يَطْرَحُ فتح الله كولن أفكارَهُ ويُصرِّحُ بآرائهِ في مختلف القضايا اليومية والاجتماعية والسياسية مثل الجمهورية والديمقراطية والاستبداد والإرهاب والفساد والبحث عن المجتمع النظيف إلى جانب السياسة التي هي: “فنُّ إدارة الخَلقِ وقيادتِهِم على نحوٍ يُرْضِي الخالقَ”، ويُجيبُ على ما يُطرَحُ عليه من أسئلةٍ سواء في كتاباته أو في أحاديثِهِ أو في غير ذلك من المواقف.

كولن ورأيه في سياسة الحكم

مع أن فتح الله كُولَنْ بعيدٌ تمام البُعْدِ عن ممارسة السياسة الفعليَّةِ إلا أنَّ له حِزمَةً من الأفكار الخاصَّةِ يتناول فيها ما يجب أن تكون عليه إدارة العباد ومُقدَّراتُ البلاد، فيقول: “إنه فنُّ إدارةِ الخَلْق وقيادَتُهم على نحوٍ يُرْضِي الحقَّ سبحانه”.

ويُركِّزُ على السياسة أكثر ما يركز عليها باعتبارها فنَّ إدارَةِ بلدٍ وشعبٍ، ويُؤكِّدُ على ضرورة أن يكون القائمون بتطبيق سياسة بهذا الفهم أشخاصًا: “لا يُفكِّرون في مُتَعِهم الشخصيَّة أبدًا، بل يُسَرّون لِسُرُورِ الشعب، ويتلوَّونَ بآلامِهِ …”. ويقول أيضًا: “يجب البحث عن الإدارة الجيِّدَةِ والسياسة الرفيعة المستوى لدى أصحاب الأرواح النبيلة والعقول المُفكِّرَة وخُدَّام الحقيقة الرافضين التحرُّر منها”.

بقدر ما تحظى به وحدةُ المشاعر والأفكار والثقافة من أهمية كي تصبح أيَّةُ أُمَّةٍ من الأمم قوية، بقدر ما يؤثِّرُ فسادُ الوحدة الدينية والأخلاقية وانهيارها في تمزُّقِها وتفرُّقِها.

الحكومات وسيادة القانون

كما يتناول كولن المسألةَ في أساس الإنسان، ويُلفت الانتباه إلى أهمية السِّمَاتِ والخصائص التي تُعمِلُ القوانين وتنُفِّذها حتى تصل إلى درجة كفايتها وصحِّتِها ومناسبتها؛ فيرى ضرورة أن تكون القوانين نافذةً على الجميع في كلِّ وقتٍ ومكان، وأن يتمتَّع مُنَفِّذوها أيضًا بالشجاعة والعدلِ والجسارة؛ فلا يفقد الناس ثقتَهم ولا أمنَهم تمامًا من جانب، بينما يخافونهم من جانبٍ آخر، ويؤكِّد كذلك على أهمية فكرة الحقِّ وسيادة القانون والوعيِ بالواجب والوظيفة، ومفهوم المسؤولية في الأعمال الصعبة القاسية، والمهارة والكفاءة في الأعمال الرقيقة الحسّاسة خاصَّة.

الأمم المجيدة وحكوماتها

يرى فتح الله كولن أن: “الحكومات المجيدة تُولد من الأمم المجيدة، وتتكون الأمم المجيدة من نُخبَةِ الأجيال المؤمنة التي تملك قابلية علمية عالية، وإمكانيَّات مالية كبيرة وآفاقَ نظرٍ واسعة وتحاول أن تُحافظ على ذاتيَّتِها وأصالتِها وهويَّتها…”.

ويقول أيضًا: “بقدر ما تحظى به وحدةُ المشاعر والأفكار والثقافة من أهمية كي تصبح أيَّةُ أُمَّةٍ من الأمم قوية، بقدر ما يؤثِّرُ فسادُ الوحدة الدينية والأخلاقية وانهيارها في تمزُّقِها وتفرُّقِها”.

