دور الإسلام هو أن يكفل الوقاية والمناعة للمجتمع، فليس في وسع الأسرة المسلمة أن تعيش بمنْأى عن الانْتَرْنت وأخواتها من وسائط الاتصال.. فإذا لم تتوفر هذه الوسائط في البيت، فهي وافرة في الشارع والمؤسسة وعند المعارف والجيران، ولن يحول بين فظائعها ومهالكها وبين الناشئة، بل وبين الأوساط عامة، إلا التحصن بالدين الذي من خاصيته -عند التفعيل- أن ينمي في النفس إرادة الغض والتعفف والرقابة الذاتية.

حقا إن الأمة المتطورة علميا ومدنيا تستطيع أن توفر لمواطنيها البرامج المتوازنة، تصنعها وتملأ بها فضاء المواطنين، وتلبّي شتى الأذواق، وتسدّ مختلف الحاجات، وتغطّي سائر المناحي. إنما الأمة المسلمة -في جل أقطارها- ما زالت في الرغام، غير قادرة حتى على مجرد مباشرة التجريب التصنيعي والتعميري الحيوي والفعال، الأمر الذي يجعل البيئات المسلمة عرضة لاختراقات وتأثيرات ثقافة الآخر بكل مفاسدها.

الدين الإسلامي قادر على التحكم في ما يتلقى من مدونات، وأن يعمل على تصفية ما يصله من إعلاميات، واختيار ما يعرض عليه من سرديات. وهو بهذا يبرز صلاحيته لكل زمان ومكان.

 مراعاة مصالح العباد

الخطورة نفسها قائمة في ثقافة المؤسسات وفي التعاملات وفي النظم. إذ العالم قرية، والمجاميع المسلمة لا تفتأ تستهلك النظم والبرامج والأساليب التعاملية الوافدة، فهي من ثمة مطالبة بالتحصن بالعامل الشرعي، فإذا كان هذا العامل الشرعي متشدداً وغير مرِن، تعطّلت مصالح المسلمين.. وبالمقابل إذا تُجُووِزَ وتَعَطَّلَ العاملُ الديني أو تُسُوهِلَ فيه، طَمَّ الخطْبُ وعم الضرَر وتهالكت الجدر.

إذا كان العامل الشرعي متشدداً وغير مرِن، تعطّلت مصالح المسلمين.. وبالمقابل إذا تُجُووِزَ وتَعَطَّلَ العاملُ الديني أو تُسُوهِلَ فيه، طَمَّ الخطْبُ وعم الضرَر وتهالكت الجدر.

إن الدعوة إلى التيسير كما ينادي بها الأستاذ “كولن”، تجعل من أهدافها أن الجهد ينبغي أن يبذل بأقصى ما يمكن من الإصرار من أجل بناء البيئة والمجتمع الإسلامي المتكامل الذي لا يحتجز الأمة عن العالم، وإنما يقيم الكيان الذي يكون له من قوة الاستقطاب والمنعة والاكتفاء ما يجعل الآخرين يقبلون على الإسلام أفواجاً.

 اجتماعية الإسلام

صلابة الإسلام صلابة ذاتية، كامنة في سهولة تطبيقاته وفي طابعه العملي والالتزامي، الفردي والجماعي، إذ هو فرائض وأخلاق بارزة للعيان، فلكأن الشأن في هذه الفرائض والأخلاق منوط بالجماعة والمجتمع، أو لكأن الجماعة هي المسئولة على تفعيلها..

صلابة الإسلام صلابة ذاتية، كامنة في سهولة تطبيقاته وفي طابعه العملي والالتزامي، الفردي والجماعي.

وإن روح تبادل المصالح والتشارك والتعاون والتراحم التي تشرط الفرد المسلم في محيطه الاجتماعي، تملي عليه أن يكون مندمجا في دائرة الجماعة، ليس فقط بدافع اجتماعيته وإنسانيته، ولكن أيضا ضمانا لمنافعه ومصالحه، وإلا فاتَتْه ثمرة المكاسب (المادية والمعنوية) التي يجْنيها الفرد من الروابط التي يولدها التجمع والجماعة، وإن المسجد ليفتح المجال واسعا في وجه تمازج الفرد مع المحيط، الأمر الذي يجعل من واجب تأدية الصلاة الجماعية مدخلا كريما وميمونا ومؤهلا لتحقيق الاندماج.

الأمة المسلمة غير قادرة على مباشرة التجريب التصنيعي والتعميري الحيوي والفعال، الأمر الذي يجعل البيئات المسلمة عرضة لاختراقات وتأثيرات ثقافة الآخر بكل مفاسدها.

وتحلق نفس التبعات بالمسلم عندما تتوطد اندماجيته في الجماعة، إذ إن بقية الأركان الشرعية تدفع إلى التواصل، وتعمل على تقوية الأواصر بين الفرد ومحيطه. فإيتاء الزكاة (أداء أو نيلاً)، والحج، وإِحياء المواسم الدينية، فضلا عن أنواع المداخلات والمشاركات التي تنشأ بين الفرد والجماعة بحكم التعامل وبفضل روح التضامن والترابط التي تزيدها -حتما- أطوار الحياة واقتضاءات الواقع والتقارب قوة واستحكاما.. إن ذلك كله يُفتِّح المسلم على الجماعة، ويكيّفه مع الدين الذي هو أبرز لاحم بين الأفراد.

تتميز “جماعية العقيدة الإسلامية” بالاستقرار والثبات، إذ لا ينبغي أن يطرأ على الشعائر، وبالتالي على روح العقيدة، أيّ طارئ يزيحها عن أسسها، وإلا حصل التحلل من ربقة الشريعة.

هذه الأمور تجعل من الإسلام الدين العملي الذي لا يأتيه الباطل، باطل الانزياح والتحوير المبدئي، لا من بين يديه، ولا من خلفه. فبهذا الطابع الجماعي (المشهود)، والصبغة التطبيقية، دين ذاتي القوة، وذو روحية قائمة على التيسير، والاستدراك، والقضاء عند الاضطرار.

————————

المصدر: سليمان عشراتي، الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ96-99.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.