في يوم بارد من أيام شهر يناير لعام 2017، سافرت “ناجيهان جُوكْشَك” مع أطفالها الخمسة لزيارة زوجها المعتقل في سجن “سينجان” بأنقرة، وبعد دخولها السجن لزيارة زوجها تم اعتقالها، وظل أبناؤها بالسيارة خارج السجن، وفي الفيديو المنشور على اليوتيوب[1] يخرج أكبر الأبناء وهو يبكي ويقول: “نحن خمسة إخوة أصبحنا بمفردنا الآن (بعد اعتقال الأبوين)، وأحد إخوتي معاق، ماذا يمكننا أن نفعل؟ أفوض أمرنا في هؤلاء الظلمة إلى عقاب الله”. وفي نهاية اليوم يأتي أحد الأقارب ويأخذ الأطفال الخمسة من مرآب السيارات في السجن.

يقبع داخل السجون حتى 11 أغسطس 2019، 864 طفلاً[2]، أعمارهم أقل من 6 سنوات، محتجزون مع أمهاتهم داخل السجون التركية نتيجة لحملة الاعتقالات التي نفذتها الحكومة ضد أبناء حركة “الخدمة”، منهم 149 طفلاً رضيعًا لم يتجاوزوا السنة من أعمارهم.

المقدمة

يسلط هذا التقرير الضوء على الانتهاكات التي تمارسها الحكومة التركية ضد آلاف من أطفال المستهدفين من قبل السلطة الحاكمة، فالتمييز الذي يسود داخل المجتمع الآن، سيؤدي إلى حرمان هؤلاء الأطفال من فرص التعليم الجيد والعيش الكريم. وبمعنى آخر فإن هؤلاء الأطفال لن يسهموا بصورة إيجابية في بناء مجتمعهم. فالقيود غير القانونية التي تواجه هؤلاء الأطفال ليست تقنية ولا متعلقة بقلة الموارد، إنها مسألة سياسية بامتياز. إن أكبر ضحايا الحملة التي تشنها الحكومة التركية ضد من يخالفها الرأي، هم أطفال هؤلاء المستهدفين، لذلك من الضروري توحيد الجهود لإنهاء التمييز ضد المعارضين، وضمان عدم ترك مئات الآلاف من الأطفال وراءهم من غير رعاية مناسبة.

وقد أوضحت “اتفاقية حقوق الطفل” التي اعتمدتها الأمم المتحدة وأقرتها الدول الموقعة عليها -ومنها تركيا- حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان ودون تمييز، وهذه الحقوق هي: حق الطفل في البقاء، والتطور والنمو إلى أقصى حد، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال، والمشاركة الكاملة في الأسرة وفي الحياة الثقافية والاجتماعية. وتتلخص مبادئ الاتفاقية الأساسية الأربعة في: عدم التمييز وتضافر الجهود من أجل المصلحة المثلى للطفل، والحق في الحياة والبقاء، والحق في النمو، وحق احترام رأى الطفل.

وبموافقتها على الالتزام (بتصديقها على هذا الصك أو الانضمام إليه)، تكون الحكومات الوطنية قد ألزمت نفسها بحماية وضمان حقوق الأطفال، ووافقت على تحمل مسؤولية هذا الالتزام أمام المجتمع الدولي.

وتُلزم الاتفاقية الدول الأطراف بتطوير وتنفيذ جميع إجراءاتها وسياساتها الداخلية على ضوء المصالح المثلى للطفل.

وقد حددت هذه الاتفاقية 50 نوعًا من أنواع التمييز ضد الأطفال[3]، منها: التمييز ضدهم بناء على هوية أبويهم كما هو الحال في تركيا اليوم، حيث يمارَس ضدهم كل أشكال التمييز، مثل تعرضهم للتمييز على أساس الإعاقة الجسدية أو العقلية، وتسجيل المواليد، ومكان الإقامة، والصحة، وأحيانًا وبشكل أكثر خطورة التمييز ضدهم لعدد من الأسباب السابقة مجتمعة. إن أي تحليل شامل وأي تكهنات حول التأثيرات طويلة المدى لانتهاك النظام التركي المتعمد للتشريعات المحلية واتفاقية حقوق الطفل، لن يستطيع التقرير التحدث عنها بصورة مفصلة، إلا أن التقرير يؤكد على أن تجاهل الوضع المزري لمئات الأطفال في تركيا، يضر بالكرامة الإنسانية وبحقوق الإنسان وبمستقبل تركيا.

الفصل الأول

خروقات السلطة التركية لمعاهدة حقوق الأطفال

يستعرض هذا الفصل مجموعة من المواد الحقوقية التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل[4] (CRC)، وكيف انتهك النظام التركي حقوق أطفال المستهدفين في الداخل التركي، أو أطفال الجالية التركية المقيمة خارج تركيا، لا سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 15 يوليو 2016.

المادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل

(عدم التمييز)

تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية، وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه، أو لونه أو جنسه أو لغته أو دينه أو رأيه السياسي أو غيره، أو أصله القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروته، أو عجزه، أو مولده، أو أي وضع آخر. وتتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز، أو العقاب القائم على أساس آراء والدي الطفل، أو الأوصياء القانونيين عليه، أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم، أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم.

وبالنظر في الحالة التركية؛ نجد أن النظام التركي منذ أن فرض حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 وحتى الآن، قد وظَّف كافة الإجراءات الاستثنائية لتقليص حقوق الإنسان والانتقاص منها؛ حيث تعرض الأفراد الذين لهم صلة بحركة الخدمة لأنواع عديدة من الانتهاكات، ولا سيما فيما يتعلق بالمساواة في المشاركة السياسية، والصحة، والتعليم، والعمل، والعدالة، كما واجهت عائلات وأطفال الأسر المتعاطفة مع حركة الخدمة ألوانًا من التهميش والتمييز المباشر وغير المباشر، انعكس أيضًا على الوضع الاقتصادي لأسرهم؛ فقد تم تهميشهم من المجتمع وعوملوا بصورة عنيفة ومهينة لا سيما في الأماكن التي يُحرم فيها الأفراد من حريتهم، مثل السجون، وكذلك في مرافق الرعاية الصحية. لقد لجأ النظام التركي إلى أساليب عديدة من العنف عن قصد ضد كل الأفراد المحبّين لحركة الخدمة أو المتعاطفين معها، وعاملهم بصورة غير إنسانية داخل السجون والهيئات الحكومية، بهدف بث الرعب والهلع في قلوبهم، وإرهاب كل من يتجرأ على معارضة الحكومة. ولتجنب أشكال التمييز والاضطهاد والتعرض المستمر للضغوط داخل المدارس أو من الجيران، اضطر كثير من أطفال هؤلاء المستهدفين إلى تغيير اسم العائلة حتى لا يعتبروا من المنتمين إلى حركة الخدمة كما حدث لآبائهم[5].كما أدى هذا الضغط النفسي والمجتمعي الشديد الذي تعرض له هؤلاء الأطفال، إلى حدوث عدد من الوفيات بين هؤلاء الأطفال[6].

المادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل

(الحق في الحياة والتنمية)

تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقًّا أصيلاً في الحياة، وعليها أن تكفل إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.

وبالنظر في الحالة التركية، نجد أن عددًا من أعضاء الحكومة التركية قد صرح عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، بأن كل المنتمين لحركة الخدمة ليس لهم حق الحياة، كما تمت مناقشة تفعيل عقوبة الإعدام خاصة ضد المنتمين إلى الخدمة.

وقد كان لهذه الانتهاكات القانونية التي تعرض لها أفراد الخدمة والمتعاطفون معها انعكاسًا خطيرًا على أطفالهم، سواء في المدارس أو بمؤسسات الرعاية الطبية، وفي حالات عدة كان الضغط النفسي الذي تتعرض له النساء الحوامل يؤدي إلى فقد أجنّتهم، ولم يقتصر الأمر على هذا الحد فقد ألغت الحكومة الضمان الاجتماعي لأطفال المقبوض عليهم وزوجاتهم أو أزواجهم، وأصبح رفض المراكز الطبية والمستشفيات لحالات الأطفال المقبوض على آبائهم لعلاقتهم بحركة الخدمة أمرًا عاديًّا[7].