لا ينبغي فرضُ احترامِ الدولةِ وتقديرِ الحكومةِ على الشعب بالقوة والإكراه، بل بالجديَّة والوقارِ في تصرُّفات وسلوكيَّات من يُديرون الدولةَ، وصِدْقِهم في أعمالهم وخدماتهم

الدين كقوة عظمى

يرى الأستاذ فتح الله كولن أن للدين مكانةً مهمةً في حياة المجتمعات، وفي هذا يقول: “إذا ما وُضع في الاعتبار كون الدين موحِّدًا ومكمِّلًا؛ فهو المؤسّسة الضرورية الحتميّة الواجب على حكام الشعوب الْتِفَافُهُم حولَها ووضعهم إيَّاها في حسبانهم ولجوؤهم دائمًا إلى قوَّتِها التي لا تُهزَم”.

ويشير إلى دور الدين كقوَّةٍ عظمى تُسيطر على الضمائر والأفئدة ولا سيما السلم والأمن؛ فيُبيِّن أنه هو العنصر الأكثر سيطرةً وإحكامًا في إخضاعِ تصرُّفاتِ الأفراد وحركاتهم للمراقبة والملاحظة؛ فيُذكِّر قائلاً: “لذا كان على القائمين بإدارة الدولة إبقاء الدين حيًّا في النفوس وفي الضمائر، وليُدركوا يقينًا أن حياةَ الأمةِ مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بحياتها الدينية”.

الحكومات وحماية الشعوب

يؤكد الأستاذ فتح الله كولن أن الحكومات تكون ناجحةً سياسيًّا بقدر حمايتها شعوبَها من الشرور باستخدام قوَّتِها وسلطاتها وعدالتها، ومثل هذه الحكومات تُبشِّرُ بمُستقبلٍ ناجحٍ زاهرٍ.

يقول فتح الله كولن: “الحكومة تعني العدالة والاستقرار والأمن، فإن لم تكن هذه الأمور متوفِّرَةً في مكان ما فمن الصعب الحديث عن وجود حكومةٍ هناك، وإن شبَّهْنا الحكومة بمطحنةٍ فإن الدقيق الذي تنتجه هو النظام والأمن والاستقرار، والمطحنة التي لا تنتج هذا ليست إلا آلة ضوضاء جوفاء لا تَطحن سوى الهواء”.

ويأتي الأستاذ كولن بتقييم مهمٍّ جدًّا في علاقات الحكومة بالشعب فيقول: “قبل أن تقول الحكومة عن أمَّتها “ها هي أمَّتي” فمن الأفضل والأهم أن تبادرَ الأمَّةُ قبلها وتقول عنها “ها هي حكومتي”؛ لأن هذا هو المطلوب فيما أرى، وبعكس ذلك ترى الأمة في حكومتها قوَّةً ظالمةً مسلَّطَةً على رأسها، أي إن بنية الأمة تكون قد انفصلت تمامًا عن رأسها”.

يهتم كولن بالاستشارة في الحكم، ويعتقدُ ويؤمنُ بضرورة احترامِ الأفكار، ولا سيما توفير مناخٍ من الحرية يستطيع الأفراد الخبراءُ في مجالاتهم المخلصون أصحابُ النيات الطيّبة أن يُعبِّروا في ظِلِّه عن أفكارهم.

الحكومات والحِكْمَة في القوُّة

لا يقبل فتح الله كولن أن تَرْكن الحكومة أو الدولة إلى القوة فحسب؛ لذا يقول: “القوَّةُ في الحقِّ، وليس الحق في القوة”.

ومع هذا فإنه يرى لِخْلقِ القوَّة حِكْمَة؛ ومن ثم فيجب أن تكون الدولة والحكومة قويّة، إلا أنه وكما يلزم ألا تستند إلى القوة بالدرجة الأولى في الإدارة؛ فيجب عليها ألا تُفرَط فترى الحقَّ في القوَّةِ، وألا تُفرِّطَ فتترك الحبل على غاربه أيضًا، بل عليها أن تُخضعها لأمر الحكمة والقوانين، ويتناول كولن العلاقةَ ما بين “الحكمة والقانون والقوة” ويقيمها فيقول: “دساتير الحكمة إن لم تُزوَّدْ بالقوانين والقوَّة ظلَّ كل شيءٍ حبرًا على ورقٍ، واستحال أن تؤثِّر في الناس التأثير المتوقَّع، بالإضافة إلى أن تطبيق الحكمة على الحياة لا يمكن أن يتحقَّق بسهولة تامَّةٍ؛ وبالتالي فثمَّة حكمةٌ في خلق القوَّةِ أيضًا، ولذا يجب أن يحظى كلٌّ منهما بما يستحقُّه من الأهمية، فلا بد أن تجتمع “الحكمةُ والقانونُ والقوةُ” معًا ويتحقَّق الاتفاق بينهما”.

