إن هذا الكتاب “من البذرة إلى الثمرة” الذي أصدره الأستاذ محمد فتح الله كولن الشخصية المعروفة بالعقل المدبر لتأسيس شركة نصرت للثقافة والتعليم في نيجيريا كما أنه وراء إنشاء مؤسسات ومراكز تعليمية في أكثر من 160 دولة على مستوى العالم .

يجدر أن أبين أن هذه الورقة لا أقصد بها المراجعة أو الإستدراكات للأستاذ بل إنما أقوم فقط بتسليط الضوء على أحد كتب هذا العملاق الفكري الأستاذ محمد فتح الله كولن .

أكن التقدير والإبتهاج لهذه الشخصية التي أثمرت عن تأسيس شركة نصرت للتعليم والثقافة في نيجيريا والتي أنجزت العديد من الخدمة للإنسانية كإطعام الفقراء أيام رمضان المبارك  وإنشاء مركز حوار الأديان، والمستشفى النظامي العالمي ومدارس ثانوية وإعدادية، وإغاثات للملهوفين وغير ذلك من مجال المساعدات. فلا زلت أدرس مستجدات هذه المنظمة محاولا فهم جذورها وأسسها الإغاثية حول العالم ولعلي في قريب مستعجل سأحرر بيانا كاملا حول كل الأفكار المستنتجة.

إن كتاب  من البذرة إلى الثمرة أساس إرشاد لكل بيت مسلم  الذي يريد أن يربي أبناءه التربية الصحيحة. وإذ نحن الآن نعيش الحجر الصحي لمرض كورونا المزمن   الأمر الذي أدى إلى اقتراب الآباء مع أبنائهم أكثر من ذي قبل فيجب والحالة هذه أن نستخدم  مضمون هذا الكتاب الذي يحتوي على مائة وثلاثين صفحة فقط مستخدمين النصح والإرشادات المتضمنة في الكتاب وإن كان بعضها لا يمكن تطبيقها في الوقت الراهن كالذهاب إلى المسجد . فالكتاب حافل بكل متطلبات الإعالة الزوجية بدءا من اختيار رفيقة الحياة والولادة والتربية الإسلامية لتلقي تحديات الجيل.

الأخلاق

إن لكل أمة تاريخ انبعاث وسقوط ويتم ذلك إما بتمسكهم القيم الأخلاقية تمهيدا للحياة الباقية أو بإهباطهم إلى خضيض الرذائل  .

فالمسلم لا يبتهج أبدا بزخاريف الدنيا من التقدم  المادي كما أنه يتأسف بعمق عن تزايد حدوث الإنتحارات بين الشعوب. نعم إن الكنيسة والعلم في نزاع شديد حتي انتصر العلم على الكنيسة في مجال القيم الأخلاقية . فالسعادة الحقيقية تكمن في تشخيص تقدم العلم  والإمتثال لأوامر الله تعالي واقتناعها كأساس قانوني.

وبالرغم من العوارض المحيطة داخل البيت  وخارجه يبقى السؤال كيف نريد أن يربى أولادنا ؟ ما هو ذاك الميزان الذي يعرف القيم الأخلاقية؟ من هم أصدقاء أولادنا ؟ يجب أن نجد جوابا لهذه الأسئلة ويجب أن نخطط مناهج للتصدى لها وإلا سنقع فى نفس الخضيض الذي سقط فيه الأمم الذين كانو قبلنا.

الزواج

فبعدما تم الزواج بكل ما له من المستلزمات  فإن الغاية القصوى فيه هو تكسير النسل الذي يفتخر به نبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة نؤكد أنه لن يفتخر بجيل ملم بالرزائل الذي يكثر فيه الإرهاب والفساد. فالزواج خطوة كبيرة في الحياة فحينما يعطي الزوج الأهمية البالغة بكل ما يحيط به فالنجاح والنصر فيه مؤكد كما أنه كلما أغفل عن واجباته ومعطياته فالعاقبة فيه غير محمودة . فالأولاد الذيت ترعرعوا في بيت يكثر فيه الخلافات الزوجية فإن ذلك ينعكس في طبائعهم حيث ينشؤون بالعداوة والكراهية تجاه المجتمع ولعل ذلك يتسرب حتى إلى الآباء.

