إن التدبر والتفكر في القرآن الكريم هدف سَامٍ، وغاية عليا يسعى إلى تحقيقها كل مسلم، كلٌّ على درجته، وكل بحسب ما لديه من علوم ومعارف، ورغم صعوبة عملية التفكر والتدبر لما تحتاجه من أدوات وآليات معرفية، فهناك مفتاحان لا غنى عنهما لكل من يريد أن يلج إلى عالم القرآن الكريم النوراني.

ولنوضح المسألة قليلا ففهم القرآن على الوجه الذي قصده الحق سبحانه وتعالى يحتاج إلى أدوات لغوية من وقوف على علوم اللغة نحوها وصرفها وبلاغتها، ومن جهة أخرى يحتاج إلى وقوف على علم المقاصد وكذلك الوقوف على علم الناسخ والمنسوخ، ثم يحتاج إلى تعميق القراءة في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو صلى الله عليه وسلم المفسر الحي للقرآن من خلال أقواله وأفعاله وتقريراته.

إن صفاء الحس والشعور يعني ألا تلج عالم القرآن إلا بنية رضا الحق سبحانه وتعالى.

ولكن قبل الوقوف على تلك المبادئ السالف ذكرها يجب على المتدبر أن يلج الدخول إلى هذا العالم من خلال مفتاحين هامين لا غنى عنهما، إذ بدونهما أو بفقدان أحدهما لن يتمكن من الوصول إلى مقصده، حتى ولو تعمق في فهم القرآن وتدبره، وذلك المفتاحان هما: صفاء الحس والشعور، والشعور الحقيقي بالحاجة إلى القرآن.

إن صفاء الحس والشعور يعني ألا تلج عالم القرآن إلا بنية رضا الحق سبحانه وتعالى، فكل نية تعترض أو تخالف تلك النية هي عقبة في طريق محاولة الدخول إلى مقصد كلام الحق سبحانه الذي أنزله أمين السماء على أمين الأرض، حتى وإن حاز ذلك الشخص شهرة أو احترامًا بين الناس بدعوى معرفته بالقرآن الكريم، فلن يدوم هذا طويلا، وسيعيش ذلك الشخص خسرانا ما بعده خسران، كما أن صفاء الحس والشعور يعني الدخول إلى ساحة القرآن الكريم في حالة من التجرد الفكري فلا يدخل إلى مقام القرآن العالي بذهن مملوء بالأحكام المسبقة المتحيزة إلى أيدولوجية أو فكرة ما، بل يدخل إليه بكوب صافٍ، سائلاً أن يملأ كوبه من فيض هذا النور الإلهي الخالد.

فكل من يدخل إلى عالم القرآن الكريم بمشاعر الاستغناء سيخرج من هذا العالم خالي الوفاض، فارغ اليدين.

أما المفتاح الثاني والذي لا يقل أهمية عن المفتاح الأول فهو الشعور الحقيقي بالاحتياج إلى القرآن الكريم، فكل من يدخل إلى عالم القرآن الكريم بمشاعر الاستغناء سيخرج من هذا العالم خالي الوفاض، فارغ اليدين وسيستعصي عليه القرآن الكريم، بل ربما يتمنع، فلا يفتح له بابه العالي ليظل واقفًا على الباب يطرقه بلا إجابة، ويظل على تلك الحال محرومًا من تلك الأنوار.

إن الشعور بالحاجة الحقيقي يكون بديمومة الدعاء والتضرع إلى المولى سبحانه وتعالى بأن يمن عليه بفيوضات القرآن الكريم لأنه بدونها لا يستطيع أن يقيم حياته، إنه شعور بضرورة فهمه لمقاصد الآيات الكريمات وما وراءها من معانٍ سامية، وقوانين إلهية حكيمة.

إن هذين المفتاحين خليقان بأن يفتحا لصاحبهما خزائن القرآن الكريم النفيسة وجديران بأن يمكناه من سبر أغوار هذا العالم النوراني العجيب، هذا -بالطبع- إلى جانب الأدوات اللازمة لعملية التدبر هذه.

اللهم اجعل القران العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا وسابقنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم