقتصر اهتمامهم بالمواد المعرفية التي يسهل حفظها واسترجاعها في الاختبار.
على سبيل المثال، يجب أن ننشغل جميعًا بما يتعلمه الأطفال عن ثقافتهم وثقافة الآخرين، والصراعات التاريخية، والإسهامات المقدمة للبشرية. ماذا يتعلم الأطفال في أمريكا مثلاً بشأن قيمتهم الذاتية وكرامتهم، وقيمة وكرامة الآخرين؟ هل يتعلم أطفالنا التواصل برغم الحواجز العرقية والثقافية؟ هل يتعلمون إدراك حقيقة التصورات النمطية والأساطير والتوجهات الراسخة في تاريخنا الوطني حول قيمة التنوع الثقافي واللغوي؟ هل يشجَّعون على فهم صراعات الفئات المضطهدة في جميع أنحاء العالم، وصراعات الأمريكيين الذين يحملون على عاتقهم ميراث العنصرية والحرمان الاقتصادي؟ هل يهدف التعليم الأمريكي لغرس الفضول الفكري والتفكير النقدي والتوجهات الإنسانية في نفوس الطلاب؟ هل يهدف تعليم أي أمة لذلك؟
اكتشفتُ بعض أوجه الشبه المثيرة للاهتمام بالفعل بين وصف التنوع الثقافي في الأناضول القديمة وفي الولايات المتحدة. يناقش كولن (2004) في كتاب “الحب وجوهر الإنسانية” كيف أسهمت الأعراق والأديان والآراء العالمية المختلفة في إثراء الثقافة العثمانية وتطويرها. يقول: “أرى أنه يجب الانتفاع من هذا الثراء الثقافي وتقديره في المستقبل باعتباره كنزًا لا مثيل له ومصدرًا للقوة”. (ص 80) جاء تفرد الثقافة التركية نتيجة ثراء هذا المزيج الغني من الأشخاص والتسامح مع فكرة التنوع. أصبح كولن قائدًا عالميًا للحوار بين الأديان والثقافات. وهو يؤكد أن الخلاف قد ينجم عن التنوع في المجتمع، الذي يراه نقطة ضعف بدلاً من نقطة قوة. يقول كولن إن الأشخاص قد يفكرون بطريقة مختلفة ويعتنقون آراء متباينة، لكننا “نطمح جميعًا إلى بناء عالم خال من الصراعات والنزاعات يسوده التسامح والحوار”. (ص 81)
يمتلئ تاريخ الولايات المتحدة بمحاولات إرساء الوحدة والوعي الوطني بين مزيج واسع من الأشخاص الذين حملوا الجنسية الأمريكية باختلاف ظروفهم. لا بد أن نتعامل بحذر وحساسية مع ميراث العبودية، ومشكلات الحدود مع المكسيك، والهجرة المستمرة، والارتحال، وضم الأراضي، والحروب، ومجموعات الكراهية مثل كلان، وغيرها من المجموعات التي قد تظهر نتيجة الأحداث الجارية.
الثابت الوحيد الذي ألاحظه في التعليم الأمريكي هو غياب الحوار الحقيقي بين الثقافات وأي محاولة جادة لغرس قيم الفهم والتقدير في نفوس الطلاب حول طبيعة الحياة في مجتمع متعدد الثقافات واللغات في عالم مترابط. لم يتم إلغاء الفصل العنصري في المدارس الأمريكية حتى عام 1954 بصدور قرار المحكمة العليا في قضية براون ضد مجلس التعليم. وبدأ البيض والسود يتعلمون معًا لكنهم لم يتعلموا تقبل أحدهم الآخر معنويًا. وظلت الآراء والمعتقدات المغلوطة راسخة لسنوات طويلة. يجب أن تسعى أي أمة مثل الولايات المتحدة تحمل هذا الميراث من الاضطهاد لتغيير هذا النمط، من خلال بذل الجهود الواعية لتعليم الأشخاص محاولة فهم أحدهم الآخر وتقديره. وكما تعلّم الشعب الكراهية يجب أن يتعلم الحب. فتجاهل العلة لن يشفيها. تُرى ماذا ستتعلم الأجيال القادمة من أحدث صراعات الشرق الأوسط على الساحة اللبنانية والإسرائيلية إذا لم نعلمهم شيئًا آخر؟
والآن بعد مرور أكثر من 240 عامًا على الحرب الأهلية، ما زال الآباء الأفريقيون الأمريكيون يخافون مما سيواجهونه في مدارسنا. أود أن أشارككم قصيدة جميلة بعنوان “أجبني يا طفلي” بقلم رونالد كولمان (منشورة في هالي، 1986).