وإذا ما غاب الآباء كليهما إلي مكان العمل وخلفو الأبناء مع المربية في البيت فإنهم بذلك أهملوا مستقبل أولادهم إلى سبيل غير معلوم.  فوجود الأباء مع أبنائهم شيء لا مثيل له . فالحنان والرءفة والمودة طبيعة  يتفحصها الطفل  من تحاليل وجه الأم وفي بعض الأحيان يتفحصه من قلب الأم  أو حجرها أو حجر الأب . لا يمكن أن يجد الطفل هذا الشعور إلا من الأبوين ولا يمكن إرواء هذا الغليل إلا منهما.

العائلة

فالبيت هي المدرسة الأولى للطفل فكل ما يحدث في البيت له تأثير عميق في ذهن الطفل ويربو ذلك حتي إلى كهولته. فإذا ماكان الآباء صالحين فإن الطفل لا ينمو بأخلاق رذيلة بل بصفات حميدة حيث يمكنهم تقديم خدمة للآخرين ، فيجب التنبه بأن كل ما ينفق على الطفل عند نموه فإن له تأثير في حياته. فإذا كان طعامه وشرابه ولباسه من الحرام فيلزم أن نبعد وجود الفرحة والسعادة لأطفالنا . فالإنسان القذر الذي يلبس من الحرام  ويطعم من الحرام  لا يستجيب الله دعاؤه مهما كان تضرعه. أنّي تقصد بيت الحرام وبطنك ممتليء بالحرام!!

يجب أن نربي الأطفال على عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وإلا سنكون قد أنتجنا أناسا لا علاقة لنا بهم . نعم قد نكون آباء لأطفال علمانيين بدون أن نعرف. ولذا يجب علينا أن نتوخي الحذر عند تربيتنا لهم فلا ينبغي أن ننسى أهمية تربية نفوس راقية التي تستطيع أن تميز بين الصحيح والباطل، النفس التي تسمو إلى القيم الإنسانية الفاضلة .  فقصة يوسف عليه السلام تعلمنا كيف نعدل بين الأولاد ولا يجوز تفضيل بعض على بعض إذ أن ذلك يؤدي الى الحسد والبغضاء حتي ولو كان ذلك في بيت النبوة.

التوعية العلمية

الأهم من كل ذلك لا يجوز أن تتغافل في اختيار أم أولادك قبل الزواج ذلك لأنها هي المراقبة الأساسية لحركات الطفل فهي المعلمة والمدرسة الأولى للطفل. لعل الطفل يتعلم منك الخشوع أثناء قيامك في الليل وأنت تجاهد في العبادة . فسجودك وركوعك وعبرات دموعك كلها حين تنسكب تستغفر بها الله تعالى فكل ذلك له وقع وتأثير عميق  على الطفل وإن لم يستفتحوا بسؤالك عما كنت تفعله.   يجب أن يكون هناك توافق بين كلماتنا وأعمالنا وإلا سيظهر فينا النفاق اللفظي  فإختلاف ألفاظنا وأعمالنا يورث الطفل نفس النفاق والتلميح بوجهين في حياته.  ينبغي أن نهتم بجوارحنا و ألفاظنا أمام الأطفال ، فينبغي أن تكون كلماتنا كلها حتى تينكم التي نناقش مع الزوجة أن تترصد أفكار الطفل  وتعلمه الفضائل .

فطبيعيا أن نقوم بالحوار مع الزوجة في البيت لكن حينما يتم النقاش أمام الأطفال يجب الإهتمام بمشاعره  وما قد يتسرب إلى خاطره. فإذا أمكن الإبتعاد عن أمور ليس لها علاقة بالطفل فيجب ذلك فكل ما ينعكس على الطفل سلبا يجب الإبتعاد عنه. لا يجوز تشخيص مسائل تتجاوز عقلية الطفل إذ تتأثر فيهم سلبا أو إيجابا كما أن ذلك يتعلق بعقليتهم فيحدث خلل تربوي كبير. فبالإحاطة إذا ما كان الأطفال موجودين  لا يجوز الحوض في نقاش  أو حوار  سواء فى المكتب أو البيت وإذا ما كان ذلك فنجعل مصلحتهم عين الإعتبار

فتعليم الطفل لا يقتصر على ما يحصله خلال التعليم النظامي ينبغي الإعتماد على ذلك زيادة على إضافة ما يتخطى إلى تداعيات المستقبل في هذا العصر. ينبغي أن نتفحص عن شيء مميز يفوق المعتاد فمثلا يجب تأديب الطفل للقيام بالصلاة إذا ما كان عمره خمسة عشر فنتقدم على هذا فنبدأ تأديبه لها حينما يبلغ العاشرة من عمره . كما يجب تأديبهم بالصيام نفلا قبل أن يكون عليهم فرضا ، فهذا يعطيعم سعة من الوقت حتي يتعودوا عليه قبل وجوبه . وهكذا نطبق هذه المنهجية على بقية شعائر الدين حتي تتألف قلوبهم وجوارحهم في طاعة الله.

