عملتْ هذه الدراسة على استحضار الجانب الروحي عند الأستاذ فتح الله كولن، ولغة الروح التي سعى إلى إحيائها، مؤكدة على أن إحياء لغة الروح عند كولن شرط ضروري لكي تتحقق النهضة الإصلاحية التي تعيد الأمة إلى جذورها الروحية. فالعلل التي تنخر جسد الأمة، هي علل سلوكية أخلاقية فردية وجماعية، نَتجتْ عن فقدان الإحساس بالأمانة الربانية، وبالرسالة المحمدية في التوجيه والتخطيط والبناء. ومن هنا يأتي تركيز كولن على بعث الروح وتجديدها بنفس العناية الدينية؛ قصد بلوغ فجر الانبعاث بعد الموت الذي يمكّن الأمة من استرجاع ماضيها العريق لربطه بعلوم العصر الحديث؛ قصد الالتحاق بالركب فيما يتعلق بالتطور والتحديث والرقي والازدهار، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية.

يقتضي هذا الموضوع -في البداية- تعرف دلالة الروح لغة واصطلاحًا، قصد معرفة أوجه الاختلاف أو التشابه بين اللفظ في مصدرَيه السابقَين، وبين توظيفه عند محمد فتح الله كولن. لذا يمكن القول: إن الروح من الألفاظ التي خاض الناس في تعريفها وبيان طبيعتها، وتخبّط الفلاسفة في تحديد ماهيتها والوقوف على حقيقتها، وهي -في النهاية- من المعاني التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل للإنسان سبيلاً إلى معرفتها، يقول : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(الإسراء:85).

وتخبرنا معاجم اللغة العربية عن مادة «روح» بأنها «أصل كبير مطرد، يدل على سعة وفسحة واطراد..»، أما اصطلاحًا فهناك تعدد في التعريف وأهمها: «الروح جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم». وبالرجوع إلى القرآن الكريم، نجده قد ذكر لفظ الروح في أكثر من سياق، ليفيد بها معاني مختلفة منها الحياة، ملك من الملائكة، الوحي، القرآن، جبريل، النصر، الرحمة، الراحة من الدنيا، القدرة الإلهية على الخلق.

فالمهم في هذا السياق أن ندرك أن معرفة حقيقة «الروح» ليس لأحد من سبيل إليها، بل هي مما اختص الله سبحانه بعلمها. ولعل الحكمة من إخفاء علمها عن المخلوقات، هي أن يتأمل الإنسان ويتحقق من أن الروح التي جعل الله بها الحياة والراحة والقوة والقدرة والحس والحركة والفهم والفكر والسمع والبصر.. هي من أمر الله، والإنسان يباشرها ويعايشها مدة حياته وطول عمره. فمن خلال المعاني القرآنية والدلالات اللغوية والاصطلاحية، يستمد فتح الله كولن مادته الروحية، خاصة وهو يتحدث عن الانبعاث المرتبط بالحياة، والمقيد بالتأمل والتبصر في آيات الكون بقلب مرهف، وحس لطيف، وحركة من الماضي إلى الحاضر في اتجاه بناء المستقبل الحضاري للأمة.

انبعاث الأمة من جديد

إن القارئ لمؤلفات الشيخ والواعظ والمفكر محمد فتح الله كولن، يستشعر غاية أسمى يسعى إلى بلوغها هذا الرجل، ألا وهي بعث الأمة من جديد عن طريق إحياء جانبها الروحي؛ بمعنى إحياء طاقة مغمورة عتيقة كان لها وجود سابق لكن سرعان ما انطفأ وميضها. ففي هذا السياق يقول: «عندما لا يحترق القلب شوقًا، والروح عذابًا، والذهن همًّا، فلا تتكلم، وإلا فلن تجد أحدًا يصغي إليك». فهنا تجل واضح في ارتباط التغيير والإصلاح والوعظ والتنبيه والتواصل الكوني عامة، بباطن الروح من حيث الإرادة والصبر والإحساس.

إن بعث لغة الروح من جديد، يعني استنهاض مواتها من تحت التراب، لكونها كادت تغيب في هذا العصر القاتم، عصرِ الرقمنة والإنسان الآلي، عصرِ التكنولوجيا ومخلفات الثورة الإلكترونية على إرادة الإنسان؛ من حيث اغترابه، وسلب إرادته، واستهدافه بغزو فكري ثقافي يأتي على الهوية بما فيها الدين، واللغة، والعادات، ونمط العيش والحضارة.