يُؤكِّدُ كولن على ضرورة أن يكون القائمون بتطبيق سياسة الحكم أشخاصًا لا يُفكِّرون في مُتَعِهم الشخصيَّة أبدًا، بل يُسَرّون لِسُرُورِ الشعب، ويتلوَّونَ بآلامِهِ.

الظلم والاضطهاد لا يُحقق السيادة

إن فتح الله كولن المُؤكِّدَ على أن الدولة والحكومة يستحيل عليها تحقيق سيادّتِها وسيطرتِها بالشدة والظلم والاضطهاد والخداعِ يرى أنه: “لا ينبغي فرضُ احترامِ الدولةِ وتقديرِ الحكومةِ على الشعب بالقوة والإكراه، بل بالجديَّة والوقارِ في تصرُّفات وسلوكيَّات من يُديرون الدولةَ، وصِدْقِهم في أعمالهم وخدماتهم؛ إذ لم يتسنَّ لأيَّةِ إدارةٍ أو حكومةٍ حتى اليوم أن تبقى أو تدوم؛ لا باستبداد الموظَّفين الظالمين ولا بخداعها الشعوب والجماهير”.

موظفو الدولة وصفاتهم

وبحسب فتح الله كولن أيضًا فإن الدولة تكون جيِّدَةً وقويَّةً إذا ما جرى اختيار جميع البيروقراطيين والموظفين العاملين فيها بناءً على نُبْلِ الجوهر والفكر والحسِّ، ويُلفِتُ كولن الانتباه إلى ضرورة أن يتحرَّك الموظَّفون في معاملاتهم في حدود القوانين، ويتَّصِفوا بالرِّفْقِ واللين بحسب ما في وجدانهم من رفقٍ ولينٍ، ويُنوِّه بأن التصرُّف هكذا من شأنه أن يحمي سمعَتَهم الشخصية ويُرسِّخَ في القلوب احترامَ القوانين والدولة كذلك، وهو يُحَذِّرُ من أن الممارسات القمعية المتشدِّدَة تتسبَّبُ في وقوع انفجاراتٍ غير متوقَّعة، وأن اللين المُفْرِطَ الزَّائدَ يجعلُ المجتمع بيئةً صالحةً لنشوء أفكارٍ لقيطةٍ، ويُفصِّلُ القولَ أكثر في هذا الشأن فيقول: “الأساس في الولاة (المحافظين) توفُّرُ الشفقة والوعي والتحلِّي بروحِ المسؤولية؛ أما في رؤساء البلديات فهو توفُّر النظافة والنظام والقدرة على توفير الأمن العام، وأما في القضاء فسيادةُ فكرةِ الحقِّ والحيادِ وعزيمةِ الشجاعةِ المدنيّة”.

يُلفِتُ كولن الانتباه إلى ضرورة أن يتحرَّك الموظَّفون في معاملاتهم في حدود القوانين، ويتَّصِفوا بالرِّفْقِ واللين بحسب ما في وجدانهم من رفقٍ ولينٍ

الاستشارة ودورها في الحكم

يهتم كولن بالاستشارة في الحكم أيضًا، ولهذا يعتقدُ ويؤمنُ بضرورة احترامِ الأفكار، ولا سيما توفير مناخٍ من الحرية يستطيع الأفراد الخبراءُ في مجالاتهم المخلصون أصحابُ النيات الطيّبة أن يُعبِّروا في ظِلِّه عن أفكارهم، ويُؤكد على ضرورة البحث عن سُبلٍ وطُرقٍ للاستفادة من آراء هؤلاء الناس وأفكارهم حتى وإن كانوا أصحاب فلسفات وأفكارٍ مختلفة، وأنه لا بدَّ من التحاور والالتقاء بهم، ويُركِّزُ أيضًا على نقطةٍ أخرى مهمة في هذا الموضوع فيقول: “ينبغي للإنسان الاستفادة من المعلومات والآراء والملاحظات التي من شأنها أن تنفع نظامه وفكره وعالمه الخص؛ أيًّا كان مصدرُها، ولا سيما أنه يجب ألا تُهمل الاستفادة من تجارب الخبراء المجربين”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: علي أونال، فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري، ترجمة عبد الرازق أحمد محمد، دار النيل للطباعة والنشر، طـ1، 2015، صـ343/ 344/ 345/ 346/ 347.

ملاحظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.