الأمر الأكثر رعبًا، ما أعلنه “زيد رعد آل حسين” رئيس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في مايو 2016 معلقًا على وضع المواطنين في شرق تركيا: “لقد وردتنا رسائل تحذر من تدهور أوضاع حقوق الإنسان في شرق تركيا، من تعرض المواطنين العزل من انتهاكات على يد السلطات والقوات الخاصة”، ثم تابع قائلاً: “هناك عدم معقولية لما تقوم به السلطات هناك، فتدمير المنازل ومنشآت البنية التحتية، لا يتناسب مع ما يجب أن تقوم به السلطات من الحفاظ على المنشآت العامة والخاصة”. وأنهى تعليقه بقوله: “أكثر ما يثير القلق والفزع، ما أوردته التقارير من تعرض مائة مواطن للحرق حتى الموت في أقبية ثلاثة منازل حاصرتها القوات الخاصة”[8].

المادة 7 من اتفاقية حقوق الطفل

(حق الطفل في القيد والاسم والجنسية)

لكل طفل حق القيد في السجلات الرسمية باسم تعترف به الدولة، ولكل طفل الحق في الحصول على الجنسية التي من خلالها ينتمي إلى الدولة.

وبالنظر في الحالة التركية، نجد أن النظام التركي أصدر في يناير 2017 -بموجب حالة الطوارئ- مرسوم قانون رقم 680 جاء في المادة 75 منه ما ينص على إضافة إجراءات جديدة لنزع الجنسية التركية، خاصة عن المواطنين الأتراك المقيمين خارج البلاد، طبقًا للمادة 29 من قانون الجنسية التركي[9].

وطبقًا للبيانات المتوافرة، فقد ذكرت “مؤسسة عديمي الجنسية” (ISI) أن تنفيذ المرسوم 680 من شأنه أن يؤدي إلى الحرمان التعسفي من الجنسية للمواطنين الأتراك، في انتهاك واضح وصريح للمعايير الدولية. فطبقًا لـ”ISI” هذا المرسوم لم يصدر لسبب قانوني، وتأثيره سلبي حيث يؤدي إلى الإخلال بالحقوق الفردية، ويقوض مبدأ اليقين القانوني حيث يطبق بأثر رجعي، والأكثر خطورة عدم قدرة المواطنين على اللجوء إلى القضاء للتظلم من نزع الجنسية عنهم، كما لا يوجد ما يحمي من تحول هؤلاء المواطنين إلى عديمي الجنسية[10].

كما أضافت (ISI) أن خطر النزع التعسفي للجنسية، سيحرم الآباء من نقل الجنسية إلى أبنائهم، وهو ما يعدّ خرقًا واضحًا للمادة السابعة من معاهدة حقوق الطفل[11].

هذا وقد حُرم المواطنون الأتراك الذين يعيشون في الخارج منذ محاولة الانقلاب في 15 يوليو 2016 من الخدمات القنصلية، بالإضافة إلى إلغاء ومصادرة جوازات السفر، ورفض تمديد صلاحية جوازات السفر المنتهية، ورفض تقديم بطاقات الهوية أو جوازات السفر إلى الأطفال المولودين حديثًا خارج تركيا.

إن هذا بالتأكيد مشكلة يزداد خطرها باستمرار. فقد وثّقت مؤسسة الصحافيين والكتاب 113 حالة من حالات رفض جوازات السفر، وبطاقات الهوية للمواليد الجدد في 15 بلدًا اعتبارًا من أغسطس 2017.

وفيما يلي جدول بعدد المواليد الجدد والدول التي رفضت القنصليات التركية تسجيل هؤلاء المواليد فيها:

الدول عدد المواليد الجدد الدول عدد المواليد الجدد
أفغانستان 21 ماينمار 4
الجزائر 3 نيجيريا 24
الدومينك 1 الفلبين 3
مصر 6 تونس 1
جورجيا 4 فيتنام 6
إندونيسيا 7 الهند 1
العراق 26 طاجكستان 3
المغرب 3 الإجمالي 113

ويواجه الأطفال الذين يتعرضون لهذه الانتهاكات في بعض الدول، صعوبات في الحصول على الحقوق الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية وحرية التنقل، وعديد من العقبات، بالإضافة إلى ما يعانونه من إحباط وخيبات للأمل قد يؤثر عليهم طوال حياتهم.

المادة 20 من معاهدة حقوق الطفل

(حق الطفل في التمتع بالدفء العائلي)

الأطفال المحرومون من التنشئة في جو أسري سليم، لهم الحق في الرعاية الخاصة والمناسبة من خلال أفراد يحترمون انتماءهم العرقي، والديني، والثقافي، واللغوي.

وبالنظر في الحالة التركية، نجد أنه في أواخر نوفمبر 2016، صرَّح مسؤول من وزارة الأسرة والتضامن الاجتماعي بتركيا إلى وسائل الإعلام، بأن السلطات قد تنزع الأطفال من ذويهم إذا ثبت أن أولياء أمورهم من أنصار محاولة الانقلاب. معللاً ذلك بأنه: “لن يكون من الصواب بقاء الأطفال في حضانة من يثبت أنه ذو صلة بحركة الخدمة”[12].

لم تتمكن مؤسسة الصحافيين والكتاب من إثبات صحة المعلومات الواردة من عدة مصادر حول مدى الآثار العملية لهذا التدبير. لكن في أعقاب تبني الحكومة لهذه السياسة، اتخذت السلطات خطوات ملموسة لتنفيذها؛ فقد ورد بأن السلطات قد تنزع الأطفال من ذويهم إذا ثبت أن أولياء أمورهم من أنصار محاولة الانقلاب[13].

المادة 23 من معاهدة حقوق الطفل

(حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة)

كل طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة له الحق في الرعاية الخاصة والدعم حتى يستطيع أن يعيش حياة كاملة مستقلة آمنة وكريمة.

وبالنظر في الحالة التركية، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى وجود حوالي 8.5 مليون شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة في تركيا، أو ما يقرب من %13 من مجموع السكان. ويحق للأفراد ذوي الإعاقة الحصول على مخصصات العجز التي يغطيها الضمان الاجتماعي، إلى جانب تمتعه بالمزايا التي تكفلها الإدارة العامة للمؤسسات. وتتضمن هذه المزايا سداد التكاليف والنفقات إما جزئيًّا أو كليًّا، وفقًا لإدارة الضمان الاجتماعي التي تم تسجيله بها. كما يتم توفير الدعم التعليمي الحكومي للأطفال الذين يحتاجون إلى خدمات التعليم الخاص، بعد تقديم طلب إلى مركز الدراسات التوجيهية (Rehberlik Araştırma Merkezi) التابع لها.

وتعتبر الإجراءات العقابية ضد أطفال المقبوض عليهم، أو المفصولين بسبب صلاتهم المزعومة بحركة الخدمة من بين الأمور الأكثر سوءًا في قائمة طويلة من الانتهاكات والتجاوزات في تركيا ما بعد الانقلاب. حيث تقطع السلطة الدعم المالي الذي يستحقه هؤلاء الأطفال بصورة متعمدة[14]، وفي بعض الأحيان يتم حرمان الأطفال ذوي الإعاقة من الحق في بيئة أسرية ويُتركون دون رعاية بعد اعتقال آبائهم[15]. ومما يزيد الأمور سوءًا، تعرض بعض من ذوي الإعاقة للاعتقال بدعوى المشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة[16]. كل ذلك بخلاف الإغلاق التعسفي لعدد من مؤسسات الرعاية الصحية المتخصصة في رعاية ذوي الإعاقة بدعوى مشاركتها في الانقلاب[17].

المادة 24 من معاهدة حقوق الطفل

(حق الطفل في الرعاية الصحية)

لكل طفل الحق في رعاية صحية جيدة، وماء صالح للشرب، وطعام صحي، وبيئة نظيفة وآمنة، وتزويدهم بالمعلومات اللازمة للحفاظ على صحتهم.

لقد أشار تقرير البنك الدولي في مايو 2016 إلى أن “التأمين الصحي الشامل (UHI) إلزامي في تركيا. “فكل شخص يجب أن يكون مُؤمّنًا عليه إما بنفسه أو تحت رعاية مؤمَّن عليه. وتشمل فوائد التأمين الشامل العلاج الطبي وعلاج الأسنان، بما في ذلك الرعاية الصحية الوقائية، والرعاية في حالات الطوارئ، والاستشارات الطبية، وإعادة التأهيل، وغيرها من الخدمات الطبية”[18].