فالملاحظ أن الساحة الفكرية المعاصرة تعيش زخمًا فكريًّا، بل تراكمًا معرفيًّا أساسه العرض والتسويق قصد التكسب وبلوغ الشهرة الجوفاء، مما انعكس سلبًا على القضايا الفكرية، لكونها تفتقد إلى العمق الروحي والوجداني الذي يربط الصلة، ويشد الوثاق بين القارئ العاشق المتلهف والجائع الظمآن، وبين القضية الفكرية المدروسة التي ينبغي أن تحمل رسالة تغذي الروح لا سهمًا جارحًا يثخن الروح بضربات العقم والجفاء.. يقول كولن في هذا الموضوع: «إن رقيّ أيّ أمة وتقدمَها، مرتبط بمدى التربية التي يتلقاها أفرادها من الناحية العاطفية والفكرية. فلا يُنتظر تقدم أمة لم تتوسع آفاق أفرادها الفكريةُ والوجدانية». فتركيز كولن على لغة الروح، دفعت إليه المتلقي المعاصر الذي يعيش صراعًا داخليًّا وشرخًا نفسيًّا بين ثوابت الهوية وجديد العالمية.. فهو يهتم بشؤون الإنسان الفكرية والروحية، واضعًا الأصبع على مكامن مرض القلوب البشرية، ليعطي انطلاقة فتوحات عميقة في مجاهل القلب والروح والفكر. لذا فهو يربط لغة الروح بالإيمان الموصل للبقاء، الإيمان بأن الذات الإنسانية كتاب مفتوح، بل بحر واسع وعالم كامل وكون عظيم، يجب قراءته، والتأمل فيه، وفك رموزه، من خلال النظر، وعمق الفهم والإدراك، ومن ثم فهي وسيلة القراءة الدقيقة في الإنسان والكون والحياة.

إحياء الروح عند الأستاذ كولن

إن استحضار الجانب الروحي عند كولن، هو ما يمليه عليه الفكر الناضج الذي يعبر عنه في المتون والمقالات والمؤلفات، والذي يؤدي إلى تناسل نصوص جديدة نظرًا لتعدد قراءات وتأويلات القراء ضمن ما يعرف بنظرية التلقي، لأنه يفتح في هذه النصوص أبوابًا على العقل والقلب والضمير، تاركًا الحرية للقارئ في استنطاق الدلالات وكشف الرسالات.

فالحديث عن لغة الروح عند كولن، يعني تجديد الإيمان، وطلب المعرفة، ونشر المحبة قصد بناء الجيل الحاضر لتحقيق مفهوم الانبعاث من جديد -بعد الوقوف على الأزمات والمعضلات المعرقلة لبناء الفكر الإسلامي- هذا الهدف السامي يعده لبنة أساسية في الفكر الإصلاحي الحديث، لذا نجده يركز قبل كل شيء على إصلاح الإنسان، أو الفرد الشخص، وهو بهذا يختلف عن الحركات الإصلاحية التي دعت إلى إصلاح المؤسسة قبل إصلاح الفرد، لكونه يرى أن إصلاح الفرد وتربيته وتزكيته وبناءه على مستوى القيم والأخلاق، سيؤدي مباشرة إلى إصلاح المؤسسة التي يوجد بها سواء كانت أسرة أو مدرسة أو مجتمعًا.

