الكتاب من تأليف: فتح الله كولن

ترجمة: أجير إشِييُوك (Ecir Işiyok)

طباعة: دار النيل للطباعة والنشر الطبعة الأولى القاهرة 2015م

عن المؤلف: هو الأستاذ محمد فتح الله كولن رائد حركة الخدمة ومؤسسها الروحي، بدأ حياته الدعوية في الخطابة والوعظ والإرشاد منذ أن كان في العشرين من عمره، أسفرت حياته الدعوية عن عدد كبير من الخطب والمقالات والكتب التي وصلت إلى أكثر من ستين كتابا ترجم منها إلى العربية ما يقارب العشرين كتابًا. وهي كتب تتنوع ما بين الفكر والحضارة والتفسير والسيرة النبوية والتصوف وتزكية القلوب والرد على شبهات العصر وطرق الدعوة والتبليغ والإرشاد إلى غير ذلك مما تضمنته محتويات كتبه وعبرت عنها عناوينها.

عن المترجم: المترجم هو الأستاذ أجير إشييوق، تركى الجنسية، ويعتبر هذا الكتاب هو من بواكير ترجمته لكتب الأستاذ كولن، وقد ترجم أيضًا كتاب ” البيان الخالد..لسان الغيب في عالم الشهادة” الصادر عن دار النيل بالقاهرة عام 2017.

عن الكتاب: هذا الكتاب يكشف عن جانب مهم من جوانب الأستاذ فتح الله كولن العلمية وهو جانب التفسير، فقد عرفنا الأستاذ كولن مفكرًا في كتابيه “ونحن نقيم صرح الروح” “ونحن نبني حضارتنا”، واطلعنا على جانب فهمه للسيرة النبوية وتوظيفها توظيفًا حياتيًا رائعًا في كتابه الرائع “النور الخالد”، كما اطلعنا على جانبه التربوي من خلال كتابه “من البذرة إلى الثمرة”، كما كشف لنا كتابه “تلال القلب الزمردية” عن جوانب التزكية والروح والتصوف إلى غير ذلك من الكتب المنشورة.

عرض الكتاب: يتكون هذا الكتاب من مقدمة ومدخل وثلاثة فصول وخلاصة ومصادر وهو 240 صفحة من الحجم المتوسط

الفصل الأول عنوانه: جولة قصيرة في الآفاق القرآنية

الفصل الثاني عنوانه: الاستعداد الروحي للفاتحة

الفصل الثالث عنوانه: تأملات في ثنايا سورة الفاتحة وهو أكبر الفصول حجما 130 صفحة

وسوف أكتفي بعرض موجز للمقدمة والمدخل والفصل الأول، إذ يحتوي ما سبق على جملة من آراء الأستاذ حول القرآن وكيفية التعامل معه في وقتنا الحاضر.

أولا: المقدمة

تتحدث المقدمة عن بعض الخواطر أو المعلومات العامة عن سورة الفاتحة، مثل بعض أسمائها وسبب هذه التسميات، ثم اشتمال الفاتحة على المقاصد القرآنية، ومن ثم مقاصد الكتب السماوية كافة إما تصريحًا أو تلميحًا أو دلالةً أو إشارةً.

يعقب ذلك مختصر تفسيري أو مقدمة إجمالية لسورة الفاتحة، اعتبر الكاتب فيها أن الفاتحة بمثابة المقدمة للقرآن، وأن فيها حقائق سامية مجملة تضمنتها السورة إيجازًا أو إشارةً أو تلويحًا وتم تفصيلها في سور مختلفة من القرآن. ولم يذكر أمثلة على بعض أنواع هذه الأمثلة لضيق المقام، ومن ثم أحال إلى كتب التفسير.

كما تناولت المقدمة عدة نقاط تتعلق بالكتاب المترجم نوجزها فيما يلي:

أن الكتاب هو عبارة عن دروس وخطب صوتية مجموعة، أسلوبها خطابي وعظي في أغلب الأحيان، وبعض المواضيع مكررة بإيجاز للتذكير بما سبق، بالإضافة إلى الاستطراد في بعض الأحايين إلى ملاحظات نحوية وصرفية وبلاغية دقيقة وُصفت بأنها قد تكون ثقيلة على بعض القراء.