أجبني يا طفلي
ماذا تعلمت اليوم؟
هل أخبرك أحد كيف تواجه الغد؟
هل أخبرك أحد لماذا يوجد أشخاص لا يعرفونك؟
هل عرف أحد من أنت؟
هل عرف أحد أنك تحمل دماء إفريقيا في عروقك أم هل تظاهروا بأنهم لا يرون لونك وبالتالي ينكرون قيمته؟
ماذا تعلمت؟
هل شرح أحد معنى الحرية؟
هل شرح أحد معنى العنصرية؟
هل شرح أحد معنى الحب؟
هل عرف أحد أي شيء عن هذه الأشياء؟
هل عرف أحد أي شيء؟
ماذا تعلمت اليوم؟ (ص 151).
التعليم الرسمي الذي نراه في مؤسساتنا الحكومية اليوم لا يوفر الوقت أو المساحة النفسية لتنمية مهارات التفكير المنطقي والحدس الروحاني لأطفالنا، وهي مهارات لازمة للتفكير بانفتاح ونزاهة في الوضع الإنساني المعقد وعلاقته بالمنهج الدراسي. لا بد أن يصر الآباء وأفراد الأسرة على وضع منهج متعدد الثقافات، مصمم لتعليم الأطفال احترام التنوع الإنساني وتقديره، والإسهامات التي يقدمها كل فرد منا للحضارة الإنسانية.
يقول كولن: “يجب احترام أفكار الآخرين ومشاعرهم لأنهم “بشر”، ويجب قبول الجميع على اختلاف ظروفهم وأفكارهم. وهذا التصرف من صميم الإسلام الذي يوليه أهمية كبرى. ولهذا، أؤمن شخصيًا بضرورة نشر أفكار مثل “السلام الاجتماعي والتسامح” لتحقيق السلام والسعادة بين البشر”. (ص 83). تعتنق الأديان الأخرى هذه القيم أيضًا، لكن الأطفال لا يتعلمون شيئًا حول تشابه التعاليم في مختلف الأديان. يجب تضمين هذه الأفكار في المناهج حول العالم، ولا سيما في أمم مثل الولايات المتحدة التي تتسم بالتعددية في الأصل.
شهدت الستينيات ظهور توجه ديمقراطي ينادي بالمساواة التعليمية والتعددية الثقافية، كان من نتائجه تجديد المناهج والتركيز على العدالة الاجتماعية. وللأسف تعرضت هذه الحركة لرد فعل عنيف منذ عام 2000، وأحجمت القوى السياسية عن اتخاذ أي إجراء إيجابي أو توفير فرص تعليمية متكافئة. لكن ما زالت هناك منظمة واحدة؛ الرابطة الوطنية للتعليم متعدد الثقافات، تواصل المناداة بتغيير المنهج لدعم المساواة في التعليم. تعرّف المنظمة التعليم متعدد الثقافات على موقعها كما يلي:
“التعليم متعدد الثقافات فكرة فلسفية مبنية على مُثل الحرية، والعدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والكرامة الإنسانية المنصوص عليها في وثائق عديدة، مثل إعلان الاستقلال الأمريكي، ودستوري جنوب إفريقيا والولايات المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تتبناه الأمم المتحدة. وهو يؤكد حاجتنا إلى إعداد الطلاب لتحمل مسؤولياتهم في عالم مترابط. ويوضح الدور الذي تستطيع المدارس أن تلعبه في غرس التوجهات والقيم اللازمة لإرساء مجتمع ديمقراطي. كما يحترم الاختلافات الثقافية ويعترف بالتعددية التي يجسدها الطلاب ومجتمعاتهم ومعلموهم. ويتحدى كل أشكال التمييز في المدارس والمجتمع من خلال نشر المبادئ الديمقراطية للعدالة الاجتماعية”.
أرى أنه يمكن دعم الفلسفة الأساسية للرابطة الوطنية للتعليم متعدد الثقافات بتأييد جهود الحوار بين الأديان والثقافات، التي يقوم بها أولئك الراغبون في نشر أعمال كولن. وأنا أؤمن بضرورة نشر أفكاره وكتاباته بين أوساط المربّين ذوي التوجهات المشتركة لضمان وحدة الهدف العالمي الأكبر، ونفع المربّين الأمريكيين غير المطلعين على أعمال كولن التي تهدف إلى السلام العالمي، والكرامة الإنسانية، والتنمية البشرية.
