إن مشروع الأستاذ الإصلاحي يستمد قوته من حضور مقومات العقيدة السليمة في كل مراحل بنائه. وهنا مكمن التميز في فكر الأستاذ فتح الله.
فما مقومات العقيدة عند الأستاذ فتح الله كولن؟
وما القضايا الأكثر إلحاحا عليه؟
الأستاذ فتح الله مسلم سنّي ماتُريديّ العقيدة، لكنه عندما يتكلم في العقيدة الأشعرية تحسبه أشعريا كما يخبر بذلك بعض تلامذة الأستاذ.. فالأستاذ وإن كان ماتريدي العقيدة يعمل على بناء رؤية عقدية تنسجم مع روح المشروع الإصلاحي الذي يتبنّاه، وهو المشروع الذي يتطلب أن تكون قضية العقيدة فيه أمرا يسهل استيعاب العموم له، خاصة إذا استحضرنا أن الأستاذ فتح الله يخاطب عموم الناس، وإن كان يخص المقرّبين منه بمستويات خطاب عالية في الجلسات الخاصة، لكنه في مواعظه وفي الخطب المنبرية وفي المحاضرات وفي غير ذلك من المناسبات التي يكون العموم أكثر حضورا، يحرص على يكون الخطاب في مستوى إدراك العموم.
منهج الأستاذ كولن في علم الكلام وفي العقيدة منهج أهل السنة والجماعة الذي يبتعد عن الخوض فيما لا يجوز في حق ذات الله تبارك وتعالى.
وبغضّ النظر عن طبيعة المنطلق العقدي للأستاذ فإنه لا يخرج عن دائرة أهل السنة والجماعة. فمنهجه في علم الكلام وفي العقيدة هو منهج أهل السنة الذي يبتعد عن الخوض فيما لا يجوز في حق ذات الله تبارك وتعالى.
منهج كولن العقدي
منهج الأستاذ فتح الله في باب العقيدة منهج متجدد يستفيد من مصادر كثيرة من بينها الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي الذي كان موضوع التوحيد والعقيدة من أهم ما ركز عليه في رسائله من خلال رفعه لشعار “إنقاذ الإيمان”. شيد النورسي في رسائله منظومة عقدية حية تخاطب العقل والروح، وتوظف من أجل ذلك الحقائق العلمية والكونية، بل يمكن القول بأن رسائل النور كتاب في علم الكلام جعل موضوعه الأساسي إثبات وحدانية الله وإثبات قدرته ووظف من أجل ذلك عددا كبيرا من الدلائل الوجودية وغيرها، ولا شك في أن جوانب من منهج النورسي ظاهرة في منهج الأستاذ فتح الله.
فإذا كان النورسي هو متكلم العصر الحديث، فإن فتح الله قد استفاد كثيرًا من أفكار النورسي، لكنه طبعها بشخصيته، وصبّها في قالب خاص يمزج بين المقاربة العقلية، والحقيقة العلمية وضوابط الإقناع والحوار مستفيدا في ذلك من الخطاب القرآني ومنهجه في ذلك، ومسترشدا بالمنهج النبوي في إضاءة هذا الخطاب، دون أن ننسى أن انتماء الأستاذ إلى المذهب الحنفي يجعله أكثر قربا إلى استعمال الفكر والعقل في باب الاجتهاد، وذلك لأن المذهب الحنفي وخاصة في باب الفقه أكثر المذاهب الأربعة توظيفا للعقل والفكر. وإذا كان المذهب الحنفي أكثر المذاهب الأربعة توظيفا للعقل، فإن المذهب الماتُريديّ في العقيدة يتموقع في موقع وسط بين المذهب الأشعري والمذهب الاعتزالي. وتكمن دلالة ذلك في كون الأستاذ فتح الله ميالا إلى الرؤى الفكرية التي تستطيع توحيد مختلف التصورات الفكرية في مجال العقيدة، بالإضافة إلى أن هذا التوسط يتيح لفتح الله المتكلم التوقف عند حدود الرؤية التي تقف عند حدود الفكر العقدي القديم الذي كان يضع حدودا معينة لا يجوز تجاوزها تأدّبا مع الله.
منهج كولن في العقيدة متجدد يستفيد من مصادر كثيرة منها الأستاذ النورسي الذي كان موضوع التوحيد والعقيدة من أهم ما ركز عليه في رسائله من خلال رفعه لشعار “إنقاذ الإيمان”.
مؤلفات كولن في العقيدة
كتب فتح الله الكثير في باب العقيدة، بالإضافة إلى خطبه المنبرية ومجموع فتاويه وإجاباته على مختلف الأسئلة المتعلقة بالعقيدة وبالقدر والتي جمعت في كتب، لكن لم يترجم من هذه الكتب إلى العربية سوى كتابين: الجزء الأول من سلسلة “أسئلة العصر المحيرة” وكتاب “القدر في ضوء الكتاب والسنة”.. وهناك كتب في هذا الموضوع مطبوعة باللغة التركية مثل “في ظلال الإيمان” و”البُعد الميتافيزيقي للوجود” إلا أنها لم تترجم إلى العربية بعدُ.. ولذلك فإن الذي نقف عليه لا يمثل سوى جزء يسير من الرؤية الكاملة لفلسفة العقيدة والقدر في رأي الأستاذ فتح الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تَصَرُّف مُحرِّر الموقع.
المصدر: كتاب أشواق النهضة والانبعاث، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2013م، ص218 ــ 220.
Leave a Reply