فالباحث في مؤلفاته التي تتجاوز الستين كتابًا، يستشف نفَسًا مفهوميًّا إصلاحيًّا، من ألفاظه بعث الروح، الانبعاث الحضاري، بعث الجيل، بناء الإنسان، التواصل، المحبة، التصفية، الإيمان والمعرفة، العودة إلى الروح، التأمل والتفكر في الكون والوجود، بناء الجيل الحاضر، البعث والنهوض والارتقاء، تجديد الذات، حرية الفكر، بلوغ ذروة العشق، وراثة الأرض، الأخذ بالعلم الحديث، كمالية الإيمان، الحوار، التسامح.. وبالرجوع إلى كتابه «ونحن نقيم صرح الروح»، نكتشف رصيدًا معرفيًّا وتوجيهًا نيرًا وصريحًا في موضوع لغة الروح الفردية والجماعية، من خلال تركيزه على العالم الإسلامي التواق إلى الانبعاث بعد الموت، وإلى الولادة من جديد، لكي يحقق تجددًا وانبعاثًا وإحياء يشمل الحياة كلها. فـ «كولن» هنا، يلتقي مع شعراء الحداثة العرب (أدونيس، خليل حاوي، بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي وغيرهم) فيما يخص ثنائية الغربة والضياع، وثنائية الحياة والموت التي تعيشها الأمة العربية. هذه المضامين النفسية التي ترتبت عن نكبة فلسطين 1948م ونكستها 1967م، أي لحظات الخيبة واليأس والموت الذي عاشه المجتمع العربي، مما دفع الشعراء إلى تأكيد إمكانية الحياة بعد الموت، من خلال مفهومي التجدد والانبعاث القائم على توظيف الأسطورة والرمز والانزياح، بهدف رفع الهمم وبناء وعي قومي ثوري، أي السعي إلى التحول والتغيير عن طريق الفن والإبداع الذي هو الشعر. وغيرُ الشعر هناك محاولات إصلاحية سبقت أو عايشت تجربة كولن في الإصلاح، إلا أن المقارنة بين حركة كولن الإصلاحية والحركات الأخرى، تكسب حركة كولن طابع التميز والاختلاف، لكونها زاوجت بين الرؤيا التنظيرية والممارسة التطبيقية عندما ترجمت تجربتها على أرض الواقع، من خلال حركة الخدمة والمؤسسات التعليمية (بناء مئات المدن الجامعية، وآلاف المدارس، وعشرات الجامعات)، والإعلامية (صحف، ومجلات، ومحطات إذاعية)، إلى جانب المؤسسات الصحية، وعدد كبير من دور النشر في تركيا وخارجها التي شملت القارات الخمس.. وهذا يؤكد الرؤيا الشمولية الكونية العالمية في الإصلاح عند محمد فتح الله كولن، مقارنة بالأخرى القطرية عند غيره من الحركات الإصلاحية. إنه يحمل مشروعًا كونيًّا يلتقي فيه العلم والعرفان والعقل والوجدان والفكر والحياة العملية، قصد تشييد فكر حضاري إيماني التوجه، علمي النزوع، إنساني الجوهر، تدفع إليه روح تواقة إلى التحرر والانعتاق، والسمو والرفعة، والبكاء والأنين قصد تحقيق المستحيل لذوي الأنفس الميتة والعقول الغائبة.. فمفكر العصر الحديث يضع الأصبع على مكامن الضعف، كي يجدد الدين، ويعالج جراح الأمة الثخينة، ويحارب اليأس والقنوط، ويوجه الجيل إلى ظلال الاسترواح من روح الله.. مركزًا في ذلك على تجديد الثقة بالله ونشر الكلمة الطيبة المحملة بالعلم النافع والأخلاق الرفيعة والسلوك الروحي، باعتماد المنهاج القرآني السليم القائم على الوسطية والاعتدال.. إنه يدعو إلى التوجه نحو الإنسان والحياة والكائنات، أي الكون عامة، وذلك من خلال «رعاية مفهوم الإيمان والنظر الإسلامي، وشعور الإحسان، والعشق والشوق، والمنطق، وطريقة التفكير، وأسلوب التعبير عن الذات، ورعاية المؤسسات والأركان، وإرشادها إلى التجدد»، من خلال تقديم «أنموذج إنسان جديد» يتحمل عبء المسؤولية وثقل الأمانة يسميه بـ «ورثة الأرض»، يكون باعثًا للروح المحمدية والأخلاق القرآنية.

إحياء لغة الروح عند كولن شرط ضروري لكي تتحقق النهضة الإصلاحية التي تعيد الأمة إلى جذورها الروحية، للتغلب على «النفعية الذاتية، والكسل، وحب الشهرة، وطلب الدنيا، واكتساب فضائل مثل الاستغناء، محو الذات، الاهتمام بالغير، العلم». فالعلل التي تنخر جسد الأمة، هي علل سلوكية أخلاقية فردية وجماعية نتجت عن فقدان الإحساس بالأمانة الربانية، وبالرسالة المحمدية في التوجيه والتخطيط والبناء. ومن هنا يأتي تركيز كولن على بعث الروح وتجديدها بنفس العناية الدينية، قصد بلوغ فجر الانبعاث بعد الموت الذي يمكّن الأمة من استرجاع ماضيها العريق لربطه بعلوم العصر الحديث، قصد الالتحاق بالركب في ما يتعلق بالتطور والتحديث والرقي والازدهار، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية. إن هذا المفكر يستلهم المنهاج النبوي في الإقناع، منهاج الدعوة (الوعظ والإرشاد على المنابر)، ليؤثر على القلوب حتى يتسنى له زرعها آمالاً وطموحًا، ثم إصلاحًا وبناء، ليحقق مرحلة تنزيل أفكاره على أرض الواقع من خلال دفع الناس إلى المشاركة في تدبير أموالهم في أعمال البر والإحسان، ومن ثم يؤسس بهذه المعاملة، معاني الثقة والشورى والتعاون والتضامن والتواصل مع الجميع.. لذا فتركيزه على بعث روح الفرد بخصائصه الإيمانية الأخلاقية، هو مفتاح لنهضة إصلاحية تتحول فيها الأفراد إلى جماعات ثم مجتمعات، وهي التي تعطي مباشرة مفهوم العالم الإسلامي.. أي تحقيق هدف المشروع الإصلاحي، وهو الانبعاث الكوني والتغيير الشمولي. فتركيزه على إحياء لغة الروح جاء بعد تشخيص شامل لروح العالم الاسلامي الجماعي، والذي أفضى إلى وقوع الفرد أسيرًا في قيود الجهل والانحلال الأخلاقي والخرافة والأهواء البدنية والجسمانية.. مما انعكس على المجتمع عامة من حيث الظلام والخسران، لوجود تآكل روحي ومعنوي داخل ذات المجتمع سببه فراغ الحياة القلبية والروحية. وهنا يظهر مدى حرص كولن في جعل الإنسان محور النهضة والانبعاث والتغيير والإصلاح.. فبإحياء روحه الإيجابية يتحقق النصر والإقلاع، خلاف روحه السلبية التي تفيد الخراب واليأس والتأخر والهزيمة.

