إن الذين كانوا يثيرون أمس عواطف الناس ويستغلونها بشعار “كل يوم عاشوراء، كل مكان كربلاء”، بزعم أنهم يمارسون “الإسلام السياسي”، نراهم اليوم قد تبنوا شعار “كل يوم كذب، كل يوم افتراء”.
لا يمر يوم دون تزويد الإعلام (وبعض الدوائر الرسمية) بمعلومات مشوهة حتى ينشر ادعاءات مليئة بالافتراءات، ولا يمضي يوم دون أن تحاك فيه مؤامرة ضد حركة الخدمة من خلال الاستعانة بوثائق مزوّرة لإثبات أوقح الأكاذيب من أجل اتهامها، فهل يمكن لمن يختلقون الأكاذيب ويقدمونها للمجتمع في أثواب مزينة أن يكونوا رجال دولة؟ وهل يمكن للذين توحشوا وتحولوا إلى آلات لإنتاج الأكاذيب أن يظلّوا مسلمين؟ حفظنا الله وإياكم!
نصبوا المكائد واحدةً تلو أخرى، فقد حاولوا وضْع أسلحة في المنازل التي يرون أصحابها مرتبطين بحركة الخدمة أو المؤسسات التي يعملون بها، ثم الإقدام على اقتحامها بغتة برفقة نشر مشاهد باعثة على الاشمئزاز من العملية، لتقديم الحركة على أنها تنظيم مسلح، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، ولن يفلحوا أبدًا، لكنهم لم يتخلوا عن حياكة سيناريوهات قذرة جديدة اعتمادًا على غطرستهم وجرأتهم الديكتاتورية التي لا تعرف الإنصاف ولا تذعن لصوت الضمير، وفوق ذلك، فإنهم يريدون الاستمرار في هذا المضمار باختلاق وثائق مزورة وشهود زور، وآخر سيناريو مظلم يراد طرحه في السوق هو القيام بالدعاية السوداء للإيهام بأن هناك صلة بين حركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني الإرهابي، ولا شكّّ في أن مبادرتهم إلى مثل هذا السيناريو الوضيع تدل على عجزهم ونفاد حيلتهم بعد فشل هذا الكمّ الهائل من أكاذيبهم وافتراءاتهم، فالذين عقدوا علاقات حميمة مع العمال الكردستاني، وقدموا له ما لا يستطيعون إنجازه من الوعود في الاجتماعات السرية، وتفاوضوا معه وكأنه يمثل جميع الشعب الكردي نجدهم اليوم قد أصيبوا بالذعر والخوف بعد أن تعقّدت الأمور وتفاقمت الأزمة وعجزوا عن تنفيذ مطالبه.
يبدو أن من خدعوا الأكراد بأحلام وردية ودغدغوا مشاعرهم حتى الفوز بالانتخابات البلدية والرئاسية، عمدوا الآن إلى وضع “خطة عمل” ظانين أنهم سيصيدون مجموعة عصافير بحجر واحد، فهم يتحدثون عن التعاون بين العمال الكردستاني وحركة الخدمة حتى يتسنى لهم الهجوم على شريحة كبيرة من المجتمع، من جانب؛ ومن جانبٍ آخرَ ليرتكبوا جريمة إلصاق بعض الجنايات بهذا التعاون الوهمي، لكن هناك العديد من الأمور والنقاط يتجاوزها الذين هبّوا من أجل تجريم الخدمة عبر موظّفيهم العاملين في صفوف العمال الكردستاني بمرتبات شهرية رسمية وعناصرهم من “الدوشيرمة”، فالخدمة لم يكن لها أي علاقة بالسلاح والإرهاب وأي تنظيم غير قانوني، ولن يكون مستقبلًا أيضًا.