يتناول الأستاذ في هذا الكتاب جهود السلف الصالح في تفسير القرآن الكريم، وكيف كانوا يقطعون المفاوز والقفار في سبيل تجلية حقيقة واحدة من حقائق القرآن.

وقد بدا لي من خلال هذه النقاط التي استعرضتها آنفا أن المقدمة من صنع المترجم، واستنكرت عليه في بادئ الأمر أن يختم مقدمته بهذا الختام: “مع أنني لم أكن واثقًا تمامًا من أن مثل هذا العمل سيفيد الأمة المحمدية أو لا، ولكني احترامًا لمشاعر إخواني الفضلاء، قمت بتلبية ما طلبوه في هذا الصدد…”. وسبب استنكاري المتعجل أن هذه الفقرة تعطي انطباعًا سلبيًّا عن الكتاب في مقدمته ولا تخدم الغرض الذي من أجله تُرجم الكتاب وهو تفسير سورة الفاتحة، إذ كيف لعمل يتعرض بالشرح والتحليل والتفسير للقرآن ولسورة الفاتحة خاصة ألا يكون مفيدا للأمة المحمدية؟

ثم عدت إلى المترجم واستجليت منه الأمر فبين لي أن هذه العبارة من كلام الأستاذ نفسه متحدثًا عن كتابه وأن هذه طبيعة أسلوبه في كل الأعمال التي تنشر له، وأن نصيبه من المقدمة هو الجزء الذي استدليت به عليه، فاعتذرت منه على المبادرة إلى سوء الظن قبل التحري وطلبت منه أن يوضحوا ذلك في الطبعة التالية لهذه الطبعة.

ثانيا: المدخل

يبدأ المدخل بالآية 21 من سورة الحشر﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ثم يعقبها تعريف للقرآن الكريم في ظلال تفسير هذه الآية ويبدو أن تعريف القرآن فيه تأثر بتعريف الأستاذ بديع الزمان النورسي بالقرآن. وفي اللحظة الأولى من حديث المؤلف عن القرآن يكشف لك عن اعتقاده نحو القرآن وهو اعتقاد أهل السنة والجماعة بأن كلام الله أزلي قديم.

وبعد الحديث عن القرآن تعريفًا عموميًّا يبين المؤلف دور القرآن في تعمير الحياة وإصلاح البشرية إذا ما انقاد الناس لتعليماته، كما يدعو إلى استفراغ الجهد في تدبر آياته واستنباط ما يتماشى مع متطلبات العصر، لأن هذا هو الوسيلة الوحيدة لفهم القرآن الكريم.

كما يدعو إلى تعلمه وتعليمه وبذل الجهد في ذلك، مع مراجعة التفاسير وألا نتعامل مع القرآن على حرف تعاملاً سطحيًّا إن كنا نريد فعلاً الاستفادة من نوره وفيضه كما ينبغي.

ويصف الكاتبُ القرآن بأنه “غيور” لا يعطي بعضًا من أسراره لمن لا يعشقونه بإخلاص، ومن ثم عليك لكي تستطيع أن تنهل من فيوضاته وبركاته أن تكون “مجنون القرآن” على حد تعبيره، ويستدل على هذه الحقيقة بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “اَلْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْهِ لَهُ أَجْرَانِ اثْنَانِ”، ويبين في تعليقه على الحديث أن لكلٍّ نصيبًا من القرآن حسب درجة تعلقه به وإتقانه له.

كما يواصل الأستاذ فتح الله كولن تعزيز هذه الفكرة بالاستشهاد بحديث آخر مروي عن أبي موسى الأشعري يقول فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَثَلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها طيِّب، ومَثَل المؤمن الذي لا يقرأ القرآنَ مثَل التمرة؛ لا ريحَ وطعمُها حُلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة؛ ريحُها طيِّب وطعمُها مُرٌّ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة؛ ليس لها ريحٌ وطعمُها مُرٌّ”، ثم يواصل شرحه للأصناف الموجودة في هذا الحديث من حيث علاقتهم بالقرآن وتطبيقهم لتعليماته، ويسهب في الحديث عن النموذج الأول متخذًا من قصة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه دليلاً على هذا النموذج؛ حيث رد جوار ابن الدغنة عندما أراد أن يحرمه من التلذذ بقراءة القرآن والتمتع بحلاوته مؤثرًا هذه اللذة على الحماية من أذى المشركين ومضايقاتهم التي كان يوفرها له ابن الدغنة،كما يعرج على بقية النماذج باقتضاب.

