مقابل 500 ألف دولار دفعتها الحكومة التركية إلى جنرال أمريكي متقاعد، سعت أنقرة لتشويه صورة المفكر والداعية التركي فتح الله كولن، في محاولة لترحيله، وذلك أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية لعام 2016، في الوقت الذي كان فيه الرئيس الحالي، دونالد ترامب، لا يزال مرشحًا للرئاسة.

فبعد رفض واشنطن المتكرر لطلبات نظام العدالة والتنمية تسليم الداعية الإسلامي فتح الله كولن، زعيم حركة الخدمة، الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب المزعوم يوليو 2016، عمد رجب أردوغان إلى تشويه صورة كولن بهدف الضغط على الإدارة الأمريكية والاستسلام لمطالب ترحيله.

شهادة أدلى بها عميل فيدرالي متقاعد أمام محكمة أمريكية، ونشرتها صحيفة توركش منيت التركية، السبت، كشفت أنه طُلب منه الحصول على معلومات سرية من مكتب التحقيقات الفيدرالي حول الأستاذ كولن تساعد في تشويه صورته للضغط على الإدارة الأمريكية بهدف تسليمه.

التجسس على كولن

برايان ماكولي أدلى بشهادته في محاكمة رجل الأعمال الأمريكي بيجان رفيقيان الذي اتُهم بالعمل سرًا كعميل لتركيا في الولايات المتحدة، والذي كان شريكًا تجاريًا لمايكل فلين، مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب السابق، الذي استخدم مجموعته “فلين إنتل” للخدمات الاستشارية للتقليل من قدر كولن، أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.

“توركش منيت” قالت إن ماكولي وغيره من العملاء الفدراليين المتقاعدين الذين استأجرتهم شركة “فلين” لم يشعروا بالارتياح لطلبات رفيقيان الخاصة بإمداده بمعلومات سرية عن فتح الله كولن.

أثناء شهادته بالمحكمة، قال ماكولي: ” رفيقيان سألني إن كان لدي تصريح للحصول على أي سجلات ضد كولن، ويقصد بذلك السجلات السرية في مكتب التحقيقات الفيدرالي. قلتُ له لا، أنا ضابط متقاعد، وليس لدي هذا التصريح بعد الآن”. أضاف أنه رفض أيضًا طلبات لإجراء مراقبة مرئية وصوتية لأنصار كولن في الولايات المتحدة.

إلى جانب ذلك،  طلب رفيقيان من ماكولي مقابلة النائب الأمريكي دانا روهرباشر من ولاية كاليفورنيا وإخباره بأن كولن إرهابي، ولكن العميل الفيدرالي المتقاعد رفض طلب خوفًا من تعريض نفسه للخطر بالقيام بمثل هذه الأفعال.

“معلومات قذرة”

ماكولي قال أيضًا إن رجل الأعمال التركي أكيم ألبتكين، وهو الرئيس السابق لمجلس الأعمال التركي الأمريكي، أوضح أنه يبحث عن معلومات جديدة ومسيئة عن كولن، ونقل عن ألبتكين قوله: “أبحث عن معلومات قذرة”.

“توركش منيت” قالت إن شركة “Inovo BV” الهولندية التي يسيطر عليها ألبتكين استعانت بشركة فلين من أجل الحصول على معلومات مسيئة عن كولن بهدف تشويه سمعته.

في ديسمبر الماضي، وُجهت اتهامات إلى رفيقيان على خلفية العمل كعميل غير مسجل لصالح حكومة أجنبية في الولايات المتحدة والتآمر لتقديم معلومات خاطئة إلى وزارة العدل الأمريكية في سجلات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب المودعة عام 2017.

وبالرغم من أن تورط فلين أُثير على نحو بارز في محاكمة رفيقيان، إلا أنه لم تُوجه إليه أي اتهامات على خلفية القضية. وبموجب صفقة الإقرار بالذنب المبرمة عام 2017 مع مكتب المستشار الخاص روبرت مولر، وافقت الحكومة على عدم مقاضاة فلين عن أي شيء يتعلق بالضغوط للإفصاح عن معلومات بخصوص كولن.

انقلاب مدبر

في أوائل عام 2014، صدر أمر من الحكومة التركية بالتجسس على الأشخاص والمنظمات التابعة لكولن، واستهدف أنصار الحركة بمحاكمات جنائية، بتهم تتعلق بالإرهاب، حسبما موقع نورديك مونيتور السويدي.

