يذكر فتح الله كُولَنْ أنَّ العلم جُعِلَ أداةً للإلحاد في حين يجب أن يكون وسيلةً للإيمان، ولا يرى بأسًا في الرجوع إليه -أي العلم- عند شرح الحقائق الإسلامية والقرآنية وإثباتها، بل إنه يؤكِّدُ على ضرورة الرجوعِ إليه؛ ذلك لأن العِلْمَ هو الذي سيسيطر وتكون له الكلمة الأقوى مستقبليًّا، كما أن عصرنا الحاضر هو عصر العلم، ومن هذه الناحية فربما يكون من الأنسب والأوفق عند الحديث عن الإسلام في يومنا الحاضر وفي المستقبل أيضًا أن تُستخدمَ لغةُ العلم في شرح تلك الحقائق الكونية التي تُشكِّل موضوعه بكلِّ شُعَبِهِ وفُرُوعِهِ، وربما الحقائق الإسلامية؛ حيث إنها تعبير عن الحقيقة نفسها بمواد مختلفة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد في الإسلام أيُّ شيءٍ على الإطلاق يُناقِضُ العلمَ ويتعارضُ معه، وإن زُعم وجودُ أيِّ نوعٍ من التناقض والتضادّ بين العلم والإسلام في أية مسألة فما هذا إلا لأن العلم لما يَقُلْ كلمته الأخيرة في تلك المسألة ولمَّا يدرك الحقيقة، أو لأنه استحال فهمُ حُكْمِ الإسلام في هذا الشأن ووعيه بشكلٍ تامٍّ.

يستخدم القرآنُ القضايا العلمية بصفةٍ خاصَّةٍ كلّما لزم الأمرُ وبين قوسين؛ كمجرَّدِ دليلٍ فحسب في إقرار مقاصده الرئيسة الخاصّة به في الأذهان والقلوب.

ونظرًا لما وقع من أخطاء وتفريطٍ في هذا الموضوع فإنَّ فتح الله كُولَنْ يلفتُ الانتباهَ إلى الأمور المهمة الآتية؛ فيقول:
القرآن ليس كتابًا في علم الطبيعة والكيمياء والأحياء والفلك؛ إن مقاصدَ القرآن الكريم الرئيسة هي -وكما سبق عرضُهُ- إقرارُ أُسُس الإيمان وحقيقةِ العبادة والعدالة بالأذهان والقلوب، وإرشادُ الناس في هذا الشأن؛ ويستخدم القرآنُ الكريم القضايا التي تُشكِّلُ موضوعَ العلوم الحديثة اليومَ بصفةٍ خاصَّةٍ كلّما لزم الأمرُ وبين قوسين؛ كمجرَّدِ دليلٍ فحسب في إقرار مقاصده الرئيسة الخاصّة به في الأذهان والقلوب، وحين يستخدمها يختار أسلوبًا يفهمه الجميع، ويطمئنون إليه؛ إذ إنَّه يخاطب الجميع منذ اليوم الأول لنزوله إلى أنْ تقوم الساعة.

لا يوجد في الإسلام ما يتعارض مع العلم، وإن زُعم وجودُ نوعٍ من التناقض والتضادّ بينهما فلأن العلم لما يَقُلْ كلمته الأخيرة في تلك المسألة، أو لأنه استحال فهمُ حُكْمِ الإسلام في هذا الشأن.

يحترم القرآن الكريم فهمَ العامَّةِ وأحاسيسَهم وملاحظاتهم، ولا يدفعهم إلى التعقيد الذهنيِّ حين يتناول هذا النوع من المسائل التكوينيّة دليلًا؛ إذ لا يُعقَلُ أن يكون الدليل مبهمًا وخفيًّا عن القصد؛ لأن معظمَ الناس من العامة.
إن التعبيرات القرآنية الكريمة المتعلّقة بالمواضيع العلميّة صحيحةٌ على الإطلاق، غير أن ما في هذه العبارات من معانٍ ومقاصد قُدِّمَت في كثيرٍ من المرَّات -وإن لم يكن دائمًا- بأسلوبٍ ملائمٍ للتفسير والتحليل؛ ولهذا فإنها تفتح بابًا للعلم والبحث والدرس، بل إنها تُشجِّع عليه.
والعلم حزمةُ نظريَّات؛ وقد يَثْبُتُ خطأُ النظريّاتِ التي يطرحُها، فيطرحُ غيرَها حينئذٍ؛ ومِنْ ثَمَّ يفتح البابَ للبحث بهذه الطريقة، وبالتالي فإنَّ علمًا لا يبدو تحليله وإدراكه أمرًا ممكنًا وواردًا ماثلًا للعِيان كالإنسان يتعذَّرُ التسليم بأن تَصدُقَ تمامًا نظرياته بشأن أمور يصعب عليه إدراجها في مجال دراسته وملاحظته مباشرة، ومن هنا فإنه ينبغي عدم الاعتراض مطلقًا على آيات القرآن اعتمادًا على مجموعة من الاكتشافات والمعطيات العلمية، ولا بدَّ من انتظار التطوُّرات التي سَيُسفر عنها الزمان إذا ما بدا أنَّ هناك نوعًا من التناقض، ويجب الإيمان بالحقيقة التي تَفضَّلَ الحقُّ تعالى ببيانها، يجب ذلك حتى وإن لم يتسنَّ بعدُ الكشف عن تلك الحقيقة بمعناها الكامل.