وكعادته في كتاباته باعتباره مرشدًا مربيًّا، يبين ما يجب علينا تجاه هذه الحقيقة الماثلة أمامنا التي تتمثل في القرآن ومصححًا مفاهيم خاطئة حول هذه الواجبات، فواجبنا نحو القرآن لا يقتصر على حفظ المصاحف فقط مع أهمية هذا الحفظ، ولكن يجب الحفاظ على المظروف أكثر من الظرف واحترام الكنز أكثر من صندوقه. فالقرآن المعجز “مرسومٌ سلطانيٌّ” ورسالة إلهيّة وقد ورد في هذه الرسالة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ﴾ (الإِسْرَاءِ: 70) وهذا يعني أن الإنسان لا يمكنه إحراز هذه الكرامة ما لم يهتم بمضمون هذه الرسالة الاهتمام اللائق بها.

ثم يختم المدخل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اَلْجَاهِرُ بالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بالصَّدَقَةِ”. وينطلق من هذا الحديث إلى بيان فضل الاختلاء بالقرآن في جنح الليل ويدعو إلى أن يبحث الإنسان عن مكانه في القرآن ويحاول أن يجده فيه، ويبين أن هذا كان دأب السلف الصالح في التعامل مع القرآن من أمثال سيدنا عمر بن عبد العزيز وكعب القرظي وغيرهم.

يصف الكاتبُ القرآن بأنه “غيور” لا يعطي بعضًا من أسراره لمن لا يعشقونه بإخلاص، ومن ثم عليك لكي تستطيع أن تنهل من فيوضاته وبركاته أن تكون “مجنون القرآن” على حد تعبيره.

كما يدعو إلى الترقي في معارج القرآن ويدعو إلى أن يطلق الإنسان لخياله العنان أثناء الاستماع إلى تلاوة القرآن بأداء جيد صادق وكأنه يسمعه من فم الحبيب صلى الله عليه وسلم، ثم يترقى درجة وكأنه يسمعه من أمين الوحي جبريل عليه السلام حتى يصل إلى أن يتصور أن رب العزة يخاطبه مباشرة بهذا الكلام الأزلي لينقلب بذلك من إنسان عادي إلى كائن سماوي.

ثالثًا: الفصل الأول

 يقع الفصل الأول في حوالي 40 صفحة وعنوانه: جولة قصيرة في الآفاق القرآنية وقد اشتمل على ستة عناوين فرعية وهي:

1.اشتقاق كلمة القرآن

هذا العنوان يوحي لأول وهلة أن الأستاذ سيتناول لفظة القرآن من وجهة صرفية لكن بعد القراءة تجد أنه قد وظف الجانب الصرفي في عرض تعريف صوفي للقرآن الكريم، فالقرآن لغة: مصدر للفعل “قرأ” بمعنى القراءة وبمعنى الجمع والضم، ومن ثم ينطلق الأستاذ من هذا المعنى الأخير وهو الضم والجمع ليتحدث عن جامعية القرآن الكريم وشموليته لكل شيء بدءًا بالذرات وانتهاءً بالمجرات، كما يتحدث عن أن للقرآن ظاهرًا وباطنًا وحدًّا ومطلعًا على حسب الحديث الوارد في ذلك، وأن حقائق القرآن الباطنة لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، وينتقل الأستاذ إلى ما تنطوي عليه كلمة القرآن من مقام الجمع حيث يرى أن القرآن هو مظهر من مظاهر تجلي الله تعالى لخلقه في كلامه، ويوضح أن الإنسان يترقى إلى هذا التجلي عبر تلاوة القرآن الكريم تلاوة محكمة بالترتيل والتأني مع التدبر في معانيه وإعطاء كل حرف وكل كلمة حقهما إلى أن يتحقق له في النهاية مقام الجمع.