وبالنظر في الحالة التركية، نجد أنه في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشل 15 يوليو 2016، تم تجميد الحسابات المصرفية للمفصولين من أعمالهم أو المحتجزين، وخفض رواتبهم، وإلغاء تأمينهم الصحي، وفقدوا جميع المزايا المتعلقة بعملهم الحكومي. وبعد ثلاثة أشهر من تاريخ الفصل يتوقف التأمين الصحي لهؤلاء ويُطالبون بسداد أقساط التأمين. وبحرمانهم من هذا الحق، وعجزهم عن دفع أقساط التأمين الصحي بسبب تجميد حساباتهم المصرفية وتخفيض رواتبهم، لا يتمكنون من دفع تكاليف الرعاية الصحية، وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع بعض هذه الحالات، وسجلت المعاناة التي تواجههم في هذا الصدد[19].

فقد تم وقف المزايا الاجتماعية لأزواج أو أطفال الوالدين المحتجزين والموقوفين، بسبب صلات مزعومة بحركة الخدمة[20]. كما فرضت الحكومة مزيدًا من القيود على الوصول إلى الرعاية الصحية عن طريق إغلاق المستشفيات، وغيرها من مرافق الرعاية الصحية والعيادات والصيدليات بدعوى صلاتها بحركة الخدمة، فقد حدد مرسوم الطوارئ الأول رقم 667 إغلاق 35 عيادة ومستوصف صحي خاص. واعتبارًا من أغسطس 2017 تم فصل 6887 طبيبًا وآخرين ممن يعملون في وزارة الصحة. وخلال نفس الفترة تم فصل عديد من الأكاديميين بلغ عددهم 8573 من أخصائي الرعاية الصحية[21].

وحتى أكتوبر 2016 استبعدت مؤسسة الضمان الاجتماعي التركية (SGK) ما لا يقل عن 400 صيدلية من نظامها الإلكتروني الذي يمكنها من بيع الأدوية وتلقي المدفوعات من الدولة[22]. وأفادت التقارير أن آلاف الصيدليات الأخرى قيد التحقيق بدعوى علاقتها بحركة الخدمة، وبتهمة المشاركة في “محاولة الانقلاب”، ورغم عدم وضوح كيفية مشاركة هذه الصيدليات في محاولة الانقلاب، إلا أن النظام التركي يضع هذه الذريعة لمعاقبة خصومه ومعارضيه والزج بهم في المعتقلات أو على أقل تقدير حرمانهم من حقوقهم الطبيعية.

وتطال أزمة الظروف الصحية ونقص الرعاية الطبية 864 طفلاً من الأطفال المحتجزين في السجون مع أمهاتهم[23]، وهو ما يمثل مصدر قلق، بسبب عدم إمكانية حصول هؤلاء الأطفال على الرعاية الطبية والجسدية اللازمة من نظافة ومياه شرب نظيفة وتدفئة وتهوية ملائمة وإضاءة مناسبة في ظل ظروف المعتقلات التي تكتظ بالمعتقلين إثر محاولة الانقلاب الفاشلة.

وبينما لا تشير مواد معاهدة حقوق الطفل لعام 1989 (CRC) إلى زواج الأطفال بنص صريح، إلا أن البند الثالث من المادة 24 ينص على ضرورة اتخاذ جميع التدابير الفعالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال. وهذا يتضمن حق الأطفال في الحماية من مثل هذه الممارسات الضارة مثل زواج الأطفال.

وبالنظر إلى الوضع التركي، نجد أن الجهود التي بذلت مؤخرًا لإصدار تشريع تمييزي ضد المرأة لم تقتصر على مراسيم الطوارئ فحسب؛ ففي يوليو 2016 ألغت المحكمة الدستورية التركية مواد من القانون الجنائي تصنف جميع الأفعال الجنسية مع الأطفال دون سن الخامسة عشرة على أنها اعتداء جنسي، وهي خطوة تمهد الطريق أمام الحكومة لطرح مشروع قانون الاغتصاب الخاص بالأطفال الذي يثير جدلاً كبيرًا.

وقد أثارت هذه الخطوة من قبل المحكمة، جدلاً مكثفًا حول العلاقات الجنسية مع الأطفال دون السن القانونية أو الشروع في ممارسة الجنس مع الأطفال دون سن الثانية عشرة. وهو ما أثار غضب المجتمع الدولي وكل المنظمات المهتمة بحقوق الأطفال، كما أدى إلى توترات دبلوماسية بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي وخاصة دولتي السويد والنمسا.

فقد عرض حزب العدالة والتنمية مشروع قانون اغتصاب الأطفال لاعتماده في البرلمان، وينص هذا القانون المقترح على أن يتم العفو عن المغتصبين للقصر إذا ما تزوجوا بضحاياهم. ووفقًا لنواب الحزب فهذا المشروع سيعالج المضاعفات السلبية لاغتصاب القاصرات.

وقد أثارت مسودة مشروع القانون هذا احتجاجات في كل أنحاء تركيا شاركت فيها أحزاب المعارضة قبل وبعد الموافقة عليها في القراءة الأولية بالبرلمان. وقال المنتقدون إنها ستضفي الشرعية على الاغتصاب القانوني وتشجع اتخاذ الأطفال عرائس، وأكدت الأمم المتحدة في بيان لها[24] أن هذا القانون سيضعف قدرة الدولة التركية على مكافحة الاعتداء الجنسي وزواج الأطفال، كما أنه سيخلق تصورًا مجتمعيًّا لقبول مرتكبي انتهاكات حقوق الطفل هذه، وسيزيد من خطر تعرض مزيد من الأطفال لانتهاك حقوقهم خاصة إذا تم تزويجهم من مغتصبيهم.

المادة 27 من معاهدة حقوق الأطفال

(حق الطفل في مستوى معيشي لائق)

لكل طفل الحق في العيش بمستوى لائق يضمن له تلبية احتياجاته البدنية والنفسية، والحكومة عليها أن تساعد العائلات والأولياء غير القادرين على توفير المعيشة اللائقة لأطفالهم، وبصورة خاصة تزويدهم بالطعام والملبس والمسكن.

وفي تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في مايو [25]2017 يؤكد على أن “طرد أكثر من 100 ألف عامل في القطاع العام التركي كان تعسفيًّا وأدى إلى تأثير كارثي على حياتهم وسبل عيشهم. فعشرات الآلاف من الأشخاص، بما في ذلك الأطباء وضباط الشرطة والمدرسون والأكاديميون والجنود، الذين وصفوا بأنهم “إرهابيون”، وممنوعون من الخدمة العامة، يكافحون الآن من أجل تغطية نفقات معيشتهم؛ فبالإضافة إلى عزلهم من وظائفهم تعسفيًّا لم يعودوا قادرين على إيجاد فرصة عمل مناسبة بعدما تم تشويه سمعتهم ونعتهم بـ”الإرهابيين”.

والعاملون في القطاع العام الذين ارتبطت منازلهم بعملهم، كان فصلهم يعني -أيضًا- فقدانهم وأسرهم مساكنهم. هذا فضلاً عن إلغاء الحكومة لجوازات سفرهم مما أدى إلى استبعاد إمكانية عملهم في الخارج؛ أي أنهم أصبحوا عاجزين عن إيجاد العمل في وطنهم الأم، ومحرومين في الوقت نفسه من السفر للعمل بالخارج.

وقد استخدمت الحكومة أساليب غير مفهومة ولا يمكن تبريرها لتدمير حياة المواطنين؛ مثل الحرمان المتعمد من الموارد اللازمة للبقاء، كالغذاء والخدمات الطبية التي تتوفر لبقية السكان. بل لقد تمادت الحكومة في الإجحاف فحتى أولئك الذين يحاولون مساعدة هؤلاء “المنبوذين” يعانون أيضًا من العواقب. فقد تم اعتقال اثني عشر رجل أعمال في مارس 2017 في محافظة “قيصري”، لجمعهم مساعدات إنسانية للعائلات التي تضررت من جراء القمع المستمر ضد المنتمين للخدمة.

وقد كان لإجراءات الحكومة التركية تأثير مدمر على حياة ومعيشة مئات الآلاف من العائلات، وخاصة الأطفال الذين حرموا بشكل كبير من حقهم في مستوى معيشة لائق، بل حرموا من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم البدنية والنفسية.

المادة 28 من معاهدة حقوق الطفل

(حق الطفل في التعليم)

لكل طفل الحق في التعليم الأساسي ويجب أن يتاح بصورة مجانية، كما يجب تشجيع الشباب على إكمال تعليمهم والوصول إلى أقصى مرحلة تعليمية يستطيعون الوصول إليها.