ومن السمات الأخرى المهمة لفلسفة كولن التعليمية أنه لا داعي لفصل العلوم والتكنولوجيا عن الروحانيات أو الإيمان. وبالتالي هناك تركيز شديد على تعليم التكنولوجيا والعلوم في هذه المدارس المنتشرة حول العالم. تشارك مدارس كولن في معارض ومسابقات العلوم في جميع أنحاء العالم، وكثيرًا ما تحقق النجاح فيها. ومن الأمثلة التي يُحتذى بها مدرسة ويلو الدولية (أو الكلية التركية) في موزمبيق. فازت المدرسة بالمركز الثاني في مسابقة مشروع الكمبيوتر الدولي المقامة في رومانيا (آيديمير، 2006). كما شاركت المدارس التركية في المملكة المتحدة في معرض العلوم (3rd Axis) الذي تنظمه مؤسسة أكسس التعليمية ومؤسسة لايت هاوس التعليمية (سمر، 2006). هناك نماذج أخرى كثيرة للتميز في العلوم في مدارس كولن. تتوافق أفكار كولن حول دور العلوم وعلاقتها بالقوانين الإلهية توافقًا تامًا مع مجمل آرائه في التعليم. يحصل القارئ عند قراءة كتاب “أساسيات الدين الإسلامي” (2005) على رؤية واضحة بشأن العلاقة المعقدة بين العلوم والخلق. يشجع كولن القارئ ألا يخشى العلوم، بل أساليب استغلالها. فيقول: “…العالم الطبيعي ككتاب ندرسه، ومعرض نشاهده، ووديعة ننتفع بها”. (ص 272) ويقول أيضًا إن العلم يكشف لنا هدف الخالق. (ص 272) توجد هذه الأفكار في كتابات أخرى، وهناك ما يدعمها في الأديان الأخرى. على سبيل المثال، أحد مبادئ الديانة البهائية انسجام الدين مع العلم. يقول بول لامبل (1999) أحد الكتّاب البهائيين المعاصرين: “الشخص الذي يبتغي الحكمة يستمد التوجيه باستمرار من نظام المعرفة الثنائي القائم على العلم والدين. سقطت البشرية عدة مرات على مر التاريخ في شِراك الخرافات والتعصب من جهة، والنزعة المادية والنسبية الأخلاقية من جهة أخرى. لكن الحقائق المصاحبة لهذين النظامين تساعد على تفادي هذه الأخطار”. (ص 16-17)
من المثير للسخرية انتشار جدل عنيف في الولايات المتحدة اليوم حول قيمة العلم والنظريات العلمية مثل نظرية التطور. لم يهتم نظام التعليم الأمريكي بمحاولة التوفيق بين العلم والدين. ومنذ عام 1925 على سبيل المثال، واجهت السياسات المعادية للتطور تحديات كثيرة بدأت بمحاكمة سكوبز (التطور والتعليم والقانون، 2005). وعلى الجانب الآخر، ثار جدل شديد في الثقافة الأمريكية حول ما يُعرف باسم “فصل الكنيسة عن الدولة”، الذي أدى إلى وقوع أفعال شبه متعصبة من أولئك الذين لا يريدون أي إشارة لله أو الدين في المدارس، وأنكروا حق الطلاب في الصلاة صامتين، أو ارتداء الزي الثقافي المتوافق مع معتقداتهم، لدرجة شن هجوم عنيف على العلم بوجه عام. كتب ليون لين (1997، 1998) مقالاً مفيدًا حول مهاجمة العلم قال فيه: وجد اليمينيون والأصوليون الدينيون الدعم في القوى السياسية الذي ظهرت في السنوات الأخيرة. فيهاجمون أنصار التطور، ويعارضون فكرة تطبيق نظام مدرسي علماني بتمويل حكومي معارضة متزايدة، أثناء محاولة التصدي لفكرة فصل الكنيسة عن الدولة بموجب الدستور الأمريكي، ووضع بصمتهم الدينية الخاصة على المناهج المدرسية. (ص 1) وهكذا تتدخل السياسة حتى في مجال الدين والعلم، وتجعل فكرة تقبل التنوع سببًا لسوء الفهم. وعلى الجانب الآخر، أقامت عائلة إحدى خريجات مدرسة ثانوية في لاس فيجاس دعوة جديدة بسبب اقتطاع جزء من كلمتها بسبب الإشارة إلى المسيح والدعوة إلى ديانتها (إحدى الخريجات تقاضي مدرسة في نيفادا لاقتطاع جزء من كلمتها، 2006).
لست متأكدًا إن كانت توجهات الشخص حول العلم تفرض القيود على اختيار تخصصه الأكاديمي في الولايات المتحدة، لكن من الملاحظ أن كثيرًا من أساتذة الهندسة والعلوم الصعبة في الجامعات الأمريكية كانوا طلابًا دوليين قبل توظيفهم. كذلك هناك نقص شديد في معلمي العلوم والرياضيات في الولايات المتحدة، وتكشف الاختبارات أن طلاب المدارس الحكومية لا يبرعون في هذه التخصصات. إن التفوق الأكاديمي، والاستثمار في الشباب، والاهتمام بمجتمعاتنا، وبمستقبل الديمقراطية كلها أمور على المحك إذا لم يدعم الشعب مدارسه بحماس وشغف.