أما مقام الفرق فقد أشار الأستاذ إلى أن الدالَّ عليها هو تسمية القرآن بالفرقان التي تشير إلى الفرق بين الخلق والحق تعالى وتكشف عن سر العلاقة بين العبد والمعبود. وحول القرآن والفرقان أو مقام الجمع والفرق بدأ الأستاذ يدندن، فبالقرآن يعرف الإنسان ربه الذي يكلمه ويدله على أسمائه وصفاته، وبالفرقان يتعرف الإنسان على عبوديته لله تعالى ويدرك أسرار الألوهية.

وعند شرحه للفرق بين المقامين يدفع الأستاذ الاعتقادات الباطلة التي تدور حولها الشبهات في هذا المقام ويبين اعتقاده السليم في هذه المسألة حيث يقول:”فالحُلوليُّ يقول ههنا: “كلُّ شيء هو الله”، وأما نحن- تلاميذَ القرآن -فنقول: “كلُّ شيء منه تعالى”

ويدعو الأستاذ إلى التشبث بالبعدين معًا عند النظر والتأمل والعمل بكتاب الله عز وجل حيث يقول: “وينبغي للإنسان أن يتشبَّثَ بـ”القرآن” و”الفرقان” حتى يُحْرِزَ مقامَهُ عن طريق العبودية، وإلا فالعملُ والجهد الأحاديُّ الجانبِ لن يرقى بالإنسان إلى مثل هذا المقام السَّامي.”

يصحح الكاتب مفاهيم خاطئة حول ما يجب علينا نحو القرآن، فواجبنا نحوه لا يقتصر على حفظه فقط مع أهميته، ولكن يجب الحفاظ على المظروف أكثر من الظرف واحترام الكنز أكثر من صندوقه.

كما يشير أيضا إلى مقام آخر أطلق عليه جمع الجمع تناوله بالتعريف والتوضيح ثم ختم الموضوع ببيان أن هذه هي وجهة نظره حيث يقول: “نعم، إن الكون عبارة عن تجليات الأسماء الإلهية، ومهما فسر البعضُ هذا الأمر بتفسيرات خاطئة، فإني أعتقدُ أن عرض الموضوع بهذا الشكل سيكون تعريفًا ملائمًا لروح القرآن.”

ومما يلاحظ على هذا التعريف أن الأستاذ تغلب عليه النزعة الصوفية في النظر إلى تعريف القرآن وقد يصعب هذا الجزء على من لا دراية لهم بالمصطلح الصوفي، ويحتاج إلى إعادة النظرة فيه مرة بعد أخرى، لكن المترجم هنا كان مبدعا فرغم صعوبة المبحث الذي تناوله هذا العنوان إلا أن يُسر الترجمة وسلاسة التراكيب وجودة التحرير تلعب دورها في دفع هذه المشقة.

ومما يجدر ملاحظته في هذا الجزء أيضا هو الفكرة الجديدة التي أفادها الأستاذ من لفظي “القرآن والفرقان” والتي تدفع الباحث إلى العثور على أصل هذه الفكرة، ليحكم بعد ذلك هل هي من طرائف الأستاذ أم استقاها من أحد قبله.

2.القرآن الكريم نغمة أبدية خالدة

يتحدث الأستاذ تحت هذا العنوان عن آراء الفقهاء حول التغني بالقرآن، ويذكر أن بعض السلف لم يجز ذلك ورآه محرمًا ومنهم سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والنخعي وابن سيرين ومالك وأحمد، لكنه رجح رأي القائلين بجواز التغني حيث رآه مناسبًا لروح الدين، واستشهد ببعض الشواهد الحديثية على ذلك، كما رأى أن حسن الصوت والتلاوة والنية الخالصة كل ذلك باعث على محبة من أسماهم “الآخرين” للقرآن ومن ثم ندب الرسول إليها حسبما قال.

كما آثر النغمة الحزينة أو المقام الحزين في التلاوة لأن القرآن مخلِّص للإنسان من وحشته ومؤنس لوحدته ومرشد له من التيه في الضلال.

