دعا الأستاذ فتح الله الناس إلى الاعتدال والفطنة في الحوادث الاجتماعية والسياسية التي تسارعت وتيرتها في تلك الأيام، نبههم إلى أن المؤمن أس الأمن، فعليه أن يتجنب المشاركة في النزاعات الهدّامة، وما يُرفع من شعارات لا نفع فيها للإسلام ولا للأمة بل هي ضرر محض؛ فهذه الحوادث مكيدة لنا دبّرتها عدة قوى، فلا ينبغي أن نُقحَم في لعبة كهذه؛ وفي مواعظه قبل انقلاب 1980م بيّن للناس خصوصاً للشباب الخطَرَ المحدِق بهم، كانت آخر موعظة قبل الانقلاب بأسبوع في بُرْنُوَا، والتقى بعدها ب”طُرْغُوت أُوزال” في غرفة إمام المسجد.
يحلّل الأحداث قائلًا: “إن الجو الذي ساد البلاد قبل 12 سبتمبر/أيلول 1980م، كان ينذر بانقلاب، وكان هذا واضحًا للعِيان، حتى إن من حذَقوا الأحداث أيقنوا بوقوع انقلاب، ولا حاجة في هذا لا إلى فراسة ولا إلى كرامة، فمن هنا كنت أشعر به كسائر الناس، وما تحدثت عنه مبنيّ على هذا.
أعتقد أنه كغيره من الانقلابات، فالشباب في الشوارع مسلّحون، والشعارات تهتف لماركس ولينين، والحقد والكره أعمى البصائر؛ وانتشرت سياسة التخريب، وأصيب المجتمع مجدداً بحالة روحية تعج سمة للدُّوَل المتخلفة كالتحريض على التدخل العسكري وفكرة “لنهدمْ أولًا ثم نخطّط”. فالمناخ الذي لا يُقبل فيه الرأي الآخَر، ولا تتعايش فيه الجماعات، يتيح الفرصة للتدخل، وتغدو فيه أتفه الخلافات مثارًا للنزاع؛ والنتيجة هي القضاء على الحرية والديمقراطية بتوتُّر مُصطنع بين يمين ويسار.
ومن المفيد هنا أن ننوه أن بعض المؤسسين لهذا الانقلاب قاموا بحراك ملغوم إلا أن الله شاء أن يتسبب حراكهم في انتفاضة مجتمعية. وأبطلوا لُعبة بعض المخاطرين تجعل من تركيا سفيرًا للاتحاد السوفيتي، عندما أتى الاتحاد السوفيتي السطح المشرِف على السقوط، وحالوا بعلمٍ أو بلا علم دون سقوطنا في هاوية سحيقة، وربما مهّدوا لأناس محترمين السبيلَ لخدمة الوطن”.
لم تدعه شرطة إزمير وشأنه بل ضيّقت عليه، فقدّم طلبًا لتغيير محل عمله فعُيّن واعظًا أول في “جَناقْ قَلعه” في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1980م، لكنه لم يتمكّن من العمل لمرض أصابه، حتى أُعلنت حالة الطوارئ، ووقعت إجراءات تعسفية منعته القيام بعمله، ثم صدرت فيه مذكرة اعتقال، فاستقال في 20 مارس/آذار 1981م من إدارة الوعظ؛ لكنه استمرّ في الخدمة تحت نِير إجراءات الاستبداد، ورغم الانتخابات الحرّة إلا أن الإجراءات التعسفية ما زالت مفروضة عليه؛ فطاف الأناضول، فتعرّف على أهلها عن كثَب، ومهد لنشر الخدمة فيها، وزار أَخلاط بلد أجداده، فاعتُقل في مدينة “بُرْدُرْ” في 12 يناير/كانون الثاني 1986م، وحققوا معه فترة طويلة، ثم رُحِّل إلى إزمير، فلما لم يعثروا على ما يدينه أخلوا سبيله.