ووفقًا للدستور التركي لعام 1982 لا يمكن حرمان أي فرد من حقه في التعليم. والتعليم الابتدائي إلزامي ومجاني في المدارس العامة، ومؤسسات التعليم الابتدائي متاحة للجميع دون تمييز على أساس اللغة والعرق والجنس أو الاعتقاد الفلسفي والديني[26].

وقبل محاولة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو 2016 ومراسيم القوانين اللاحقة، استهدفت الحكومة قطاع التعليم في البلاد من خلال مجموعة من الإجراءات الضارة بالفعل. فقد تم إغلاق آلاف المؤسسات التعليمية منذ عام 2015 من خلال تدابير غير قانونية ومخالفة للدستور. واستهدفت الحكومة بشكل خاص المدارس التحضيرية، والعدد الحالي للتحقيقات والمحاكمات وعمليات الفصل والاحتجاز والحملات الموجهة ضد المعلمين والأكاديميين في جميع أنحاء البلاد، صادم. هذا بالإضافة إلى مؤسسات التعليم العالي؛ فقد تم إغلاق 2.099 مؤسسة تعليمية في جميع أنحاء تركيا، بما في ذلك مئات المدارس الخاصة (K-12)، وتمت مصادرة جميع أصولها المالية وتحويلها إلى وزارة الخزانة. كل إجراءات إغلاق الآلاف من المؤسسات أدت إلى إجبار أكثر من 128.000 طالب على إنهاء دراستهم أو الانتقال إلى مدارس أخرى.

وقد واجه الطلاب في هذه المدارس عواقب خطيرة جراء إغلاق مدارسهم، فقد تم طردهم من هذه المؤسسات بموجب مراسيم الطوارئ. وتم فصل 44.385 مدرسًا وموظفًا إداريًّا آخرين من مناصبهم بصورة تعسفية وغير دستورية استنادًا فقط إلى قرارات سياسية وإدارية. وقد تعرضت حياة المفصولين هؤلاء لأضرار بالغة لا سيما على الجانب الاقتصادي، وأثَّر سلبًا على حياة أسرهم وأطفالهم، وأثّر على مستقبل ما يقرب من 1.5 مليون طالب، والأهم من ذلك الأثر السلبي على مستوى التعليم في تركيا.

وعلاوة على ما سبق، فإن أسماء المفصولين قد نُشرت في قوائم على الإنترنت، وهي جزء من سجل الشخص المرئي لدى كل مؤسسات الدولة، وهو ما أدى إلى ضغوط نفسية إضافية على هؤلاء الأفراد من قبل المجتمع. وقد صرحت إحدى الأمهات لمنظمة العفو الدولية بأن ابنها لم يعد يرغب في الذهاب إلى المدرسة، لأن الأطفال الآخرين يتنمرون عليه ويهاجمونه قائلين: “إن والدتك إرهابية وخائنة للوطن”. وفي حادثة أخرى ذكرت سيدة أخرى لمنظمة العفو الدولية أن ابنتها عندما تقدمت للحصول على منحة دراسية في إحدى المدارس التركية، أخبرتها السلطات في أثناء المقابلة الشخصية أنها مرفوضة في المنحة لأن أمها “إرهابية”[27].

وفي النهاية، فقد بات من الواضح للجميع أن الحزب الحاكم في تركيا ومنذ قيادته للبلاد منذ 17 عامًا، كان يسعى بصورة مستمرة ومنظمة لأدلجة التعليم ومؤسساته، وهو ما أعلن عنه الرئيس أردوغان صراحة عندما أطلق على مشروعه التعليمي هذا “الأجيال المتدينة” أو الجيل الديني الملتزم، مشيرًا إلى الهوية الدينية المرتبطة بحزبه، والتي يريد تعميمها على النظام التربوي في تركيا بشكل عام. وقد انعكست بالفعل النتائج العملية لهذه الأيديولوجية على التعليم في تركيا من خلال زيادة الطلاب الملتحقين بمدارس “الأئمة والخطباء” الدينية، والتي قدرتها الإحصاءات بـ 15 ضعفًا عن مثيلاتها في الأعوام السابقة. وليس خافيًا أن الحزب الحاكم يعتبر أن طلاب هذه المدارس هي الكوادر التي سيتشكل على أساسها حزب العدالة والتنمية. ويعد هذا التغيير في السياسات التعليمية أمرًا حاسمًا بالنسبة لحكومة أردوغان لتعزيز أجندة الإسلام السياسي، وهي قاعدة خصبة للعناصر المتطرفة. والمحصلة كانت التغير السلبي في نسيج المجتمع التركي نتيجة تغيير فهم الدين وتحويله لأيديولوجية سياسية.

المادة 37 من معاهدة حقوق الأطفال

(الاحتجاز والعقاب)

لا يعرض أي طفل للتعذيب، أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

وبالنظر إلى الوضع التركي، نجد أنه قُبيل محاولة الانقلاب التي جرت في 15 يوليو 2016 كانت السجون التركية بالفعل مزدحمة وكانت المحاكم تنظر قضايا متراكمة. وبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة سرعان ما اكتظت السجون في الأيام والأسابيع الأولى التي أعقبت هذه المحاولة، وبات كثير من المعتقلين يتناوبون النوم في أماكن عامة خصصتها السلطات للاحتجاز، وغالبًا دون فراش. كما استخدمت السلطات الساحات الرياضية والخيام المؤقتة وغيرها من مرافق الاحتجاز غير الرسمية لإيواء عشرات الآلاف من الأشخاص الذين اعتقلوا فيما يتصل بمحاولة الانقلاب.

ثم قامت الحكومة التركية بحملة تصفية وعزل في أعقاب 15 يوليو 2016 تعد الأكبر في تاريخ تركيا، بلغت حتى بداية مايو 2018 -بحسب موقع Turkey    151.967 Purge حالة فصل و136,995 شخصًا معتقلين. وتستند هذه الأرقام على مراقبة مراسيم الطوارئ الحكومية والتقارير الأخرى الواردة من مصادر رسمية.

كما أعربت مؤسسة الصحافيين والكتاب عن شعورها بالقلق بشكل خاص إزاء حالة الأطفال المحتجزين في السجون التركية مع أمهاتهم والبالغ عددهم 668 دون سن السابعة وفقًا لوزارة العدل التركية في أغسطس 2017، وقد تفاوتت أعمار هؤلاء الأطفال المسجونين، فوفقًا لبيانات مؤسسة الصحافيين والكتاب عن أعمار هؤلاء المسجونين من الأطفال نجد البيانات الآتية:

السن الذكور الإناث الإجمالي
دون سن السنة 79 70 149 طفلاً
سنة واحدة 73 67 140 طفلاً
سنتان 67 57 124 طفلاً
ثلاث سنوات 62 55 117 طفلاً
أربع سنوات 35 42 77 طفلاً
خمس سنوات 22 22 44 طفلاً
ست سنوات 3 3 6 أطفال
غير معلوم أعمارهم 8 3 11 طفلاً
الإجمالي 344 324 668 طفلاً

كما أن العدد في تزايد مستمر، حتى بلغ عدد الأطفال المحتجزين مع أمهاتهم 705 في بداية شهر مايو 2018 [28]، وليصل الرقم في 11 أغسطس 2019 إلى 864 طفلاً دون سن السابعة محتجزين مع أمهاتهم داخل السجون التركية[29].

الفصل الثاني

نماذج من انتهاكات حقوق الأطفال في تركيا

إن الحوادث والحالات التي سنوردها ليست سوى أمثلة على نمط أوسع بكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل في تركيا، وهو ما أكدته التقارير الإعلامية المختلفة بما في ذلك وسائل الإعلام الموالية للحكومة. ففي ظل حكومة حزب العدالة والتنمية تتزايد انتهاكات حقوق الإنسان يوميًّا. ويتم تجاهل المبدأ القانوني الدولي القائل بأن “المتهم برئ حتى تثبت إدانته”، وخاصة فيما يتعلق بأفراد حركة الخدمة أو المتعاطفين معها، والمحصلة أن الأمهات والأطفال والرضع يعانون في السجون دون أي سبب قانوني مشروع، حيث يتم احتجازهم بشكل تعسفي لشهور أو سنوات دون توجيه اتهام.