ويرى القارئ شخصية الأستاذ الفقهية حاضرة في هذه النقطة، ويستطيع أن يستنبط طريقته كمجتهد في تحرير الأدلة والأسس التي استند إليها لترجيح ما اختاره منها.

3.جمع القرآن وحفظه

يتناول الأستاذ في هذا المبحث جهود السلف الصالح في تفسير القرآن الكريم، وكيف كانوا يقطعون المفاوز والقفار في سبيل تجلية حقيقة واحدة من حقائق القرآن، ويستشهد على ذلك بنماذج من هؤلاء السلف كحديث الإمام الشعبي عن مسروق بن الأجدع وكيف كان حرصه وجده واجتهاده في طلب العلم، كما يستشهد بجِدِّ المفسر الكبير عكرمة تلميذ ابن عباس ومولاه في طلب اسم الرجل المعني بقول الله تعالى : ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ لمدة 14 سنة حتى وجده، لكن الأستاذ كولن لم يكمل لنا الفائدة ويذكر لنا اسم الرجل الذي تعب سيدنا عكرمة كل هذه المدة في البحث عن اسمه وكذلك المترجم لم يبذل أيضا جهدا في هذا ولا أدري ما سبب تغافل المترجم عن هذا؟

لكن مما يجدر ذكره أن تعليق الأستاذ على هذا البحث المضني من سيدنا عكرمة عن اسم هذا الرجل بين لنا مدى تفهم الأستاذ كولن لهذا المجهود المبذول حيث علق قائلا:”ولا شك أن السبب في بذلِ سيدنا عكرمة كلَّ هذا الجهد في البحث عن اسم هذا الشخص طوالَ هذه المدة هو أن العثور عليه والتعرّفَ على طبيعته وموقعِه الاجتماعي سيُلقي الضوء على تفسير الآية الكريمة.”

وهذا التعليق في حد ذاته يكشف عن تقدير الأستاذ لجهود علماء التفسير من جهة ويبين منهج الأستاذ في فهم النص حيث يرى أن أسباب وملابسات ووقائع النزول تسهم بشكل كبير في تفسير القرآن وبيان أحكامه.

كما استشهد أيضا بتردد ابن عباس رضي الله عنه في سؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن الشخصيتين النسائيتين المقصودتين في آية التحريم، حتى وجد الفرصة المناسبة للسؤال ثم أخبره سيدنا عمر ألا يتردد في السؤال مرة أخرى.

واكتفى بهذه الأمثلة والنماذج عن كثير غيرها للدلالة على المجهودات العظيمة والأوقات الطويلة التي كان يبذلها السلف الصالح من الصحابة والتابعين بلا كلل أو ملل في سبيل طلب العلم وتفسير كتاب الله عز وجل.

ثم انتقل إلى قضية جمع القرآن الكريم لأول مرة في عهد سيدنا أبي بكر الصديق وكيف كان وضع القرآن قبله، وما الأسباب التي دعت إلى هذا الجمع مما هو معروف في كتب التاريخ وعلوم القرآن، كما تحدث عن جمع النسخ المتفرقة من القرآن في نسخة واحدة على يد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه والأسباب التي دعت إلى ذلك. ثم تناول قضية حفظ القرآن الواردة في قوله تعالى :” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” بشكل خطابي وعظي موجز.

4.القرآن كلام الله

هذا مبحث كلامي خالص يتحدث فيه الأستاذ عن صفة كلام الله عز وجل ويصف كلامه بأنه قديم أزلي وأن الألفاظ والحروف والأصوات مخلوقة وبالتالي فالقرآن أزلي باعتبار الكلام النفسي. ثم بدأ يناقش هذه المسألة من جوانب شتى عقلية وعاطفية ووجدانية ثم رد على “المعتزلة” الذين يقولون بأن المتكلم يعني موجد الكلام، و”الحشوية” الذين يقولون بقدم القرآن بكلامه النفسي وألفاظه وحروفه وأصواته الموجودة بين دفتي المصحف ووصف البحث في هذا الكلام بأنه من النقاط الدقيقة جدا ومن مزالق الأقدام.