قال إن أردوغان دبر انقلابًا كاذبًا، لتبرير ملاحقته المستمرة لمعارضيه، وعلى رأسهم كولن وحركته، وكذلك لتحقيق أطماعه التوسعية في سورية لـ”يعلن نفسه رئيسًا إمبراطوريًا لتركيا الجديدة”، بوصف الموقع السويدي.

لفت إلى أن أنقرة قدمت في 19 يوليو 2016 ، طلبًا إلى الولايات المتحدة للقبض على كولن وتسليمه إليها، إضافة إلى طلب آخر في 23 يوليو 2016 ، وبعد مراجعة الطلبات، أبلغت وزارة العدل الأمريكية نظيرتها التركية أن الطلبات لم تستوف حتى الآن المعايير القانونية لتسليم المجرمين المنصوص عليها في اتفاقية تسليم المجرمين بين الولايات المتحدة وتركيا وقانون الولايات المتحدة.

تشويه كولن

بحسب وثائق سرية نشرتها صحيفة بوليتيكو الأمريكية، يونيو الماضي، فإن حكومة أردوغان دفعت 500 ألف دولار للجنرال الأمريكي المتقاعد مايكل فلين، لتشويه صورة فتح الله كولن، أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية لعام 2016.

 

الوثائق كشفت أن مايك بوسطن، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الأمريكية يعمل ضمن مجموعة يقودها فلين، كتب آنذاك ملاحظة تحت عنوان “تعليقات العميل”، يقصد الزبون التركي، وجاء فيها أن ترامب “لم يدافع عن تركيا بشكل علني خلال حملته الانتخابية”.

ملاحظة بوسطن حصل عليها المحقق الخاص روبرت مولر، خلال تحقيقه في قضية تمويل روسيا لحملة ترامب الانتخابية، ثم أصبحت جزءًا من القضية الجنائية ضد الشريك التجاري السابق لفلين، بيجان رفيقيان، المعروف باسم بيجان كيان (66 عاما) ويقيم في ولاية كاليفورنيا، والذي أُدين في ديسمبر الماضي بتهمة العمالة لتركيا.

القضاء الأمريكي اتهم رفيقيان بصحبة رجل الأعمال كميل ايكيم البتيكين (41 عاما) التركي الهولندي المقيم في اسطنبول، بدعم جهود أنقرة للتوصل إلى تسليم تركيا الداعية فتح الله كولن الذي يقيم في الولايات المتحدة، والعمل لحساب حكومة أجنبية والكذب على مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) بشأن هذه الخطة التي تعود إلى 2016.

الخطة

خطة تشويه كولن تم إعدادها خلال حملة الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2016 عندما كان مايكل فلين مستشارا  لترامب، وكشفت وزارة العدل الأمريكية إن الهدف كان ترحيل فتح الله كولن إلى تركيا حيث يتهمه أردوغان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي جرت في 15 يوليو 2016. وهو ما ينفيه الداعية بشكل قاطع.

الصحف الأمريكية كتبت سابقا عن العلاقات بين مايكل فلين وتركيا، إذ ذكرت صحيفة “وول ستريت جرنال” أن روبرت مولر مهتم باجتماع عقد في سبتمبر 2016 في نيويورك بين فلين ومسؤولون كبار في الحكومة التركية بينهم وزير الخارجية مولود تشاوش أوغلو، ناقشوا خلاله إمكانية تنظيم مغادرة كولن الولايات المتحدة بموجب مذكرة تسليم رسمية.

بحسب الوثائق، تضمنت المطالب التركية من فيلين إثارة الأقاويل حول علاقة فتح الله كولن بالمرشحة الرئاسية آنذاك، هيلاري كلينتون، وحملتها الانتخابية، وهو ما استجاب له. فيلين نشر مقالا في 2016، تضمن مقطع فيديو للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يقول فيه عن زعيم حركة الخدمة إنه “صديق”، ويشير المقال إلى أن مؤسسة تدعم المدارس الأهلية التابعة لكولن في أمريكا قدمت أيضا تبرعات لـ”مؤسسة كلينتون”.

فريق فلين تباهى للزبون التركي بأنه عرض رسائل مناهضة لكولن في وسائل الإعلام، من بينها نشر قصة سلبية في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” حول بعض مدارس الخدمة. كما أعدت مجموعة فلين كشفًا عن خدماتها للعميل التركي، قالت فيه إن  “جهود الضغط” التي مارستها “ربما أفادت المصالح التركية”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع عثمانلي