ظلت الخدمة منذ نشاطاتها الأولى تعمل على أن تكون منسجمة مع النظام القائم في تركيا، وفي غيرها من البلدان التي تتواجد فيها، وألا تدخَّل في مواجهة معه؛ لذلك ظل الأستاذ فتح الله كولن منذ أنشطته الحركية الأولى حريصًا على عدم الإتيان بما قد يُفسَّر بأنه يريد تأسيس حركة ضد النظام العلماني القائم في تركيا. أو ضد أي نظام قائم في أيٍّ من الدول التي تنشط فيها الخدمة. ومن هنا يُطرَح السؤال الآتي، هل حركة “الخدمة” حركة مجتمع مدني؟

ظل الأستاذ كولن حريصًا على عدم الإتيان بما قد يُفسَّر بأنه يريد تأسيس حركة ضد النظام العلماني في تركيا. أو ضد أي نظام في أيٍّ من الدول التي تنشط فيها الخدمة.

سعى محمد شتين ( MuhammedÇetin .Dr) باعتباره أحد المهتمين بظاهرة الخدمة من زاوية علم الاجتماع إلى أن يبين طبيعة الخدمة من خلال كون المجتمع المدني مجالًا يشمل كل تلك المنظمات والنوادي والمجتمعات الناشطة إزاء نظام الحكم: على أساس أن منظمات الحركة الاجتماعية (SMO) ليست منظمات أو مؤسسات ربحية، ولكنها مؤسسات تقوم على أساس التوافق من أجل مشاريع تقدم “خدمة” للمجتمع أفرادا وجماعات، وعلى أساس التعاون من أجل هذه الخدمة المقدمة في جو من محبة الآخرين ومبدأ الإيثار. وهي منظمات ومؤسسات تحرص على تحمل المسؤولية تجاه الآخرين والمجتمع الذي ينتمون إليه موظِّفة الحيز المتاح ومحترمة له. من هنا فإن الحركة تعمل على تكييف بنيتها وفق تطلعات الجماهير خدمة للمجتمع بمؤسسات وشركات خاصة تحقق تطلعات كل أفراد المجتمع بمرونة كبيرة. بمعنى أن الخدمة توظف مؤسساتها وإمكانيتها لإقامة جو يسوده التعاون ونشر المبادرة الحرة ومساندة المشاريع التربوية، والمشاريع التي تعود بالنفع على كل أفراد المجتمع.

الخدمة والمساهمة الفعَّالة

عُرفت الخدمة بمساعي إيجاد الحلول لمشاكل المجتمع في المجالات الحيوية، وتكثيف الجهد في هذا الإطار بملامسة الحاجات المشتركة بين جميع أفراد المجتمع كالتربية والتعليم.. ومن هنا تكون الخدمة عنصرًا متحمِّلا لجزء من المشاكل التي تواجه الدولة، بل عنصرا مساهما في الحلول. فالخدمة هنا لا تقف على طرف النقيض مع الدولة، بل تساهم مساهمة فعالة مع الدولة في البرامج التي تهم أفراد المجتمع، لتكون من خلال ذلك العنصرَ الفعال في وضع قاطرة التنمية والنهوض. فهي حركة تصنع ما يمكن الاصطلاح عليه بالرأسمال الاجتماعي (Social Capital)، لكن دون أن تكون الخدمة بديلا عن الدولة، بل مكملا لعملها ونشاطها.

الخدمة ليس لها أي أطماع أو رغبة فيما هو سياسي، فهي تحصر نشاطها فيما يصنع سعادة المجتمع وينمّي أسس الدولة على ركائز قوية على المستوى الاجتماعي والتنموي.

الخدمة ليست تنظيمًا تراتبيًا

وهناك نقطة مهمّة جدا يتوجب التنبيه عليها وهي أن الحركة ليس فيها أعضاء ينتمون إليها كما ينتمي الأعضاء إلى الجمعيات المنغلقة على ذاتها، لأن الخدمة مجرد أفكار يقتنع بها الناس وينطلقون منخرطين فيها أحرارًا في كل ما يقومون به. فالحركة تشجّع الناس على أن يظلوا منفتحين على المحافظة على علاقاتهم وعلى حياتهم الاجتماعية، بغض النظر عن طبيعة الناس الذين يتعاملون معهم.

لا تقف الخدمة على طرف النقيض مع الدولة، بل تساهم مساهمة فعالة مع الدولة في البرامج التي تهم أفراد المجتمع، لتكون من خلال ذلك العنصرَ الفعال في وضع قاطرة التنمية.

إن الخدمة من هذه الزاوية إطار منفتح لا يضع قيودًا على المتطوعين في تنزيل فلسفتها. وحتى عندما يرتكب أحدهم ما يعرقل حركية الخدمة، فإن الحديث عن نظام للعقاب يبدو أمرًا صعبًا لعدم وجود تراتبية تنظيمية معينة. قد يكون هذا الفرد منتميا لمؤسسة من مؤسسات الخدمة، ولتكن مدرسة، فإن المدرسة هي التي تتّخذ في حقه ما يجب، ولكن في الغالب الأعم لا يمكن الحديث عن نظام للعقاب، فالمخطئ يجد نفسه خارج إطار المنظومة الفكرية ومنظومة القيم التي تحرك الخدمة. ولو لم تكن “الخدمة” مجرد فكرة معقولة انخرط الناس في تفعيلها لما تمكنت من ذهنيتهم هذا التمكن.

المصدر: أشواق النهضة والانبعاث، دار النيل للباعة والنشر.

ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تَصرُّف محرر الموقع.