5.نظرة خاطفة إلى إعجاز القرآن الكريم

هي فعلا نظرة خاطفة لكنها موفقة ولم تخل من الرد على الشبهات والفرق الأخرى كالمعتزلة القائلين بالصرفة، ويبدو أن الأستاذ متأثر بعلم الكلام تأثرا كبيرا جعله لا ينسى أن يدلي بدلوه مؤكدًا على اعتقاده في كل نقطة يبحثها أو يتحدث فيها وهو في هذه النظرة الخاطفة قد عالج إعجاز القرآن من ثلاث زوايا: أولا: نظمُه الغريبُ البديعُ المختلف عن كلِّ أشكال النَّظْم المعروفة، ثانيًا: تمتعه بجزالةٍ خارقة لا ندَّ لها، فالقضايا التي تناولها القرآن كبيرةٌ جامعةٌ منطويةٌ على معانٍ شتى، فليس بمقدور البشر أن يحيطَ بها عِلمًا، ثالثًا: انسجامه الخارق وتَناسُبه القويّ، فرغم نزوله في ثلاثةٍ وعشرين عامًا، وفي مناسباتٍ مختلفةٍ، وخطابه فئاتٍ متنوّعةً وشرائح متعدّدة، لكنه يبدو وكأنه نزلَ مرَّةً واحدةً ولسببٍ واحدٍ ولمخاطَبٍ واحدٍ.

6.القرآن من حيث مضامينه

وقد تفرع العنوان الأخير هذا إلى تسعة عناوين وهي:

  • القرآن تفسير لكتاب الكون
  • القرآن مفتاح خزائن الأسماء الإلهية
  • القرآن ترجمان للصفات الإلهية
  • القرآن تفسير للشئون الإلهية
  • القرآن خارطة مقدسة لعالم الآخرة
  • القرآن كتاب شريعة
  • القرآن كتاب حكمة
  • القرآن كتاب دعاء
  • القرآن كتاب مقدس نزل من العرش الأعظم

انطباعات وملاحظات

الكتاب ماتع في مادته سلس في أسلوبه ترجمته تختلف عن تراجم الكتب الأخرى التي نشرت للأستاذ وأرى أن لذلك عوامل منها:

أن مادة الكتاب معينة على ذلك فهي مادة في التراث التفسيري وغالبا ما يكون أسلوبها بسيطًا سلسًا جاذبًا للقراء كونه يتعلق بكتاب الله عز وجل ولا سيما سورة الفاتحة التي نرددها أكثر من سبع عشرة مرة في اليوم في صلواتنا بخلاف المواد الأخرى، فإن جلها مواد فكرية متخصصة تميل إلى العمق والفلسفة. كذلك للمترجم دور في سلاسة الكتاب والوصول به إلى مثل هذا المستوى الرفيع، فالمترجم ابن من أبناء حركة الخدمة وتلميذ من تلامذة الأستاذ، تعب على نفسه كثيرًا في دراسة العربية والتعمق في بحورها، وكذلك فمجاله الذي يتخصص فيه وثيق الصلة بمجال الكتاب وهو اللغة والتفسير ومن ثم فقد اكتمل للمترجم في هذا الكتاب عناصر التميز وهي في رأيي ثلاثة: الانسجام الفكري مع روح المؤلف، وتخصص المترجم في مادة الكتاب العلمية، والتحرير المنضبط للغة الكتاب مرة بعد أخرى.

About The Author

ليسانس آداب وتربية بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وماجستير في البلاغة والنقد بتقدير ممتاز بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة عن أطروحة بعنوان" الأساليب البيانية فيما أثر عن المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها"، وباحث دكتوراه بقسم البلاغة والنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، مشرف على إعداد وتحرير إصدارة نسمات للدراسات الاجتماعية والحضارية، nesemat.com، وشارك عضوًا في اللجنة العلمية لوضع السياسات العامة لمشروع "شهادة الكفاءة في اللغة العربية" باتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، الأمانة العامة بالقاهرة، التابع لجامعة الدول العربية. وحائز على جائزة مجمع اللغة العربية بالقاهرة "أفضل مؤلف في تعليم العربية للناطقين بغيرها 2017.

Related Posts