كتاب مشحون بالعواطف الجياشة والألم والدمع والأمل لا تخلوا فيه كلمة من أهميتها، الإنسان فيه هو المحور والعودة إلى الذات فيه هم كبير، والمجتمع فيه ليس كتلة معصوبة العينين تتوجه حيث وجهت بل المجتمع فيه له وعي جمعي مدروس ومعقول، والروح فيه لها أبعاد وأكوان وفرسان وأبطال كسيري القلب يَرْوُون القلوب المتصحرة بدموع مقلهم، فتتحول الصحارى إلى جنات عدن ثم ينصرف فرسان الوجد في صمت لا يطلبون الشهرة أو المجد ولكن ما يحركهم ويقلقهم هو العشق والشوق، طريقهم محفوف بالمخاطر والأهوال وهم على علم بذلك يستندون إلى الحق في كل أطوارهم وأخلاقهم، فمهما هوجموا اهتزوا وما سقطوا، أينما حلوا زرعوا الأمل رغم كل ما يعتصر قلوبهم من ألم يصدحون به كبلبل ينعى الربيع وزهوره، ولكنهم يملكون الأكسير السحري لأمراض البشر، من احتساه لم ينخدع بالأرواح الزائفة ولم ينهزم لليأس، ومن سكرته استفاق فصار يجتهد بفاعلية يستدرك ما أضاعه الزمان، الغرباء بكوا لدموع أطفال البشر معترفين بذنبهم فتحولت دموعهم لعمل من يراه ابتسم، ودموعهم ونحيبهم الصادق مصدرا للأمل المقترن بالجد والكد والعمل، الغرباء وضعوا في مخيلتهم الأنبياء قدوة ولم يرضوا بأقل من ذلك فكانوا أبطال المستوى إذا ذكر الحبيب فاضت العبرات وسَمِعت النحيب، الوصال يريدون ولا يبتغون سواه. الغرباء عكفوا على فهم الداء المزمن للإنسانية وعملوا على صنع الدواء ابتغاء رب الأرباب، وفي عرفهم النصر هو التغلب على الشهوات والهزيمة هي الاغترار بالأعمال، ديدنهم الصبر والتواضع والتجريد أما الإخلاص ففي عرفهم أس الأسس والقواعد، الإيمان عندهم عمل والحب عندهم حال يمارس.
هذه بعض أهم أفكار كتاب الغرباء والحقيقة أنه يحتاج لدراسة متأنية وقراءات عديدة فكل مقالة من مقالات الكتاب بحر واسع ينبض بالأفكار التي تحتاج إلى تمعن ودقة في الفهم والفكر، ومن يقرأ الكتاب يدرك مدى سعة أفق الأستاذ كولن ومدى اطلاعه على التاريخ والأدب العالمي، ويدرك أيضا أن الأستاذ له صياغته الخاصة وله أسلوب أدبي راق لا تغفله عين، والقارئ يفهم بصورة واضحة وقوف الأستاذ على الشعر التركي، وربما أكثر ما يلفت القارئ هو صدق العبارات وعظم الهم لديه، والأسلوب البديع الذي يعتمد فيه على شرح المشكلة وأبعادها ثم الشروع في إعطاء الحلول، وأن الأستاذ لا يتركه ليقع في براثن اليأس بل يفتح أبوابا من الأمل وغايات يحتاج الوصول إليها الكثير من العمل.