ووفقًا لعلماء النفس فإنه لا ينبغي احتجاز الأطفال والرضع في السجن تحت أي ظرف من الظروف، لأن النمو في بيئة غير صحية كهذه، يسبب اضطرابات شخصية طويلة الأمد في نفوس الأطفال، ومنها فوبيا الخوف من التجمعات، بالإضافة إلى مشاكل أخرى تتعلق بإدراك الطفل ووعيه. وبسبب الأوضاع المزرية التي آلت إليها السجون في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يونيو 2016، تحولت هذه الزنازين إلى أماكن غير مناسبة وغير إنسانية، وظروفها الصحية بالغة السوء بالنسبة للبالغين؛ فكيف بالأطفال والرضع المحتجزين فيها؟

إن عدم وجود مساحة شخصية تخص الطفل في أثناء نشأته، يؤدي إلى مشاكل في الثقة بالنفس، ومن ثم فإن الأطفال الذين ينشؤون مع أمهاتهم في السجن، من المحتمل جدًّا أن يصابوا بمتلازمات اضطرابية تتمثل في بعض السلوكيات العدوانية والميل إلى العنف.

وقد توافرت شهادات عديدة من معتقلين ومعتقلات داخل السجون، وآخرين وأخريات تم الإفراج عنهم، تُصور بعضًا من الظروف القاسية غير الإنسانية داخل السجون والمعتقلات التركية، ففي رسالة أرسلتها معتقلة تم الإفراج عنها مؤخرًا، إلى TR724 المستقلة، تحدثت عن أساليب التعذيب المختلفة التي مارستها الشرطة ضدها، بما في ذلك الخنق بالأكياس البلاستيكية في مركز شرطة أنقرة لإرغامها على الإدلاء بشهادتها ضد حركة الخدمة. كما وردت رسالة عن حالة أخرى كان يتم فيها تعذيب السيدة المعتقلة بحرمانها من رضيعها الذي لم يتجاوز شهرين، وعدم السماح لها بإرضاعه إلا مرة واحدة فقط طوال اليوم. وقد أجبرتها الشرطة على الاعتراف بأنها مذنبة، والتوقيع على شهادة بذلك من خلال تهديدها بتعذيب زوجها، وإبعاد رضيعها عنها نهائيًّا، ووضعه في دار إيواء للأيتام. كما وصفت الرسالة أيضًا ما تعرضت له سيدة حامل من إجهاض، نتيجة لما تعرضت له من ظروف صعبة في أثناء احتجازها لستة أيام دون انقطاع.

أولاً: نماذج انتهاك المادة (6) من اتفاقية حقوق الطفل (الحق في الحياة والتنمية)

حالة فرقان ديزدار:

فرقان ديزدار كان يبلغ من العمر 12 عامًا وكان مصابًا بمرض السرطان، ولم تسمح له السلطات بالسفر لتلقي العلاج، لأن أبويه ممنوعان من السفر بمرسوم طوارئ. توفي فرقان ديزدار في السابع من فبراير 2017 نتيجة لمنعه من حقه في السفر لتلقي العلاج بالخارج.

حالة طفل “أ.م” و “م.م”:

اعتقل الأب “أ.م” رغم ظروفه الصحية، فهو مصاب باللوكيميا (سرطان الدم)، ويعاني من فقدان رؤية بنسبة %80 بإحدى عينيه، وبسبب المعاملة غير الإنسانية داخل السجن، وتعنت إدارة السجن ورفضها تلقيه العلاج، فقد الكثير من وزنه. أما الأم “م.م” فقد اعتقلت وهي في فترة الحمل، وفي ظل اعتقال الوالدين بدون أدلة وبدون محاكمة عادلة، بقي طفلهم ذو الثماني سنوات وحيدًا دون حنان أو رعاية أبوية.

حالة عائشة سنا:

الطفلة عائشة ذات العامين مصابة بـ “متلازمة داون”، كان والدها يعمل ضابط شرطة قبل أن يقبض عليه ويوضع بالسجن في أكتوبر 2016، ثم اعتقلت والدتها بعد شهر واحد من اعتقال والدها. أثَّر فقدُ الوالدين بسبب اعتقالهما على الحالة الصحية للطفلة بصورة سلبية؛ فظهرت عليها أعراض المرض الذهني والنفسي بالإضافة إلى ازدياد نسبة التخلف العقلي وتفاقم حالة القلب، وتدهور عام في الصحة شمل الفشل الكلوي الحاد، والفشل الحاد بالجهاز التنفسي، وحموضة الدم، والالتهاب الرئوي الجرثومي، وقصور الغدة الدرقية، وارتفاع ضغط الدم المزمن وتعفن الدم.

وقد وضعت الطفلة بالعناية المركزة بالمستشفى دون أن يكون بجانبها أحد من والديها المحتجزين من غير مبرر أو سند قانوني، وقد تقدمت الأم مرارًا بطلبات للتواجد مع طفلتها في المستشفى لرعايتها، لكنها لم تتلق أية ردود من السلطات، وبقيت الطفلة في العناية المركزة بالمستشفى محرومة من رعاية أبويها، في هذه الأوقات العصيبة.

حالة أطفال ويسل كزيل كايا:

اعتقل ويسل كزيل كايا في مدينة “ريزا” في نوفمبر 2016 تاركًا وراءه زوجته وثلاثة أطفال يعانون اقتصاديًّا لفقد عائلهم، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عانى الأطفال من اضطرابات نفسية نتيجة فقد والدهم، فابنه ذو السبع سنوات فقد القدرة على الكلام، وابنته ظهرت عليها أعراض اضطراب الانتباه وتشتت التركيز.

 حالة فاتح ومجتبى أوز:

مصطفى وأمل أوز زوجان كانا يعملان مدرسين في المدارس العامة، تم اعتقالهما تعسفيًّا دون أي دليل مشروع على التوقيف. أودع السيد مصطفى في سجن مدينة “نو شهير”، بينما سجنت زوجته في سجن مدينة “مانيسا” على مدار الأشهر الماضية، تاركين وراءهم ثلاثة أطفال (فاتح، مجتبى، سامي) في رعاية جدهم البالغ 80 عامًا، ويعيش في مدينة “قيصري”. تكمن المشكلة في أن فاتح ذا الـ18 عامًا، ومجتبى ذا الأربعة أعوام، كلاهما مصابان بالتوحد الشديد (نسبة التوحد لديهما %90)، وكلاهما يحتاج إلى دواء يومي وعناية خاصة.

لقد كان من الصعب على الجد ذي الثمانين عامًا رعاية ثلاثة أطفال، اثنان منهم بحاجة إلى رعاية خاصة. وهو ما جعل الجد يقدم تقارير طبية إلى المحكمة لإطلاق سراح الأبوين، لكنه لم يتلق أي رد حتى الآن.

حالة حكمت أوزتورك:

أحمد أوزتورك كان يعمل قائدًا في الشرطة، قبض عليه في 22 يوليو 2014، في ذلك الوقت كانت زوجته عائشة جول أوزتورك حاملاً، كانت تنتظر أمام مركز الشرطة المحتجز فيه زوجها، وتتابع جلسات محاكمته في المحكمة، وبسبب الإجهاد والضغوط البدنية والنفسية ساءت حالتها الصحية وفقدت حملها، ثم تدهورت صحتها العقلية والبدنية بوتيرة متسارعة لتتوفى في 8 سبتمبر 2014 داخل المشفى.

وبوفاة الأم بقي طفلهما “حكمت أوزتورك” في رعاية جدته لأمه، وقد أبطلت السلطات إذن زيارة هذه الجدة مع حفيدها حكمت، لرؤية والده في معتقله، وبذلك حُرم الطفل وأبوه من حقهما في التواصل.

حالة الرضيع عاصم سنجار:

سُجن الرضيع عاصم ذو الشهرين لمدة ستة أشهر مع والدته في سجن أريغلي، وبسبب تعرض والدته لصدمة نفسية جراء سجنها لم تستطع إرضاعه بصورة منتظمة، مما دعاها إلى طلب مكملات غذائية ضرورية لتغذية الرضيع، إلا أن إدارة السجن تعنتت معها ورفضت طلبها، مما كان له أثره السلبي على تغذية الرضيع ونموه.

حالة ماهر مردان:

هو واحد من 864 من الأطفال المحبوسين مع أمهاتهم في سجون تركيا المختلفة، وهو محتجز منذ ما يزيد عن سنة إلى الآن في سجن تارسوز، في زنزانة سعتها 26 سجينة، ولكن يقبع بها 70 سجينة اليوم، وفضلاً عن ذلك، فقد منع الطفل “ماهر” من حقه في التغذية السليمة، بعدما رفضت السلطات طلب الأم للمكملات الغذائية اللازمة لنمو الطفل.