وربما هناك من يأخذون دورًا بشكل أو بآخر في هذه الإجراءات البائسة من أهل الإنصاف والضمير ويشمئزون من آلية الافتراء هذه، ويعرفون كل شيء عمّن يقفون وراء هذه المؤامرات، ومن يؤدّون دورًا في إطارها، ومن استؤجروا خصيصًا لهذا الأمر، ولعلهم يتحينون الفرصة المناسبة لإفشاء هذه الأسرار وفضح أصحابها، فضميرهم لا يحتمل هذا النوع من الافتراء الرهيب الذي يقوده محور الشر، أما المفترون فهم يعيشون حالة من العمى جراء سَكَرتهم في ظل انتصارات ظاهرية آنية، وينسون أنهم سيُسألون ويجازون على أعمالهم غير القانونية، ولو حمتهم القوانين الحالية، وإن كل من يخرج على القانون في هذا البلد سيُحرم من النوم الهانئ، كائنا من كان، وأيا كان منصبه، وسيحاسبون على تصرفاتهم في وضح النهار يوما ما، فهذا قدرهم المقدَّر الذي لا مفرّ منه.
وقد أطلق مؤخرًا أسوأ الوقحين من أنصار السلطة حملة دعائية كانت بمثابة نزع فتيل لبدء عملية افتراء وتشويه جديدة، ومن يستمر في ذلك فلن يجلب لنفسه جراء ذلك إلا تضخيم ملف جرائمه فقط، إذ إن مركز هذه الحملة الشعواء التي ستُنفَّذ دون خوف من الله ودون حياء من العباد معلوم، ومن سيتولون مهمة في إطارها معلومون للجميع كذلك، بالله عليكم، هل من الصدفة أن يكون من ساقوا مثل هذه الأكاذيب إلى الوحدات المهمة في الدولة، ولا سيما الجيش، هم أنفسهم الذين جلسوا مع التنظيمات الإرهابية على طاولة المفاوضات؟! فالمسألة ليست مسألة حزب العمال الكردستاني فحسب، فنحن نتحدث عن الذين ألحقوا أضرارًا بالغةً بتركيا بسبب تعاونهم مع جبهة النصرة، وداعش، وحزب الله، والقاعدة، ومنظمة السلام والتوحيد الإيرانية، أوليس من اللافت جدًّا أن تكون العقلية التعسة ذاتها، المتسترة بستار الدولة هي التي تقود عملية افتراء على منظمة مجتمع مدني؛ حركة الخدمة، التي مضى على تأسيسها مائة عام كاملة؟!
فالموقف الشامخ لحركة الخدمة والأستاذ فتح الله كولن من الإرهاب معروف، وقد تم اختبار ذلك الموقف مرارًا وتكرارًا، فالموقف واضح جدًّا وأصيل، فالإرهاب جريمة ضد الإنسانية، بغضّ النظر عن أية وسيلة أو شعار، وتحت أية هوية عرقية أو خطاب ديني، وفي الوقت الذي سكت فيه الإسلاميون السياسيون إزاء إرهاب تنظيم القاعدة وكأنهم بكم لا ينطقون، أكّد الأستاذ كولن بملء فيه قائلًا: “المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيًّا، والإرهابي لا يمكن أن يكون مسلمًا”، فقد أوضح أن الإرهابي قاتل قد خرج عن دائرة الإسلام، أولم نرَ الموقف الواضح والصارم ذاته عندما ظهر تنظيم داعش؟ فما دامت الحال هكذا، فهل يمكن الافتراء على شريحة واسعة النطاق والانتشار مثل هذه الحركة باستغلال إمكانيات الدولة؟
والذين دأبوا على تنفيذ دعايات سوداء يصرون على التحرّك من منطلقين أساسين:
- وسائل إعلام مستعدة لترديد ما تزوّد به من الأخبار المزورة.
- جهاز المخابرات المحمي بشكل يخالف الدستور حتى في الأمور غير القانونية، والصورة التي تتبادر إلى الأذهان عند الحديث عن جهاز المخابرات هي أنه لم يُستغلّ ولم يكرَّس في أي وقت مضى لمصلحة حزب أو شخص كما يجري الآن.
