-
- قراءة في تجربة الأستاذ فتح الله كولن وتيار الخدمة الإيمانية في تركيا الجهل هو العدو الأول لنهضة الأمة
- تيار الخدمة الإيمانية لم يسع إلى الحكم لكنه صار القوة التي ترجح الكفة في السياسة التركية
- تيار الخدمة الإيمانية يمتلك 2000 مدرسة وعشرين جامعة متميزة في مختلف التخصصات
نجحت دعوة الأستاذ كولن في إشاعة الثقافة والمفاهيم الإسلامية في مناهج العلوم كلها
حدّد الأستاذ فتح الله كولن مبكراً، الأعداء الحقيقيين للأمة ونهضتها وهم الجهل والفقر والفرقة. فنذر حياته لمحاربة هذا التلوث الذي يفتك بالأمة. وبفضل بصيرته الحادة المؤمنة جعل محاربة الجهل أولويته الأولى باعتباره من أهم العقبات أمام بناء الإنسان المسلم الملتزم، ومن ثم المجتمع المسلم النظيف المنتج، لذلك سعى إلى بناء منظومة تربوية تعليمية متكاملة، تبدأ من رياض الأطفال، وصولاً إلى الجامعة. وقد حقق تيار الخدمة الإيمانية بفضل توجيهات مرشده الأستاذ فتح الله كولن نجاحات باهرة في مجال محاربة الجهل عبر إقامة منظومة تعليمية متكاملة؛ إذ صار الآن لدى تيار الخدمة الإيمانية، أكثر من ألفَي مدرسة، منتشرة في تركيا، وعلى امتداد جغرافيا العالم، في (6) قارات و(160) دولة، من بينها الأردن. حيث يمتلك التيار المدرسة الحميدية في عمان، ويستعد مع بداية العام الدراسي القادم للتوسع في عمان وأربد، عبر إقامة أكثر من مدرسة للذكور والإناث.
ساهمت بيوت الطلاب في بناء جيل جديد من الشباب المؤمن بدينه وأمته. كما ساهمت هذه البيوت والمنتسبون إليها في إنقاذ الجامعات التركية من الفكرَين الماركسي والقَومي المتعصبين.
يجري التدريس في مدارس تيار الخدمة الإيمانية باللغة الإنجليزية للمواد العلمية، أما المواد الإنسانية فتدرَّس بلغة البلد الذي تفتح فيه مدرسة من هذه المدارس، في حين تكون اللغة التركية هي اللغة الأجنبية لطلاب ذلك البلد. وبذلك يقدّم تيار الخدمة الإيمانية خدمة وطنية جليلة لوطنه الأم تركيا، عبر نشر لغتها والتعريف بثقافتها، التي هي مكون رئيس من مكونات الثقافة والحضارة الإسلامية. بل إن مجمل عمل تيار الخدمة الإيمانية يمثل نموذجا للوطنية، كما يفهمها المسلم، ويريدها الإسلام، الذي يعتبر موت المرء دفاعًا عن أرضه شهادة. مثلما يعتبر خدمة الناس بابًا من أبواب الإيمان والأجر لمن يقوم بهذه الخدمة. ولعل هذا الفهم لهذه الكلية من كليات الإسلام تساعدنا على فهم طبيعة وفلسفة تيّار الخدمة الإيمانية، وفهمه للإسلام باعتباره دين تكافل وتراحم بين الناس، يرحم القوي منهم الضعيف، ويكفل الغني منهم الفقير، ويخدم كل منهم المجتمع وفْق قدراته وإمكاناته، بلا تعصّب، فالخلق كلهم عيال الله، وأحبّهم لله أنفعهم لعياله. لذلك قال عليه السلام: (إماطتك الأذى عن الطريق صدقة). وكثيرة هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصرفاته التي تؤكد أن خدمة المجتمع باب من الأبواب الرئيسية للإيمان في الإسلام، ولعل هذا واحدا من أهمّ الجوانب التي ميّزت دعوة الأستاذ فتح الله كولن وتيار الخدمة الإيمانية، أعني خدمة المجتمع ورعاية أفراده.