من الضروري أن يراقب الوالدان فهم أطفالهم. لا يكفي أن تسأل طفلك يوميًا ماذا تعلّم، بل اسأله عن رأيه فيما تعلمه أو انطباعه عما فعله في المدرسة، لتحصل على رؤى مفيدة حول التوجهات والتصورات التي يكوّنها حول المجتمع، والماضي، والحاضر، والمستقبل، وعن نفسه، وعائلته، ومعتقداته، وقيمه.
بهذه الطريقة، تجد العائلات نقطة انطلاق تبدأ منها الحوار مع أطفالها بشأن أفكارهم وتفسيرهم للحياة والواقع. حينها سيتمكنون من مساعدتهم على تشكيل معاني الأشياء بأنفسهم، وتعلّم التفكير النقدي المستقل، والتحلي بالثقة في النفس، والتأكد أن أفكارهم ذات قيمة ومغزى.
وفي الختام، هناك الكثير ليُقال ويُكتب حول هذا الموضوع باعتراف الجميع، لكن نطاق هذه الدراسة لا يتسع. آمل أن تُقام حوارات بين الثقافات وأن يتم التركيز على ما يحتاج الطلاب والشباب في الولايات المتحدة إلى معرفته عن الآخَر وعن العالم الذي نعيش فيه. لا بد أن يكون التعليم في قمة أولويات أمريكا. لم يعد هناك متسع من الوقت أمام جموع الناخبين المثقفين لتحقيق السلام والحفاظ على الديمقراطية.
قائمة المراجع
إتش آيديمير (21 مايو 2006)، المدرسة التركية في موزمبيق تفوز بأول ميدالية في العلوم.
“آسيا الوسطى: مدارس فتح الله كولن التبشيرية”، (11 أبريل 2002)، النشرة الإخبارية.
“التطور والتعليم والقانون”، 21 سبتمبر 2005.
فتح الله كولن (1997)، “درر الحكمة”، (ترجمة علي أونال)، فيرفاكس، فرجينيا، دار نشر ذا فاونتن.
فتح الله كولن (2002)، “مؤيد الحوار”، جمع علي أونال وألفونس ويليامز، فيرفاكس، فرجينيا، دار نشر ذا فاونتن.
فتح الله كولن (2002)، “مقالات ورؤى وآراء”، جمع دار نشر ذا فاونتن، راذرفورد، نيويورك: مؤسسة ذا لايت.
فتح الله كولن (2004)، “الحب وجوهر الإنسانية”، (ترجمة إم أونال وإن كورماز). أعده للنشر فاروق تونجر، إسطنبول، تركيا: منشورات مؤسسة الصحافيين والكتّاب.
فتح الله كولن (2004)، “نحو حضارة عالمية”، (ترجمة إم أونال وإن هاليلوغلو وإم فانيكوتشوك محميدوغلو، جيه إل كندور واتش يسيلوفا (تحرير النص الإنجليزي)، سومرست، نيويورك: مؤسسة ذا لايت.
جيه إي هالي (1986)، “الأطفال السود: أصولهم وثقافتهم وأساليب تعلمهم” (نسخة مراجعة)، بالتيمور، ماريلاند: مطبعة جامعة جونز هوبكنز.
إيه كون، (2001، وينتر).
بول لامبل (1999)، “بناء عقلية جديدة: تأملات حول الفرد والمؤسسات والمجتمع”، شاطئ الريفيرا، فلوريدا: بالابرا بابليكيشنز.
إل لين (1997، 1998، وينتر).
كيه سمر (16 مايو 2006)، “مدارس تركية تقيم معرض العلوم في لندن”، تم الاسترجاع يوم 29 مايو.
“إحدى الخريجات تقاضي مدرسة في نيفادا لاقتطاع جزء من كلمتها (15 يوليو 2006)، جريدة لوبوك أفالانشي، ص. ب 4.
دي فياديرو (14 يوليو 2006)، “الممارسات المثلى” المستخلصة من دراسات لأكثر من 250 مدرسة.
آر وودهول (نوفمبر 2005)، “تنظيم المنظمة وتربية المربّين: فحص لتعاليم فتح الله كولن وعضوية الحركة”، بحث مقدم في مؤتمر الإسلام في العالم المعاصر: حركة فتح الله كولن بين الفكرة والتطبيق، هيوستن، تكساس.
إم إيه زير (18 يوليو 2006)، “المدارس الحكومية على نفس مستوى المدارس الخاصة أو تتفوق عليها في بعض المجالات”، نتائج دراسة فيدرالية.