علينا ألا ننسى أبدًا هذه الحقيقة: أن جهاز الشرطة في تركيا خضع لمراقبة ومحاسبة شاملة عقب حادثة “سوسورلوك” في عام (1996م)، ثم تمّ تسليط الأضواء على الجيش أيضًا بعد قضية شبكة “أرجينكون”، وخضع ذلك الجهاز الضخم ذو القوة والنفوذ لمحنة كبيرة، لكن جهاز المخابرات لم يخضع للمراقبة أو المحاسبة بعدُ، ولم يتم التحقيق معه حول بعض إجراءاته في إطار القانون بالطبع، فمن الذي كان يتوقع قبل 10 سنوات أن تمثل القوات المسلحة أمام العدل وتحاسَب في إطار قضايا انقلابية، خاصة بعد أن أقدمت بقوتها المتغطرسة على إعادة تشكيل الحكومة والمجتمع والإعلام والسياسة، وإخضاعِ كل منها لإرادتها إبان انقلاب 28 فبراير/ شباط.
نخلص من ذلك إلى أن جهاز المخابرات إن لم يأخذ الدروس ويستخلص العبر من المرحلة التي مرّت بها الوحدات الأمنية الأخرى في البلاد، وظلّ يتورّط في الأعمال غير القانونية دون هوادة، فإنني أخشى أن يعرّض نفسه والبلاد كلها للضرر والخسارة، فليست هناك أية دولة قانونية ديمقراطية يمكن فيها استخدام جهاز المخابرات في سيناريوهات مظلمة ومن ثم لا يُسأل إلى الأبد عما يفعله.
وإن كان لابد من أن تقولوا: “إن هناك أشخاصًا لهم صلة بالتنظيم الإرهابي”، فلا داعي للبحثِ عنهم بعيدًا عنكم، وقذفِ أناس أبرياء بالافتراءات، ذلك أن من جلسوا مع الإرهابيين على طاولة المفاوضات، وقدموا لهم تنازلات بعد أخرى، ثم بدؤوا يئنّون تحت ضغوط تهديدهم وابتزازهم نتيجة إلهائهم بوعود كاذبة هم “المتعاونون الحقيقيون مع الإرهاب”، وما يقال غير ذلك في هذا الصدد ليس إلا كذبا وافتراء ونفاقا وجبنا، ولن يفلت أحد منهم من المحاسبة في محكمة القانون والتاريخ معًا.
القلوب المتحدة
“القلوب المتحدة” فيلم ملحمي مقتبس من قصص الحياة الواقعية، فقلوبكم تمتلئ بالحزن تارة، وبالفرح تارة أخرى، عندما تشاهدون هذا الفيلم، فمن جانبٍ تعيشون في غربة صارت موطنًا لغرباءِ آخر الزمان، ومن جانبٍ آخر تُعجبون بعزيمة أولئك الناس الذين يسيرون على طريق الحق غيرَ آبهين بكل تلك المواقف والأمور السلبية، المونتاج جميل، والتصوير دقيق، والممثلون ناجحون، وقد شاهدت الفيلم، ووجدته مهمًّا من نواحٍ كثيرة، فإنجاز فيلم قيِّم كهذا، على الرغم من كل ذلك الضجيج والغوغاء، أمر يستحق التصفيق، وليس لديّ أدنى شك في أن الدخان والغبار سيزولان يوما ما، وأن الحبّ العظيم الذي يكنّه أفراد الخدمة تجاه الناس أجمعين ويتخذون من “إحياء الآخرين” غاية لأنفسهم، ستظهر للجميع بصورة أجلى، على الرغم من كل هذا الكذب والافتراء، وحينها ستُفهم هذه القصص الحقيقية بشكل أوضح، ولا شكّ في أنه سيخجل بعضهم في ذلك اليوم، أما الذين يتساقطون في الطريق ويختفون بهبة ريح واحدة فلن يقال لهم إلا: “لا تثريب عليكم اليوم”، وسيرى الجميع أنه لا يمكن السيطرة على القلوب من خلال الضغوط المصحوبة بالضجيج والصخب، وإن مضى حكمها على كل شيء، لذلك أشكر كل من بذل جهدًا في إنجاز هذا الفيلم.