شروط وراثة الأرض

في حديث كولن عن إقامة صرح الروح، يذكر بعض ملامح ورثة الأرض وأهمها:

1- الإيمان الكامل: الذي هو غاية لخلق الإنسان في أفق المعرفة وروح المحبة وبعد العشق والشوق وتلون الخطوط الروحانية.

2- صفة العشق: الذي يعد أساس الانبعاث من جديد، وهو نتيجة الإيمان بالله الذي يفضي إلى محبة وعشق كلي للوجود، ومصدره انجذابات وأذواق روحانية تساهم في تحقيق انبعاث عظيم.

3- الانفتاح على العلم بميزان العقل والمنطق والشعور: وهو هنا ينفتح على ما أشار إليه بديع الزمان سعيد النورسي في «توجه البشرية في آخر الزمان إلى العلم والفن».

4- إعادة الوارث ملاحظاته حول الكائنات والإنسان والحياة: من خلال التأمل والتدبر في سر المخلوقات للوصول إلى المعاني الإلهية، ثم اعتماد عمق الشخصية والخصال السامية في تقييم الإنسان وشرعية الوسائل في الوصول إلى الهدف.

5- احترام حرية التفكير: لأن التحرر من صفات الإنسان، وهذا يخرجه من قيود الأسر الغربية التي فرضت عليه داخليًّا وخارجيًّا.

6- الحرص على امتلاك الفكر الرياضي: والغرض منه هو تحقيق نهضة فكرية مثلما فعل الغربيون، واعتماده كقانون لفهم أعماق الوجود خاصة المتضادات، لأن إقلاع الروح يقتضي الجمع بين ثنائية الفكر والإيمان.

صفوة القول

الروح التي سعى ويسعى محمد فتح الله كولن إلى بعثها، هي الروح الفياضة المعطاء، الوارفة الظلال، والدانية الثمار.. هي الروح التي تعني سمو القيم الأخلاقية وصفاء الأعماق الباطنية للإنسان، ورغبة القلب والروح في بلوغ مدارك الإنسانية الحقيقية، لتجاوز الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.. هي الروح التي تعلن الهجرة لخالقها فتترك حياة الراحة والرفاهية، والخمول والكسل، لتسبح في فلك الوجود متأملة آيات الخالق ومتأثرة بمعاناة المستضعفين.. وهذا منطلق تكوين التجربة الروحية التي لغتها التواضع وشراعها البحث وغايتها الهجرة والأنين؛ هجرة ما تذل له القلوب وهو متاع الحياة الدنيا وزينتها، للإقبال على ما يسمو بالأنفس إلى مراتب العفة ودرجات التعبد ومراتب الجزاء.

فلنكن جميعًا محمد فتح الله كولن؛ بكّاء الصالحين في العصر الحديث.. الرجل الذي ما بكى إلا ليضحك الزمان الجديد، والمصباح الذي يحترق لكي ينير دروب التائهين، والأمل الذي ينمو وينمو لكي يعيد مجد الأمة الثمين.. وذلك من خلال السعي وراء إحياء لغة أرواحنا المريضة قصد معالجتها بنسمات الإيمان الذي يحقق مفهوم الانبعاث الحضاري من جديد.

 ***

(1) ونحن نقيم صرح الروح، محمد فتح الله كولن، ترجمة: عوني عمر لطفي أوغلو، دار النيل للطباعة والنشر، ط6، القاهرة، 2010.

(2) الكلمات، بديع الزمان سعيد النورسي، ترجمة: إحسان قاسم الصالحي، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، 2009.

المصدر: نسمات، الإصدارة الأولى، نوفمبر ٢٠١٦

Leave a Reply

Your email address will not be published.