ثانيًا: نماذج انتهاك المادة (23) من اتفاقية حقوق الطفل (حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة)

حالة الطفلين عمر سيف الدين وطوبى جاكماك:

فصل “سيف الدين” من عمله حيث كان مدعيًا عامًا بمرسوم طوارئ، ثم ألقي القبض عليه لاحقا في 17 يوليو 2016 وأودع سجن “كوجالي”، ثم نقل إلى سجن “سيليوري” بإسطنبول، فبقيت زوجته بمفردها ترعى طفلين مصابين بإعاقة تصل نسبتها إلى 98%، وازداد الوضع سوءًا بإلغاء السلطات مزايا خدمات الرعاية الصحية التي كانت تقدم لهؤلاء الأطفال. ولم تستطع الأسرة استعادة هذه الحقوق إلا بعد رفع دعوى أمام محكمة الاستئناف، التي قررت بطلان قرار السلطات بوقف هذه الحقوق والمزايا. ولحاجة الطفلين إلى رعاية مستمرة على مدار اليوم، وعدم قدرة الزوجة على ترك الأولاد والاتجاه إلى العمل لتأمين مصاريف هذه الرعاية الضرورية، تقدمت بطلبات عديدة إلى المحكمة لإطلاق سراح زوجها إلى حين محاكمته، إلا أن رد المحكمة كان صادمًا حيث رفضت طلبات إطلاق السراح وأوصت بإيداع الأطفال دور رعاية الأيتام فاقدي الأبوين.

ثالثًا: نماذج انتهاك المادة (24) من اتفاقية حقوق الطفل

(حقوق الرعاية الصحية)

حالة الطفل محمد سليم سلجوك:

اعتقلت “بتول” والدة الطفل محمد سليم سلجوك، والتي كانت تعمل مدرسة للفيزياء ومعها طفلها الذي لم يتجاوز الخمسة أشهر، كما اعتقل والده أيضًا. أصيب الطفل بمضاعفات أدت إلى احتياجه إلى إجراء عملية جراحية بإحدى عينيه نتيجة حرمانه من حقه في الرعاية الطبية، ونظرًا لأن إجراء هذه العملية يحتاج إلى موافقة الوالدين فلم يتمكن من إجرائها أيضًا، لأن الوالدين كليهما محتجزان، وتعذر الحصول على موافقتهم.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لقد تأثر الطفل سلبًا ببقائه في السجن على المستوى النفسي والإدراكي بسبب طبيعة الجو العام بالسجن، وأبسط مثال على ذلك منع السلطات إدخال أية ألعاب يتسلى بها الطفل، ورغم مطالبات الأم المتكررة بإطلاق سراحها وطفلها نظرًا لعدم وجود أي أقارب يرعون الطفل، فإن السلطات لم تستجب لأي من هذه الطلبات واستمرت في تعنتها.

مصرع أحمد جانيك:

فاتح جانيك فصل من عمله كقاضٍ بالمحكمة الإدارية، وتم القبض عليه وحبسه لاحقًا ورغم إقامته بمحافظة “أفيون” إلا أن السلطات أودعته سجن “كهرمان مراش”، مما أجبر الأسرة على قطع مئات الكيلومترات ذهابًا وإيابًا، وفي إحدى مرات هذه الزيارة لقي طفله أحمد جانيك مصرعه وهو يعبر الطريق للذهاب إلى زيارة والده.

حالة ابنة مناب أراس:

مناب أراس كان سائقًا، في 9 سبتمبر 2016 احتُجز في إغدير بشكل تعسفي، ثم اعتقل في سجن كارس في 23 سبتمبر 2016. أصيبت ابنته بسرطان نخاع العظام، مما اضطرها إلى ترك المدرسة لتلقي العلاج. كانت الطفلة تسافر من إغدير إلى أرضروم مرتين في الأسبوع. وكانت الأسرة تعاني من مصاعب اقتصادية مما جعلها تستدين لسداد تكاليف الرعاية الطبية وشراء الدواء من الخارج. بعد اعتقال الوالد، لم تتمكن الأسرة من سداد ديونها، كما أوقفت السلطات مزايا الضمان الاجتماعي. وبذلك حرمت ابنة مناب أراس -لسوء الحظ- من العلاج والرعاية الصحية.

حالة بتول أكداغ:

تم القبض على الطفلة بتول أكداغ ذات العامين والنصف مع والدتها، وتم الزج بهما في سجن مدينة بوجا في 27 أبريل 2017، كما اعتقل والد الطفلة أيضًا، وكانت الأم ملك أكداغ تعمل مدرسة في إحدى المدارس العامة، الطفلة بتول مصابة بمرض القلاع وهو عبارة عن التهاب فطري في الفم، ورغم أن من حق الطفلة الحصول على الدواء اللازم، إلا أن إدارة السجن لم توفر العلاج اللازم لها وتعنتت معها.

حالة سنا أوصلو:

اعتُقلت أويا أوصلو في مدينة كوجه إيلي في 9 أكتوبر 2016. ووجه لها اتهام لا دليل عليه، فقد اتهمت بالتطوع في معرض خيري نظمه بيت الطالبات في أثناء دراستها الجامعية بقونيا عام 2011. سُجنت أويا مع طفلتها البالغة من العمر 3 أشهر. تعاني طفلتها “سنا” من نقص حادٍّ في التغذية أدى إلى فقدانها كثيرًا من وزنها الطبيعي لدى الأطفال الرضع. تقدمت والدتها بطلبات متعددة إلى إدارة السجن لتزويدها بالمكملات الغذائية اللازمة، أو السماح لها بإدخال المكملات الغذائية على حسابها من الخارج، لكن مع رفض مسؤولي السجن هذه الطلبات المتكررة رغم أهميتها وضرورتها اللازمة لصحة الرضيعة تدهورت حالتها الصحية وازداد وضعها سوءًا.

حالة حفصة شينار:

ألقي القبض على صاديجة شينار هي ورضيعتها حفصة شينار في 15 مايو 2017، وأودعت في المعتقل بشكل تعسفي دون أي دليل أو محاكمة، ونتيجة لسوء الرعاية الصحية في السجن أصيبت طفلتها حفصة بمشاكل في الكلية، وأشارت التقارير الطبية بضرورة إجراء عملية جراحية على وجه السرعة، ورغم تقديم الأم طلبات متكررة للإفراج المشروط عنها لرعاية طفلتها والإشراف على علاجها، إلا أن مسؤولي السجن تجاهلوا طلبها، حتى تدهورت صحة طفلتها.

رابعًا: نماذج انتهاك المادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل (الاحتجاز والعقاب)

حالة جينا جينار:

اعتُقلت زينب جينار والدة الطفلة جينا جينار، ونُقلت إلى سجن شَكران مع زوجها في أكتوبر 2016. وظلت الطفلة جينا ذات الـ 12 شهرًا مع والدتها داخل السجن، ولم يكن من المسموح لها رؤية والدها إلا خلال ساعات الزيارة، ثم تقوم إدارة السجن بإعادة الطفلة إلى والدتها بعد الزيارة. وقد تقدمت الوالدة بطلبات متكررة للإفراج المشروط عنها لرعاية طفلها لكنها لم تتلق ردًّا حتى اليوم.

حالة الرضيع مراد ميجي:

أوزليم ميجي أستاذة التاريخ في إحدى المدارس الإعدادية التي أغلقت بموجب مرسوم الطوارئ بعد محاولة الانقلاب الفاشل، تم اعتقالها في 3 أكتوبر 2016 بناء على اتهامات زائفة وبدون أي دليل بزعم صلاتها بحركة كولن وعملها في مدرسة تابعة للحركة. “أوزليم” كانت حاملاً عند اعتقالها وبعد يوم واحد من الولادة في المستشفى أُعيدت “أوزليم” ومولودها “مراد” إلى السجن الذي لا يمثل بيئة صحية لطفل حديث الولادة، ولا لأمٍّ عقب حالة ولادة.