التربية الإسلامية للطفل

إن الزواج في الإسلام لأمر ذا أهمية ولذا يجب توخي الحذر عند القيام بأداء واجباته. فالأزواج ليسو مجرد أشخاص يلدن الأبناء وحسب بل إنهم يعتبرون علماء مربيين ولذا لا ينبغي التقدم إليه إلا بعد التأهل بجميع متطلباته وبلوغ كمال أجله ولما يتم ذلك يتم تعيين مثل هذه العوائل كبيت للتربية الأجيال.  فالتربية الإسلامية تقتضي أن نصاحب أولادنا إلى المساجد . ففي هذه الأيام مع الأسف الأسيف أصبح مصاحبة الأولاد إلي المساجد أمرا مشمئزا يعتبر إخراقا لحرمة المسجد ، فإنه لمؤسف كذلك أن نرى كبار السنين يزمجرون على الصغار ويبعدونهم عن المساجد .

فهؤلاء الرجال المقصرين في أفكارهم يظنون أنهم يدافعون عن حرمة المساجد من خلال منع الأولاد الصغار إلى أبوابها ولكنهم في الحقيقة يخالفون عن تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه القائل ليلي  صف الرجال صف الأولاد ثم يليهما صف النساء .أو كما قال صلى الله عليه وسلم

يجب أن نقوم عند حدود الشرع  كي لا ننفر قلوب الصغار عن الدين . فأفضل العبادة أدومها ولو قلت، ينبغي أن نتيح لهم فرصة العب والتعليم والعبادة كل ذلك من غير إسراف، تذكر يا أخ المسلم إذا كان عنوان حوارك في البيت يتمحور حول مشاهير الأفلام فبالتأكيد سوف يؤثر ذلك في فكر أطفالك فبإمكانه أن يخبرك مشاهير الأبطال في الأفلام  وفي الرياضة والموسيقى وغيرهم من المشاهير الأبطال في حين أن لا يقدر أن يذكر بعض أسماء الرسل والأنبياء . فذاكرته تكون مليئة بالخزعبلات . يجب عن نشغل قلوب أبنائنا وأطفالنا بتلاوة القرآن الكريم وسيرة الأنبياء والصحابة الكرام حتي تكون مفعمة بتاريخنا المجيد

أبعاد التربية التعليمية

إن الصحبة المرافقة للطفل لها تأثير قوي في  تغيير هويته خيرا كان أو غير ذلك. يلقى على عواتق الآباء الإنتباه على الصحبة المرافقة لأولادهم . نعم ينبغي أن نشارك في الإحتفالات الإجتماعية والحفلات  مع الأولاد حتي يكون ذلك ربط صلة بينهم مع العقول الراقية والعلماء والمفكرين  والمربين لأن ذلك يعد أيضا من الأنشطة التربوية.

أريد أن أنتهز هذه الفرصة أن أركز نقطة مهمة هنا وهي إجابة الدعوة والحضور إلى الدعوة أنه مما يقتضيه الشريعة الإسلامية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعيتم إلى وليمة عرس فأجيبو” أوبما في معناه.  فمن الواضح أنه لا يمكن إنكار هذه السنة الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم  نعم يستقبل المسلم هذه السنة بالخضوع والقبول والإمتثال به. أما الدعوة التي  يقام فيها بالإثم وتعدي حقوق الشريعة    فإبطال مثل هذه الدعوة أمر محمود شرعا. نعم لا يجوز مصاحبة الأولاد إلى حفلات يرون  فيها المحرمات وكل ما يفسد عليهم تربيتهم أو يشوش أفكارهم

 بين التربية القرآنية وغيرها

ما نحتاجه في مثل هذه الوقفات هو دمج التربية القرآنية مع غيرها مما يتوافق مع مطالب الشرع، ذلك كي نحول بين حدوث أشخاص لهم قلوب فرعونية . بل نقدم التربية القرآنية أولا ثم نردفها مع الأخرى فمثل هذا يؤك لنا حصول الأمرين معا دنويا وأخرويا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ترجمة: د. توفيق أبوبكر حسين