إذا ألقينا نظرة على ما يُكتب حول تركيا في الخارج في الأيام الأخيرة فلا يمكننا إلا أن نحزن ونأسف، فمن ذا الذي يمكن أن يسعد بعد أن كشفت الجهات الرسمية عن المصاريف المبذولة من أجل القصر الأبيض! إنه قصر عملاق ذو ألف غرفة، ولكنه بمثابة سكن عشوائي وشبح مرعب لبنائه على الرغم من قرار المحكمة، ومع أنه قيل سابقًا إن هذا القصر الكبير الذي عزّ نظيره في العالم سيبنى من أجل رئاسة الوزراء، إلا أنه صار لرئاسة الجمهورية بعدما أصبح أردوغان الرئيس، ولأن هذا القصر ينمّ عن الأبهة والفخامة أورث الغضب لدى الكثيرين، أو أدّى إلى الحزن والأسى لدى البعض على الأقل، ومع الأسف ساءت سمعة بلادنا على الصعيد العالمي بسببه.
فقد نُشر في أمريكا العديد من الأخبار والمقالات عن القصر الأبيض، وإضافة إلى الأخبار والمقالات المنددة في كل من بريطانيا وألمانيا، فقد أصبح “قصرنا” حديث الإعلام في الدول الإسلامية أيضًا، وحتى في السعودية، المتهمَةِ بالإفراط في الإسراف والتبذير، انتقده الإعلام كذلك، وأجرت قناة العربية مقارنة بينه وبين القصرين الفخمين لتشاوتشيسكو وهتلر، ويبدو أن وصف القصر الأبيض لأردوغان بـ”قصر تشاوتشيسكو” في الإعلام الغربي، انتقلت عدواه إلى العالم الإسلامي أيضًا.
ومن الواضح أن الحزب والحكومة هما كذلك مستاءان من القصر الأبيض، فالكل يرى ذلك واضحا كلما دار الحديث حول الإسراف، ومعروف أن هذه الأبهة والفخامة ليست من الإسلام في شيء، مع ذلك فإنه لا يمكننا القول أبدًا: “لقد حدث ما نريد لكم! فقد ساءت سمعتكم على النطاق الدولي.. هذا ما تستحقون”، لأن بعض الإجراءات التي تنفذونها لكسب مصالح دنيوية آنية تضر كثيرا بالدولة وبالإسلام على حد سواء، نظرًا لأنكم أصحاب “هوية إسلامية”، على حد زعمكم.
حذار أن تتحدثوا لنا عن صورة “الدولة الكبرى”، فسيدنا محمد كان ينام على الحصير، ويمنع الإداريين من الإسراف بوصفه أكثر الناس بَساطَةً في العَيْشِ واكتفاءً بما هو ضروري، وقد غضب الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري حين رأى القصر المنيف لوالي الشام، وقال ضاربا المثل بالنبي : “إذا بنيت هذا القصر بمالك فهو إسراف، أما إذا بنيته بأموال الناس فهو حرام”.
بالمناسبة من هو قدوتكم ومثلكم الأعلى؟ وبمن تقتدون أنتم؟
“إذا لم تستطع أن تحقّق كينونتك الذاتية، فستضطر لأن تتخفى في “معطف” الآخرين، وحينها تبدأ أو تعرّض من حولك من الناس للظلم الذي كنت تتعرض له في يوم من الأيام، وللأسف، فإن الإعلام الموالي للحكومة تحوّل إلى كائن ممسوخ، إذا سألتموهم سيقولون إنهم لا يزالون “متدينين” و“محافظين” و“إسلاميين“، ولكن إذا نظرتم إلى ما ينشرونه من أخبار سترون كل العيوب التي كانوا يشتكون منها في الماضي مثل الأكاذيب والافتراءات وحملات التشويه وما إلى ذلك“.