إن هذه الحال الإسقاطية التي تُطابِق بين حقيقة الإسلام وواقع الأمة الشنيع والكسيف، قد وجهت لعملية الدعوة ضربة قاصمة؛ إذ انحبس الجهد التبليغي، وتوقفت مهمة البث والنشر، إلا على صعيد شبه تلقائي أو فردي أو جمعوي محدود، الأمر الذي أضر بالدين الإسلامي باعتباره شِرْعةً للعالمين. وإنَّ توقُّفَ مَدِّهِ عن السريان والجريان بين العالمين هو إخلال بمبدأ جوهري انبنت عليه الدعوة، نقصد مبدأ التبليغ. ومما لا شك فيه أن دور الإعلام المغرض مركزي في تشويه حقيقة الإسلام، وإعاقته عن الانتشار، مضافًا إلى ذلك -بطبيعة الحال- دورنا نحن الغائب.

أنشأ كولن فلسفة جديدة لمهمة تبليغ الدعوة ، ربطها بروح العصر وبأساليب التعاطي الرائجة بين الأمم.

طبيعة العصر وفلسفة جديدة في التبليغ

لقد أناط الأستاذ كولن دور الدعوة أو الخدمة بالجماهير المسلمة، وبالجماعات المتنورة خاصة. فقد أنشأ فلسفة جديدة لمهمة التبليغ، ربطها بروح العصر وبأساليب التعاطي الرائجة بين الأمم، إذ إن العقلية العالمية اليوم، ونتيجة المسار البراغْماتي، المادي، والليبرالي الذي عرفته الأنظمة -رأسماليها وشيوعيها سابقًا- قد أفرزت العقلية الانتفاعية وذات الوازع العملي الملموس، العقلية التي قد تتأثر بالدعوة من خلال الحوار المتفوق وذي الحجة الصريحة، وقد تتأثر بها كذلك انجذابًا حين يكون المظهر المادي والمستوى المدني وشاهد الحال الحضري لممثلي الدعوة مترقيًا، ولكن التأثر الأوكد والأبلغ بالدعوة يكون عندما تتم بواسطة برامج ذات مردودية اقتصادية واجتماعية وثقافية يفيد منها الآخرون، أي في صورة مشاريع خدمة ينهض بها الدعاة العاملون، ممن تستطيع الرؤية السديدة أن تجيّشهم، وترسم لهم الأفق، وتوجههم إلى الصالحات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: سليمان عشراتي، هندسة الحضارة تجليات العمران في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة ، طـ1، ٢٠١2، صـ42.

ملاحظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.