عاش الشيخ “فتح الله كولن” يجاهد، ويَشُدُّ بأيدينا عند المدرج الأخير من مدارج السالكين، لنصل ببركة اليد “النبوية الشريفة” إلى أن نجح أخيرًا، وأصعدنا إلى قمة التلال… “التلال الزمردية”.

فيا له من قائد روحي مبارك أعطاه الله الروح والعقل والقلب وملكة الإبداع.

ومع ذلك لم يَحِدْ عن الطريق، بينما يمشي بين أشواك التصوف والتجارب الروحية… فكان نموذجًا رائعًا للإمام “أبي القاسم الجنيد” في عصرنا.

إن هذا النوع من التصوف السنّي و”الجانب العاطفي في الإسلام”([1])(حسب تعبير أستاذنا الشيخ محمد الغزالي رحمه الله) هو الذي يجمع بين الحقيقة والشريعة في سياق واحد، ولا يرى فصلاً بينهما، بل إن الحقيقة يجب أن تستمد نورها من نور الشريعة.

لقد أحب العديد من العلماء المتصوف الكبير “أبي القاسم الجنيد” لالتزامه بالكتاب والسنة والشريعة والحقيقة.. فقد كان الجنيد يركز على دقائق التوحيد وأسراره، ولا ننس هنا عبارة الجنيد الشهيرة: “إن التوحيد إفراد القديم عن الحديث”.. وهذا التعريف يرسم لنا معالم مذهب الجنيد، فليس توحيده حلولاً، ولا اتحادًا، ولا مشوبًا بظلال توحي بذوبان المسافة بين الخالق والمخلوق، ولكنه تمييز واضح بين الله الفرد والإنسان العبد، وكان رسول الله محمد ﷺ أعبد العابدين.

وقد نصَّ الجنيد في كثير من أقواله على أن الخالق مُبايُن ومخالف لخلقه، وتصوفه يُمثِّل تصوف الفقهاء في عصره، لأنه يعتمد في منهجه –كما يرى ذلك كثيرون- على الكتاب والسنة، وكان يقول لمريديه: “من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يُقْتَدى به في هذا الأمر، لأن علْمنا هذا “التصوف” مقيد بالكتاب والسنة”. وكان يقول: “كل الطرق مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول ﷺ واتبع سنّته، ولزم طريقته ..فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه”.

جزى الله إمامنا الكبير الشيخ “فتح الله كولن” الذي نراه “أبا القاسم الجنيد” لهذا العصر عنَّا خيرًا.. وجزاه عن الإسلام –روحًا وشريعة وأخلاقًا وبعثًا للأمة وحضارتها- خير ما يجزي عباده المجاهدين الصادقين الصالحين. ولا حرمنا الله أنفاسه العبقة الدائمة، وحفظه الله أستاذًا لمحبيه ولكل المؤمنين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) اسم كتاب للشيخ محمد الغزالي، مصر.

المصدر: عبد الحليم عويس، فتح الله كولن رائد النهضة الراشدة في تركيا المعاصرة، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2013م، صـ212/ 213.

ملاحظة: عنوان المقال، وبعض الفقرات من تصرف محرر الموقع.

About The Author

أ. دكتور عبد الحليم عبد الفتاح محمد عويس (12 يوليو 1943م - 9 ديسمبر 2011م)، ولد في قرية سندسيس التابعة لمدينة المحلة الكبرى محافظة الغربية بدلتا مصر. حصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية(1968م)، وعلى الماجستير (1973م) عن أطروحته دولة بني حماد في الجزائر، والدكتوراه (1978م) عن اطروحته ابن حزم الأندلسي مؤرخا في التاريخ والحضارة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

Related Posts