إنه العالم الموسوعي في العقيدة والشريعة، في علوم القرآن والسنة، في التاريخ والحضارة، في البلاغة والأدب، في الحكمة والتصوف، في الفكر والفلسفة، في سماحة النفس، وسجاحة الروح، وحصافة العقل، في الاعتزاز بالتراث والاستنارة به في ارتياد آفاق المثال الحداثي والمعاصر.
في انشراح صدره للإسلام وكيف كان به على نور من ربه!؟
في تَمَثُّل المعرفة الموسوعية مع التميز في التعبير عنها ببلاغة القول، وعذوبة الكلمة، ونداوة الفكرة، وسخاوة المعنى ونقاوة المبنى.
إنه الشيخ الذي اطّرح “الأنا” واستهدف الإصلاح في العالم الإسلامي؛ مقوِّمًا لماضيه، محسنا أخذ العبرة من حاضره، مستشرقًا الآمال الواعدة لمستقبله!؟
إنه الرجل الذي تغيا أمن الإنسان وسلامه وسلامته وسعادته كيفما كان، وحيثما كان.
إنه القارئ – وبصيرته معه – لقوله تعالى” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” (سورة هود: 118) وقوله سبحانه:” وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ” (سورة النحل:90) وقوله عز شأنه: وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ”. (سورة النحل: 13) وقوله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ”. (سورة الروم: 22).
كولن الشيخ الذي اطّرح “الأنا” واستهدف الإصلاح في العالم الإسلامي؛ مقوِّمًا لماضيه، محسنا أخذ العبرة من حاضره، مستشرقًا الآمال الواعدة لمستقبله!؟
ومن هنا لم يكن الخلاف – عنده في الرؤية أو الفكر – مانعا من التقارب، ولا دافعا إلى التباعد، بل اعتد ذلك أمرًا يقارب ولا يباعد، يؤلّف ولا ينفّر، يجمّع ولا يفرِّق، مادام الكل يتوافق على أن يطّرح “الأنا” وينطلق من المرجعية الإسلامية، ويؤمن بالحوار الجاد كوسيلة لتحقيق أهداف الأمة، والقضاء على معوقات توقيتها وتقويتها، وتنميتها؛ فكريا وعقديا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا؛ ثم تآخيا مع شعوب العالم، وتفاعلا حضاريًا مع ركائز الحضارات المختلفة.
ولهذا وصى حوارييه وأبناءه ومريديه أن يملأوا قلوبهم بالإيمان بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا ورسولاً، وأن يحب كل منهم لأخيه وجاره وللناس من حوله مثلما يحب لنفسه، وأن يغمروا أنفسهم بمحبة الإنسان وعونه على الخير، وترغيبه في الهدى، وأن يدفع السيئة بالحسنة، ويؤثر نهج السماحة، وأن تكون ميزته أن يحب الحب، ويعادي العداء! وما أجمل هذا المعيار! وما أطيب أثره ونداه على الفرد والمجتمع!
ولقد فتح شيخنا صدره للناهضين نحو الإصلاح في العالم الإسلامي: أن يتآزروا معا، ويتعاونوا على البر والتقوى، ولم يشغل نفسه بنقدهم، ولا عنّى نفسه بثلبهم أو التنديد بهم، بل أغمض عينه –كذلك-عما يسعِّر الفتنة، أو يفرق الكلمة، أو يوغر الصدر، أو يوقد الصراع، واهتم بقضايا الحوار الإصلاحي بين أطياف المجتمع التركي، وفي تضاعيف المجتمعات الإسلامية، إلى أن اتسعت مظلة الحوار لتشمل أتباع الديانات والمذاهب الإصلاحية العالمية.
وقد اهتم –كذلك-بالركائز الأساسية التي ينبغي أن تكون لأي نهج إصلاحي فعنيت حركته الرائدة بنشر التعليم الذي ينافس المستويات الدولية، والذي يهيئ الدارسين للتعاطي العلمي والحضاري مع الآخرين.
كما أعطت الحركة عناية قصوى للإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وللرعاية الصحية، ومكافحة الفقر، ودعم التكافل والتواصي بالمرحمة وتنوير الرأي العام، بأهم مشكلاته وقضاياه وكيفية التأني الحكيم لحلّها وترسيخ ركائز السلام الاجتماعي كمنطق إلى تعزيز فرص السلام العالمي مع النبذ المطلق للعنف، والعناية القصوى بتجفيف منابع الإرهاب، واجتثاث منابته في أي إهاب!؟
فتح شيخنا صدره للناهضين نحو الإصلاح في العالم الإسلامي: أن يتآزروا معا، ويتعاونوا على البر والتقوى، ولم يشغل نفسه بنقدهم، ولا عنّى نفسه بثلبهم أو التنديد بهم.
وبعد!
فلا عجب أن تستأثر حركة الشيخ ” محمد فتح الله كولن” الفاردة ” وحوارييه المغاوير، بكل التقدير والإكبار والحب من الشعوب والحكومات، من القمة والقاعدة، من الخاص والعام، من أطياف المجتمع بعامة، ومن حركات الإصلاح المعاصرة بخاصة، في تركيا وفي أنحاء العالم الإسلامي بل وفي قارات أوربا وآسيا وأمريكا وإفريقيا.
ولا أدل على ذلك من تغطية مشروعات الحركة لأعمال البر العديدة وبرامجها التعليمية والاجتماعية والإعلامية والطبية داخل تركيا وخارجها لأكثر من مائة وأربعين دولة، لكن بكل الترحيب والتقدير من هذه الدول.
ذلك أن حركة شيخنا الكبير” فتح الله كولن” إن تكن قد قامت لتحقيق أهدافها تلك النبيلة كحركة اجتماعية مدنية إصلاحية ذات مرجعية إسلامية، لقد أسس بنيانها – أولاً-على تقوى من الله ورضوانه؛ فيما نحسب من دوافعها، وفيما نلمس من آثارها وتوابعها.
وثانيًا: أن بنيانها أسس على حب الإنسان وإيثاره بالخير أينما كان.
مع تضحية واضحة المعالم، ونكران للذات معروف غير منكور، من الشيخ الكبير، ومن حوارييه المغاوير ومن قواعده وكوادره عبر العالم.
ألم تر إلى الحب والإيثار، يعْمُق في النفوس، ويطير كل مطار، عَبْر القرى والأمصار، ويجوب الفيافي والقفار، ليس في تركيا فحسب بل عبر العالم لخدمة الإنسان والبر به أنى كان؟
بلى! وكل ذلك قد كان… فهل من مدكر؟
هذه بعض أسباب نجاح حركة شيخنا الكبير وفيها الأسوة المثلى في ظروفنا المعاصرة لكل من تغيا النجاح في طريق الاصلاح ” إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد “