“«الخدمة» عند كولن معناها: أن ينذُر الشخصُ حياته للإسلام، وأن يقدم كل ما في وسعه لنفع الآخرين، ليعود ذلك عليه بالنفع في الآخرة؛ وكولن نفسه لا يهدأ أبدًا، ويسأل نفسه دائمًا: ماذا يمكن أن أقدم أكثر في سبيل الله؟ ومحركه لذلك العمل الشاق هو ذكر الموت والخوف من يوم الحساب حتى غدا ذلك سمة أساسية في خطبه”[1].
النشطاء الإسلاميون بشكل عام فريقان: الأصوليون ذوو الوجه الأصولي الواضح، والثاني إسلاميون ذوو آراء راديكالية لتغيير نظم الحكم، ومن الصعب على غير المتخصصين التمييز بينهما، فالتمييز يفتقر إلى فهم أعمق لمبادئ الإسلام الروحية، وقد ظل كثير من المتخصصين أمدًا مديدًا يرون في تاريخ حركة الخدمة سمات إحياء التراث الإسلامي والتصوف والنشاط الاجتماعي.
يرى بعض المراقبين أنّ كولن من علماء الإسلام التقليديين، ويراه آخرون صوفيًّا عصريًّا، ويميل غيرهم إلى أنه لا هذا ولا ذاك بل هو داعية وواعظ إسلامي عصري[2]؛ وليس مرد هذه الآراء المتباينة حول هوية كولن ومادة خطابه إلى سِمات أو أساليب غريبة في كتابته، بل مردها إلى الأفكار المتناقضة حول العقيدة الإسلامية والسياسة والتصوف؛ وفي هذا الإطار يقول زكي ساري توبراك: “تقف الصوفية من الشريعة الإسلامية موقف عيسى من الشريعة اليهوديّة، ثم انحرف بعض المتصوفة كثيرًا، فاستخفوا بمبادئ إسلامية أساسية بل أهملوها بالكلية؛ فظهرت حركات سرية متطرفة، واحتدم الجدل حتى يومنا بين السلفية والصوفيّة”[3].
وظلّ عدد من علماء المسلمين البارزين دهرًا في حالة ارتباك، ولا يستطيعون إحداث توازن بين التأويلات التقليدية لمبادئ الإسلام والالتزام الصارم بها وبين التأويلات المتحررة وتطبيق أسلوب الحياة الإسلامي، وبعبارة أخرى: حاروا في الجمع بين ثبات الفرد على الدين والتساهل مع الآخرين في الالتزام بالدين في الأماكن العامة واتخاذ موقف من القضايا العامة؛ ولكولن موقف فريد في هذه القضايا، فرغم أن كتاباته تبدو تقليدية في تفسيرها لمبادئ الإسلام الأساسية، لكنّ منهجه العملي واقعي مرِن، أساسه محبة الآخرين والتودد إليهم، ويلخص ساري توبراك بدقة موقف كولن الفريد من التصوف فيقول:
“لا يمكن حصر المنهج الصوفي لدى كولن بطريقة صوفية محددة، فكولن ليس صوفيًّا بالمعنى الدقيق للكلمة، لكن في ضوء تعريف «هوجويري» السابق يمكن عدّه صوفيًّا عمليًّا لا نظريًّا، فقد يسمَّى صوفيًّا لكنه صوفيّ برؤيته الخاصة”[4].
المصدر: مايمول أحسن خان، فتح الله كولن الرؤية والتأثير تجربة فاعلة في المجتمع المدني، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة.