من أكبر المخاوف التي عبَّر عنها النقَّاد، الذين حاورتهم؛ أن يكون الأستاذ كولن ومشروعاته الخدمية العديدة ممولين من الولايات المتحدة، خصوصًا وكالة الاستخبارات المركزية(CIA). والسبب الذي يتكرر ذكره، تسويقًا لذلك التصور؛ أن الحركة تستثمر في مليارات الدولارات، وأن مثل هذه المبالغ الهائلة لا بدَّ لها من مصادر حكومية. فضلاً عن الادعاء بأن الولايات المتحدة تدعم الأستاذ كولن، وحركته؛ لأنه يُمثِّل الإسلام المعتدل، وأن أمل الغرب معقود على هيمنة تلك الرؤية للإسلام على المنطقة، لتصير ترياقًا للإرهاب والإسلام الراديكالي.

العديد من رجال الأعمال الأثرياء يُساهمون بنسبة 10-50% من دخلهم السنوي في مشروعات الحركة، مع تبرُّع كثيرين منهم بثلث دخولهم للحركة.

ادِّعاءات بلا دليل

وفيما يتعلق بكون الحركة مدعومة ماليًا من بعض الحكومات، ومن بينها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ فلم أجد أي دليل إمبريقي يدعم هذا الادعاء. بل ثمة بعض المعلومات التي تتحدَّى هذا الافتراض الذي يطرحه النقاد. أولاً أنه خلال العقود الماضية؛ خضع الأستاذ كولن، وحركته والمؤسسات المرتبطة به؛ لمراجعات ومتابعات العديد من الوكالات الحكومية، مثل وزارة الخزانة التركية ومكتب المدعي العام. وفي كل عام تُراجِعُ وزارة المالية السجلات المالية السجلات لكل من الشركات الربحية وغير الربحية على حد سواء. وهكذا؛ يُطلب من كلّ من صحيفة “زمان” وبنك آسيا وتلفاز ” STV” ووقف الصحفيين والكُتَّاب؛ إتاحة سجلاتهم المالية لمفتشي الحكومة. ولم يحدث مرة واحدة، كما يمكنني تأكيد ذلك؛ أن وَجَدَت أية أموال مشبوهة أو غير واضحة المصدر. وبِالمِثل؛ لم يتم اكتشاف أية مخالفات مالية قد تُثير الشكوك بأن ثمة حكومات أجنبية تموّل مشروعات الحركة.

لم يحدث مرة واحدة، كما يمكنني تأكيد ذلك؛ أن وَجَدَت الحكومة التركية أية أموال مشبوهة أو غير واضحة المصدر. وبِالمِثل؛ لم يتم اكتشاف أية مخالفات مالية قد تُثير الشكوك بأن ثمة حكومات أجنبية تموّل مشروعات الحركة.

كذلك، ظلَّت الدعوى القضائية ضد الأستاذ كولن مُعلَّقة لمدة ست سنوات أمام المحاكم التركية. وقد استخرج ممثلو الادعاء المدني أكوامًا من الوثائق، من جميع الأنواع؛ في محاولةٍ للعثور على أدلة، على ارتكاب مخالفات أو أنشطة مشبوهة؛ ضد الأستاذ كولن وحركته. وفي يونيو عام 2007م؛ أُسقِطَت الدعوى نهائيًّا نتيجة نقص الأدلة. فإذا كان ثم حكومات أجنبية ضالعة في تمويل الحركة؛ فقناعتي أن مثل تلك الارتباطات كانت لتكشفها أجهزة الحكومة التركية أو محاموها.

وفي القضية الأخيرة، والمتعلِّقة بطلب الستاذ كولن بطاقة الإقامة الخضراء (غرين كارد)، للإقامة في الولايات المتحدة (يونيو 2008م)؛ طلب محامي الادعاء الاستشهاد بورقة ألقيتها مع دوغان كوك في كلية لندن للاقتصاد[1] في خريف عام 2007م؛ لتسويغ رفض طلب كولن، وقد أِار المحامي إلى تلك الورقة بوصفها تشير إلى احتمال تمويل وكالة الاستخبارات المركزية للحركة. وفي الحقيقة؛ فإن الورقة تصرح بأن هذا هو رأي المعارضين للحركة، الذين يزعُمُون أن وكالة الاستخبارات المركزية تُسلنِدُ الحركة ماليًّا.

إذا كان ثم حكومات أجنبية ضالعة في تمويل الحركة؛ فقناعتي أن مثل تلك الارتباطات كانت لتكشفها أجهزة الحكومة التركية أو محاموها.

والادِّعاء بأن مثل هذا الحجم من المال، المشارك في دعم المشروعات الخدمية؛ يجب أن يكون مصدره بعض الحكومات، يَبْطُل على ضوء المبالغ المالية التي ساهم بها رجال الأعمال الأثرياء المحبين للأستاذ كولن في تركيا، فضلاً عن قاعدة المتبرعين الكبيرة في الحركة؛ فالعديد من رجال الأعمال الأثرياء يُساهمون بنسبة 10-50% من دخلهم السنوي في مشروعات الحركة، مع تبرُّع كثيرين منهم بثلث دخولهم للحركة. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار حجم دخول رجال الأعمال السنوية، التي تُقدَّر بملايين الدولارات؛ فإن المساهمات تتضخم بشكل كبير. وبالإضافة إلى المساهمات المالية؛ فإن العقارات ومواد البناء فضلاً عن العمالة اليدوية الطوعية، التي يتم التبرع بها؛ تُشير إلى حركةٍ ناجحةٍ ماليًّا.

خلال العقود الماضية؛ خضع الأستاذ كولن، وحركته والمؤسسات المرتبطة به؛ لمراجعات ومتابعات العديد من الوكالات الحكومية، مثل وزارة الخزانة التركية ومكتب المدعي العام.

وبالإضافة إلى المساهمات الكبيرة من رجال الأعمال الأثرياء؛ فإن ملايين الأعضاء في الحركة يَتبرَّعون بمبالغ أصغر، ومواد وخدمات وعمل طوعي. وتُظْهِرُ معلوماتي أن مُتوسِّط مُساهمة هؤلاء هي حوالي 10% من الدخل السنوي، بِغَضِّ النظر عن الوظيفة والحالة الاجتماعية. فإذا عرفنا أن ثمة 8-10 ملايين مشارك في الحركة حول العالم؛ وجدنا أن مبالغ التبرعات لن تكون بالهينة. لذا؛ فدعوى الوجود الحتمي لتمويل حكومي تسبَّب في تدفُّق كل هذه المليارات من الدولارات، لهي دعوى فارغة في ظل المعلومات الصلبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] London School of Economics

المصدر: هيلين روز، حركة فتح الله كولن تحليل سوسيولوجي لحركة مدنية متجذرة في الإسلام المعتدل، تنوير للنشر والإعلام، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ195/ 196.

ملاحظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.