احتجاز أطفال “ب. ك” وزوجته:

جعلت حالة الطوارئ وقوانين مراسيم الطوارئ تهديد مسؤولي السجن لأطفال السجناء وأفراد أسرهم أمرًا مشروعًا. و”ب.ك” مثال مؤسف على مثل هذه التهديدات. “ب.ك” فصل من وظيفته الحكومية في كوتاهيا، وسجن لمدة سبعة أشهر. ورغم أن الفحوصات الطبية التي تسلمتها الشرطة تشير إلى أنه مصاب بمرض الانسداد الرئوي المزمن، فقد أرسله الضباط مع 24 سجينًا آخرين من الضحايا إلى سجن يستوعب ثمانية أشخاص كحد أقصى ليسجنوا جميعًا فيه.

في 2 مارس 2017، اقتحم رجال الشرطة منزله بحثًا عن أشياء أو مستندات غير قانونية. لم تكن في المنزل أية عناصر إجرامية، إلا أن قائد الشرطة أمر الضباط باحتجاز زوجة “ب. ك” وأطفاله حتى يتمكنوا من العثور على أدلة يمكن استخدامها ضد الأسرة. كان ابن “ب. ك” طالبًا في المدرسة الثانوية، وابنته طالبة جامعية، لم تستطع إكمال مسيرتها الدراسية بسبب عجز الأسرة عن توفير النفقات اللازمة لها.

حالة عمر جليكبيلك:

تم القبض على “خديجة كبرى جليكبيلك” خلال الموجة الثانية من حملات الشرطة في مدينة “دنيزلي”، واتُهم عديد من الأشخاص بمن فيهم المدرسون وربات البيوت ورجال الأعمال الصغيرة بـ”دعم منظمة إرهابية ماليًّا”. وتم القبض عليها دون توجيه أي اتهام، وأُجريت محاكمتها بعد عدة أشهر. كان طفلها عمر ذو الثمانية أشهر المرافق لوالدته في السجن في وضع سيء لا يلائم الأطفال الرضع في عمره، وبعد طلبات متكررة من الأم وافقت المحكمة هذه المرة على إطلاق سراح الطفل -وحده- بسبب الظروف غير الصحية داخل السجن، وتم تسليمه لبعض الأقارب ليعهدوا بالعناية به.

الفصل الثالث

شهادة حية لأحد ضحايا سجن بكير كوي للنساء

في سياق صياغة هذا التقرير، جمعت مؤسسة الصحافيين والكتاب أدلة على عدة حالات يظهر من خلالها ما تعانيه الأمهات مع أطفالهن من محنة في السجون، وقد قامت المؤسسة بفحص دقيق، ووجدت أن معظم الادعاءات متسقة وذات مصداقية. تم اختيار الحالة التالية لأنها الأكثر إيضاحًا من بين تلك الحالات، وذلك لأنها مفصَّلة، والضحية ليس لديها أطفال في السجن، كما تم دعم روايتها بمعلومات من مصدر آخر. وقد حجبت مؤسسة الصحافيين والكتاب اسم الضحية والمعلومات الشخصية الخاصة بها، مثل التواريخ والأوقات ومكان الاحتجاز والمهنة، لحمايتها وحماية أسرتها من تداعيات شهادتها. وسيشار إليها هنا باسم “الضحية”.

احتجزت “الضحية” في إسطنبول، وتم نقلها إلى سجن باكير كوي النسائي في أعقاب محاولة الانقلاب بتهم تتعلق بالإرهاب، تحت زعم أنها متعاطفة مع حركة الخدمة، قضت عدة أشهر في سجن باكير كوي للسيدات ووصفت ظروف الاحتجاز بأنها “مروعة”. ووفقًا لما أخبرت به فإن غرف الاحتجاز كانت تستوعب من 3-5 سيدات، وجميع عنابر السجن كانت في الطابق الأرضي ولا تدخلها الشمس، فالنساء المحرومات من حرياتهن  كن يعتمدن فقط على النور المتسرب إلى الزنازين من الممر. لم يُسمح للنساء بحيازة أي ممتلكات، واضطررن للاستحمام في دورات مياه يستخدمها الرجال والنساء معًا. كما اضطرت هي ونساء أخريات إلى صنع وسائد من ملابسهن الخاصة، وكانوا يستخدمون ورق الفوم المقوى أسرَّة للنوم ويجلسون عليها أثناء النهار، لأنه لم يكن في الزنزانة أي شيء آخر. كان الطعام المعلَّب المقدم للمحتجزات “بشعًا” ورائحته كريهة للغاية. وتذكر أنه في زنزانتها كانت هناك امرأة حامل وسيدة تُرضع طفلها. ونظرًا للظروف السيئة كان الجميع يدعون باستمرار من أجل إطلاق سراحهم أو نقلهم إلى سجن خيالي تكون الظروف فيه أفضل.

لم يكن في الزنزانة التي كانت محتجزة بها أطفال، لكن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 سنوات كانوا “ينضمون” مؤقتًا لزيارة أمهاتهم في السجن لعدة أيام. ولكن على كل حال في نظر الكثيرين، لم يكن من الحكمة أن يقضي الأطفال أي وقت داخل السجن مع الأخذ في الاعتبار الظروف غير الإنسانية داخل السجون. كان يسمح في كل أسبوع لامرأة واحدة بإدخال طفلها معها داخل السجن ويسمح لها بطلب المزيد من التغذية الضرورية للطفل من الحليب والبيض والجبن. وقد كان للضحية نفسها صديقات ذوات أطفال معها في السجن؛ إحدى المسجونات كان لديها ولد عمره 3 سنوات، وأخرى لديها فتاة عمرها 4 سنوات، وأخرى لديها فتاة تبلغ من العمر 5 سنوات، وكان الأطفال يزورون أمهاتهن من وقت لآخر.

كان الضغط النفسي على الأطفال في السجن مدمرًا وكانوا يطرحون باستمرار السؤال تلو الآخر عن سبب إغلاق البوابات، كانوا يتساءلون عن سبب عدم السماح لأي شخص بالخروج والأبواب مغلقة طوال الوقت. وكانت الفكرة السائدة بين الأطفال هو أن المكان عبارة عن مستشفى وأن أمهاتهم مجرد مرضى، وقد تعززت هذه الفكرة لدى الأطفال برؤية بعض السجينات لديهن أدوية يتناولنها، وكانوا يعتقدون جازمين أن المكان هو مستشفى. ومع ذلك، كان هناك أطفال آخرون لا يمكنهم رؤية أمهاتهم والتحدث معهن إلا من خلف الجدار الزجاجي، وكان من الصعب للغاية شرح الموقف لهؤلاء الأطفال.

كانت الأمهات “يغذين” هذه الفكرة لدى أطفالهن ويحاولن “إقناع” أطفالهن بأن الأجنحة عبارة عن غرف للمرضى وعليهم البقاء فيها للعلاج. والعديد من ضابطات الشرطة المحتجزات كن يخبرن أطفالهن بأنهن في وظائفهن ولا يمكنهن المغادرة إلا بعد انتهاء مهمتهن. وكانت الضحية وغيرها من المحتجزات يقمن بشراء الحلوى والفواكه من كافتيريا السجن عندما يجيء الأطفال لزيارة أمهاتهن. كانت النساء يقمن بكل ما في وسعهن حتى لا يتذكر الأطفال السجن على أنه مكان سيء، والحقيقة أنه لم يكن بوسعهم سوى الدعاء وشراء الحلوى والفواكه، ولم يكن الأمر ينجح دائمًا وأحيانا كان يظهر على بعض الأطفال أعراضٌ نفسية خطيرة، فعلى سبيل المثال أحد أطفال صديقة للضحية عندما جاء إلى السجن لم يكن يتحدث مع أحد سوى أمه، ولم يكن يتركها ولو للحظة، كان دائمًا متشبثًا بها، يمسك بذراعها أو ساقها حتى لا تتركه. ولكن بعد قضاء أسبوع واحد أو نحو ذلك في السجن بدأ يتحدث إلى نساء أخريات. كان الأطفال الذكور يميلون إلى أن يكونوا أكثر قربًا من أمهاتهم المحتجزات مقارنة مع الإناث حيث كن أكثر راحة وانفتاحًا مقارنة بالأطفال الذكور. لكن في النهاية، كان جميع الأطفال -من الذكور والإناث- قلقين للغاية وحريصين على عدم فقدان أمهاتهم مرة أخرى.

وهذا رابط ليفيديو تعرض فيه صحفية تركية كانت مسجونة في سجون النظام التركي، لمأساة النساء الأسيرات مع أطفالهن في هذه السجون[30].

النتائج والتوصيات

إن الأطفال في تركيا هم أكبر ضحايا التصفيات التعسفية التي تقوم بها الحكومة التركية ضد أفراد حركة الخدمة والمتعاطفين معها داخل تركيا وخارجها.