بالإضافة إلى الألفي مدرسة يمتلك تيار الخدمة الإيمانية، أكثر من عشرين جامعة تعتبر من أكثر الجامعات تميزا في العالم. هذا غير المدارس القرآنية، التي تُعنى بتحفيظ الطلاب من الذكور والإناث القرآن الكريم، بالإضافة إلى دروس في التفسير والسيرة النبوية والفقه. وقد خرّجت هذه المدارس حتى الآن آلاف الطلبة من الذكور والإناث، ومن مختلف الجنسيات. علمًا بأنها تقدم للطالب السكن والمأكل والمشرب. وعند قضية الطلاب الوافدين، لتلقي العلوم، نحب أن نتوقف. فقد صادفنا أثناء جولتنا العديد من الأتراك الذين يكنّون حبًّا عظيمًا لبلَدنا، لأنهم درسوا فيه. كما قيل لنا أن خرّيجي مدارس تيار الخدمة الإيمانية هم خير معين لنشر تعاليم التيار وأسلوبه في العمل الإسلامي، عندما يعودون لبلدانهم، مما يؤكد أهمية العمل الشعبي في تحقيق التقارب بين الشعوب.
حقق تيار الخدمة الإيمانية بفضل توجيهات مرشده الأستاذ فتح الله كولن نجاحات باهرة في مجال محاربة الجهل عبر إقامة منظومة تعليمية متكاملة.
تبرز عظمة إنجاز الأستاذ فتح الله كولن، في مجال التربية والتعليم من أن تجربته انطلقت في مجتمع شديد المحافظة، حيث كانت الأسر التركية المحافظة تمتنع عن إرسال بناتها إلى المدارس، خوفا عليهن من الانحلال والإلحاد، مثلما لم تكن ترسل أبناءها الذكور إلى الجامعات، لنفس السبب. فبدأ الأستاذ كولن تجربته من خلال تأسيس بيت للطلبة في مدينة “إزمير” حيث كان الطالب فيه يخضع لبرنامج محدد في التربية والسلوك. وقد أعاد هذا البرنامج صياغة شخصية الطلاب الذين التحقوا به، حيث لمست أسر هؤلاء الطلاب حجم التغيير الهائل في سلوك وانضباط أبنائها، وإيجابيتهم نحو مجتمعهم، من حيث احترامهم لمن هو أكبر منهم، وتفوّقهم الدراسي ونشاطهم الاجتماعي، مما ساعد على انتشار فكرة بيوت الطلبة، التي أسّسها الأستاذ فتح الله كولن في كل أنحاء تركيا.
وقد ساهمت هذه البيوت في تحقيق الهدف الذي سعى إليه مؤسسها، وهو بناء جيل جديد من الشباب التركي، المؤمن بدينه وأمته. كما ساهمت هذه البيوت والمنتسبون إليها في إنقاذ الجامعات التركية من الفكرَين الماركسي والقَومي المتعصبين. كل ذلك من خلال العمل الجاد الصامت البعيد عن الاستفزاز، وعن الخطابة والموعظة الخشنة.
حدّد الأستاذ فتح الله كولن مبكراً، الأعداء الحقيقيين للأمة ونهضتها وهم الجهل والفقر والفرقة. فنذر حياته لمحاربة هذا التلوث الذي يفتك بالأمة.
وإذا كان تيار الخدمة الإيمانية، الذي أسسه الأستاذ فتح الله كولن. قد نجح في إقامة شبكة من المدارس التي تغطي مختلف مراحل الدراسة والجامعات، التي تغطي جميع التخصصات، فإن نجاحه الحقيقي أيضًا يكمن في تفوق طلاب هذه المدارس والجامعات وخرّيجيها. وفي هذا المجال تبرز تجربة مدارس “فم”، التي أقامها التيار، وهي مدارس تقوية تقدم خدماتها لخرّيجي المرحلة الثانوية في المدارس التركية، لتأهيلهم لاجتياز امتحان القبول في الجامعات التركية، التي لا تقبل في العادة أكثر من ثلاثمائة ألف طالب من مجموع خريجي المرحلة الثانوية الذين يزيدون عن المليون. حيث يكون طلاب مدارس “فم” في طليعة المقبولين في الجامعات التركية، حيث صار من المعتاد أن يكون أول ثلاثمائة خريج من حيث المعدل من خريجي هذه المدارس. على أن الإنجاز الأكبر للأستاذ فتح الله كولن، وتياره الإيماني في مجال التربية والتعليم. يكمن في نجاحه بتحقيق دعوته إلى توحيد التعليم الديني والمدني. وإشاعة الثقافة الإسلامية في مناهج العلوم كلها، بعيدًا عن الوعظ المباشر. بما يحقق تزاوج العلم مع الإيمان، والحداثة مع الأصالة، ولقاء علوم الدنيا بعلوم الآخرة، وعلم الشريعة مع العلوم التطبيقية. على أن جهد الأستاذ فتح الله كولن وتياره ونجاحهما لم يقتصر على مجال التربية والتعليم على عظمته، بل امتدّ إلى مجالات أخرى سنتعرض لها لاحقا.
***********
المصدر: جريدة “اللواء” الأردنية، 26 أبريل 2011.