إلى جانب المحرك الديني والمحرك الثقافي، يتوجب دمج عامل الوعي بالتاريخ في الفعل الإحيائي؛ إذ بمعرفة المجتمع لماضيه، وبوقوف الناشئة على المراحل والعهود التي سلختها الأمة من هذا الماضي، وما اتسمت به هذه العهود من قوة وضعف، والمكاسب التي ظفرت بها السلالة، وعلل الانتصار والانهزام في مسيرتها، ستتمكن من وضع اليد على سند توجيهي حاسم، يقيها العثرات.

بل إن “كولن” وهو ينوّه بما لمعرفة التاريخ من فوائد تجنيها الأجيال، لا يفتأ يمتد بالبصر إلى مراحل ما قبل الإسلام، مذكِّرًا بما كانت عليه السلالة التركية من بدائية وضآلة وانعدام شأن في مضمار التحضر والتمدن. فكولن يدرك أن قراءة التاريخ في كُليته، يعطي الأجيال الصورة بكامل أبعادها، فيتهيأ لها حينئذ أن تعرف مكاسبها التي لا تُحَدّ من جراء انتمائها إلى الإسلام.

كولن يدرك أن قراءة التاريخ في كُليته، يعطي الأجيال الصورة بكامل أبعادها، فيتهيأ لها حينئذ أن تعرف مكاسبها التي لا تُحَدّ من جراء انتمائها إلى الإسلام.

لقد هيّأ الإسلام الأمة التركية أن تكون أستاذة الدنيا لقرون من الزمن، بعدما كانت قبائل ينحصر همها في تتبع المراعي والتنازع على الكلأ. وكان الإسلام قد فَعَلَ مثل ذلك بالعرب والبربر ومن إليهم؛ إذ أخرجهم من الخمول، وبوَّأهم منزلة الريادة في العالم، لقرون من الزمن.

 الوعي التاريخ من أهم عوامل النهوض:

إن التاريخ -بحسب كولن- هو من أهم محركات التفعيل الاجتماعي والثقافي والقيمي التي لا مناصَ من استثمارها على الوجه الأفضل؛ تأهيلاً للأمة كي تشقّ طريقها، وتُعدِّل من مسارها التغريبي البئيس.

إن صورة الهوية الجماعية تتجلى في ملامح الماضي، وتنعكس بكل ما تحمل من سيما الحسن أو الشوه في مرآة التاريخ. ثم إن الرابطة بين الدين الإسلامي وبين التاريخ رابطة تلازم وتناسب؛ إذ جلّ الأمم التي اندمجت في الإسلام وجدت نفسها تزهد في ماضيها ما قبل الإسلام؛ لأنها لم تتأهل لكتابة التاريخ بالحرف المذهّب إلا حين انخرطت في فيالق الإسلام. حتى الأمم ذات العراقة ترى مطاعن السذاجة والاعتقاد الفاسد والشذوذ المخزي تتلبس ما كان لها من مدنية قبل أن تشرق عليها شمس الإسلام.

 درس التاريخ في صدارة المعارف التي ينبغي أن تتلقنها الأجيال؛ إذ إن أضاليل التغريبيين تعول في التسويغ لمنهج الانحراف الذي تسلكه، على طمس التاريخ، ومصادرة الذاكرة الجماعية، وتشويه الحقائق.

من هنا كان درس التاريخ في صدارة المعارف التي ينبغي أن تتلقنها الأجيال؛ إذ إن أضاليل التغريبيين تعول في التسويغ لمنهج الانحراف الذي تسلكه، على طمس التاريخ، ومصادرة الذاكرة الجماعية، وتشويه الحقائق، والعمل بلا هوادة على قطع الشعب عن جذوره، وجعله يعيش يتيمًا من غير ماضٍ، كل ذلك من أجل أن يسهل عليهم ربطه -ذيلاً- بجسد مدنية وحضارة الآخر.

—————————————-

المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، صـ 216-217.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.