فالأطفال الذين فُصل آباؤهم عن أعمالهم ثم اعتقلوا، يواجهون مشاكل خطيرة بدنيًّا ونفسيًّا، ويعانون من التأثيرات السلبية لقرارات الحكومة، أما الأطفال المحبوسون في السجون مع أمهاتهم فحالتهم أصعب؛ فهم محرومون من حقوقهم بلا ذنب، ولا يتمكنون من الحصول على حقوقهم الضرورية من التعليم أو الرعاية الصحية المناسبة، هذا بالإضافة إلى الضغط النفسي الذي يعاني منه الأطفال بسبب ممارسات المجتمع السلبية ضدهم التي تشحنها وسائل الإعلام الموالية للحكومة، ووصف أبويهم أو أحدهما الذي لم تثبت ضده أي اتهامات بعد بأنه إرهابي.

إن حق الأم في الصحة[31]، من بين المحددات الرئيسية لصحة الطفل بجوار التغذية والتنمية، ويجب على الحزب الحاكم وكذلك الأحزاب الأخرى السعي الحقيقي من أجل خفض معدل وفيات الأطفال الأتراك. ولكن مع الأسف، فقد زادت وفيات الرضع في أعقاب محاولة الانقلاب بسبب الظروف القاسية المفروضة على الأمهات قبل وفي أثناء الحمل وفي فترة ما بعد الوضع مباشرة. هذا فضلاً عن العواقب السلبية الوخيمة على نمو هؤلاء الأطفال الناتجة عن حبسهم مع أمهاتهم في السجن، وتأثيره الشديد على حقه الإنساني في النمو.

وبناء على المعطيات السابقة، فإنه يتوجب على الحكومة التركية -بموجب التزاماتها بالمواثيق الدولية- أن تتخذ بعض القرارات الهامة وعلى وجه السرعة ومن أهمها:

اتخاذ جميع التدابير اللازمة لإبطال جميع الإجراءات غير القانونية والإدارية وضمان عدم التمييز ضد الأطفال الذين فصل آباؤهم أو سجنوا بسبب صلات مزعومة بحركة الخدمة.

الأخذ في الاعتبار مصلحة الطفل بصورة أساسية في كل ما يتم تنفيذه من إجراءات، لا سيما الأطفال المحرومون من حقهم في الحرية والمحتجزون مع أمهاتهم.

الاسترشاد بالمعاهدات الدولية في معاملة الأطفال، كالمبادئ المنصوص عليها في معاهدة حقوق الطفل، بالإضافة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من المواثيق والمعاهدات الدولية ذات الصلة.

وفقًا لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، يجب ضمان عدم حرمان أي طفل -بغض النظر عن هوية والديه- من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية. فينبغي توفير الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات لأطفال الأفراد المفصولين أو المحرومين من حريتهم في أعقاب محاولة الانقلاب، وكذلك يجب أن يكون الوصول إلى تلك الخدمات بلا تمييز.

توفير الرعاية الصحية وضمان فوائد واستحقاقات الرعاية الاجتماعية لجميع الأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية وقائية، وبغض النظر عن المعتقدات السياسية لآبائهم أو ما إذا كانوا ضحايا لعمليات التطهير التعسفي بعد محاولة الانقلاب الفاشل.

ينبغي إتاحة الوصول إلى الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية لجميع الأطفال والنساء الذين لديهم أطفال يرعونهم داخل السجون، بما في ذلك رعاية مرضى السرطان والإعاقات البدنية والعقلية.

يجب منح الجنسية لجميع الأطفال المولودين لمواطنين أتراك، والذين لم يُسجلوا، وبالتالي حرموا من حقهم في الجنسية.

طبقًا لقواعد الأمم المتحدة لمعاملة السجينات والتدابير غير الاحترازية للنساء المذنبات (قواعد معاهدة بانكوك) ينبغي أن يتم إصدار أحكام غير احتجازية بحق الحوامل والنساء اللواتي لديهن أطفال يعتمدن عليهن بصورة رئيسية.

[1]     https://www.youtube.com/watch?v=rP8g6phRrSc

 

[2]     https://turkeypurge.com/turkey-sends-another-kid-to-prison-with-mother-bringing-total-to-864-hdp-deputy

 

[3]     Source: Implementation Handbook for the Convention on the Rights of the Child, UNICEF, 2008.

 

[4]     اُعتمدت هذه الاتفاقية وعُرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، وبدأ نفاذها بتاريخ: 2 أيلول/سبتمبر 1990، وفقا للمادة 49.

 

[5]     https://turkeypurge.com/imprisoned-journalists-children-changes-surname-amid-peer-pressure.

 

[6]     B.N.M., a high school student committed suicide on October 24, 2016, by jumping to her death from the walls of the Boyabat Fortress (Northern Turkey) after being reportedly bullied by classmates and teachers over her father’s alleged links to the Hizmet Movement

 

[7]     See https://turkeypurge.com/3-year-old-child-with-fever-denied-treatment-as-father-under-arrest-over-gulen-links.

 

[8]     Office of the High Commissioner for Human Rights, Need for transparency, investigations, in light of “alarming” reports of major violations in South-East Turkey – High Commissioner Zeid, May 10, 2016.

 

[9]     Turkish Citizenship Law, Law No. 403, 11 February 1964, available at: http://www.refworld.org/docid/4496b0604.html (unofficial translation).

 

[10]    http://www.institutesi.org/news/Policy-brief-Turkey-arbitrary-deprivation-of-nationality_2017.php.

 

[11]    Ibid.

 

[12]    https://www.turkishminute.com/2016/11/28/turkish-govt-may-remove-children-families-backed-coup/.

 

[13]    https://turkeypurge.com/turkish-govt-removes-child-from-foster-family-over-gulen-links

 

[14]    https://turkeypurge.com/government-cuts-off-funds-for-disabled-child-over-fathers-gulen-links.

 

[15]    See for example: https://turkeypurge.com/autistic-children-left-unattended-as-teacher-parents-under-arrest-over-alleged-coup-links. https://turkeypurge.com/mother-with-disabled-son-daughter-detained-over-alleged-coup-involvement.

 

[16]    https://turkeypurge.com/even-disabled-son-was-arrested-in-bylock-operation-woman-decries-witch-hunt.

 

[17]    For more see: https://turkeypurge.com/13-health-clinics-2-disability-associations-shuttered-in-new-govt-decree.

 

[18]    World Health Organization (WHO), Strategic planning for health: a case study from Turkey, 2015, p. 2.

 

[19]    Amnesty International, no end in sight: Purged public sector workers denied a future in Turkey, p. 15.  https://www.amnesty.org/en/documents/ eur44/6272/2017/en/

 

[20]    See https://turkeypurge.com/3-year-old-child-with-fever-denied-treatment-as-father-under-arrest-over-gulen-links.

 

[21]    راجع تقرير نسمات السادس بعنوان: “تصفية ممنهجة للقطاع الصحي في تركيا”، يوليو 2019.

 

[22]    Source: TurkeyPurge. https://turkeypurge.com/turkey-takes-400-pharmacies-out-of-prescription-system-over-gulen-links

 

[23]    https://stockholmcf.org/turkish-government-put-705th-baby-behind-bars-on-childrens-day/

 

[24]    https://www.unicef.org/media/media_93338.html.

 

[25]    Amnesty International, No end in sight: Purged public sector workers denied a future in Turkey,  https://www.amnesty.org/en/documents/eur44/6272/2017/ en/.

 

[26]    Primary Education Law-İlk.ğretim ve Eğitim Kanunu, Article 6.

 

[27]    Amnesty International, No end in sight: Purged public sector workers denied a future in Turkey, p. 15.  https://www.amnesty.org/en/documents/ eur44/6272/2017/en/.

 

[28]    https://stockholmcf.org/turkish-government-put-705th-baby-behind-bars-on-childrens-day/

(2) https://turkeypurge.com/turkey-sends-another-kid-to-prison-with-mother-bringing-total-to-864-hdp-deputy

[30] https://www.youtube.com/watch?v=d-ANFoUgzv0&feature=youtu.be

 

[31]    See Committee on the Elimination of Discrimination against Women, general recommendation No. 24 (1999) on women and health, Official Records of the General Assembly, Fifty-fourth Session, Supplement No. 38 (A/54/38/Rev.1), chap. I, sect. A.