هناك ست مستشفيات مستوحاة من فكر كولن في تركيا قمنا بزيارة اثنين منها هما مستشفى ” سما ” في إسطنبول ومستشفى ” بهار ” في بورصا، و قد تم تمويل مستشفى سما في البداية من خمسة رجال أعمال في مجتمع كولن أرادوا البدء في مشروع في قطاع الرعاية الصحية و تناقشوا مع كولن في فكرة نموذج التعليم للمدارس المستوحاة من فكر كولن و فتح مستشفى خاص، فدعم كولن الفكرة و شجعهم في مباشرة خططهم. ووفر رجال الأعمال الخمسة الأصليون التمويل الأولي لمستشفى سما من أموالهم الشخصية و أموال اقترضوها بسبب نفوذهم المالي لدى البنوك في إسطنبول، و ما زال رجال الأعمال الخمسة الأصليون في مجلس أمناء المستشفى مشاركين بقوة في تشغيلها.
وبالرغم من امتلاك تركيا لرعاية صحية عالمية فإنها لا تغطي كل النفقات المطلوبة في المستشفيات الخاصة، و لبعض الأسباب الطبية فمشاكل القلب و العناية المركزة و علاج العيون لا يطلب المستشفى خارج حدود المبلغ المقدم من التأمين الصحي العالمي، و بالنسبة لغير ذلك من النفقات فإن بعض الناس قادرون على تحمل دفع رسوم القطاع الخاص و البعض الآخر لا يمكنه، و للمرضي غير القادرين غالبا ما يدفع فواتيرهم داعموا كولن و أحيانا ما يرافق الداعم المريض و يطلب أن ترسل الرسوم الزائدة عن التأمين له ليدفعها، و في حالات أخرى يرسل متبرعون مجهولون أموالهم لمساعدة المرضى المحتاجين و لا يعرف العاملون في المستشفى لا يعرفون من هم، و في حالات ثالثة يأتي المرضي في حاجة لرعاية طبية و لكن يقولون مقدما إنهم لا يستطيعون الدفع خارج التأمين الصحي الحكومي، و في هذه الحالة يحاول العاملون في المستشفى البحث عن متبرع قادر على المساعدة، و علقت مديرة الصحة العامة في المستشفى كريستين و هي خريجة جامعه هارفارد بقولها :
” نحن نملك شبكة دائمة من الأشخاص الداعمين للمرضي، و هذا النظام غير رسمي لكنه ناجح، و حركة كولن فعالة جدا في إدراك أننا مستشفى جديدة، و نحن بحاجة للوقوف على الأرض، و الداعمون لا يريدون تأخير إنجازاتنا، لذاك فهم كرماء جدا في دعمهم”.
وفي الخطة الإستراتيجية لمستشفى سما لا توجد أهداف مالية، و التركيز موجه نحو رضا الموظفين و المرضى، و لأنه مستشفى خاص فهو لجني الأرباح، و لكن الأرباح لا تذهب لرجال الأعمال الأصليين لتعزيز حافظتهم المالية، و لكنها بدلا من ذلك تذهب لتطوير و توسيع المستشفى و لتوفير رعاية أكثر للفقراء أو مساعدة مستشفيات أخرى لتبدأ و تنجح، أضافت كريستن ووافقها مجموعة من الأطباء عدة مرات في المقابلة بأنه إذا ما طورت مستشفى سما نموذجا ناجحا فإن اتباع كولن سيقومون ببناء مستشفيات أخرى تخدم مزيدا من المحتاجين بعلاجهم ورعايتهم في جو من الإنسانية و الرعاية.
و تختلف مستشفى سما عن باقي المستشفيات الخاصة و العامة في طرق أساسية :
1- توظيف الأطباء و العاملون و دفع رواتبهم.
2- استراتيجية التسعير.
3- معاملة المرضى.
وفي العديد من المستشفيات فإن الأطباء و موظفي الخدمة العامة مشغولون جدا، و كما علق طبيب بقوله : ” غالبا ما يعامل الطبيب المرضى بوصفهم أشخاصا مزعجين في المستشفيات العامة”، و استمر الطبيب قائلا : ” هناك شيء مختلف في هذا المستشفى فالناس يعملون ليس من أجل المال”، و لكن من أجل المرضى. و عملية التوظيف في مستشفى سما صارمة، و في حين أن الشهادات و الخبرة هامة مع كل من العاملين الطبيين و غير الطبيين فإن هيئة التوظيف و التعاقد مع الموظفين أيضا ” تبحث عن جوهر الأشخاص أكثر مما تبحث عن خبرتهم، فممرضة تستمتع بمساعدة الناس أكثر فائدة للمرضى من ممرضة عي تدريب عالي و لكنها لا تحب الناس”، و علق أحد الأطباء بأن عددا كبيرا من الثمانين طبيبا الموجودين في مستشفى سما ينتمون إلى حلقات كولن المحلية قبل توظيفهم، و الآخرون غير المشتركين في الحركة يريدون أن يعملوا في مكان إنساني و مبني على نموذج مدرسة كولن، و في كثير من الأحيان يأخذ الأطباء أجرا منخفضا في مستشفى سما، و لكن رغبتهم أن يكونوا جزء من طاقم عمل يعطي الأولوية لرعاية المرضي في أجواء داعمة تفوق حرصهم على المال، و على جانب آخر فبعض العاملين في الرعاية الصحية و الإدارية يعلمون أن مستشفى سما مستوحاة من فكر كولن و ما كان لهم أن يختاروا العمل بها ما لم يكونوا متوافقين مع الثقافة و الأجواء في المستشفى.
ومن بين 200.000 طبيب في إسطنبول يرتبط حوالي 2000 بحركة كولن وهم جزء من الحلقات المحلية للأطباء، و في أبريل عام 2008 ذهب 80 طبيبا مرتبطين بحركة كولن على نفقتهم الخاصة إلى جنوب شرق تركيا لرؤية المرضى دون أي أجر لمدة ثلاثة أيام، و تم نقل 130 من هؤلاء المرضى و معظمهم مصابون بأمراض القلب إلى مستشفى سما و علاجهم مجانا، و بالإضافة إلي ذلك فإن كل حلقات الأطباء المرتبطة بحركة كولن تعطي المال للحركة كما يفعل العديد من العاملين في المستشفى، و في الحقيقة فإن العاملين بمستشفى سما يدعمون مدرسة مستوحاة من فكر كولن في ألمانيا.
وتعالج مستشفى سما أيضا المدرسين في كل المدارس المستوحاة من فكر كولن في أي مكان في العالم بنفس حجم فواتير موظفي المستشفى، وهو تخفيض يصل إلى 80% من الرسوم المعتادة، و كما ذكرت كريستين أن ذلك يحدث لمساعدة هؤلاء المدرسين الذين ما يتلقون غالبا الحد الأدنى من الأجور و لا يستطيعون دفع التأمين الصحي الإضافي، لذلك ” فنود تكريمهم للعمل الذي يقومون به”، فعلى سبيل المثال في اليوم السابق على مقابلاننا أتي مدرس من مدرسة مستوحاة من فكر كولن في نيجيريا لعلاج من أمراض متعددة، و كامتنان للرعاية الصحية التي قدمتها مستشفى سما لهذا المريض و عد الوزير النيجيري بتقديم أرض لإقامة مستشفى مستوحاة من فكر كولن في نيجيريا. و قال أحد الأطباء الذين قابلتهم إن بعضا من مجموعة الأطباء الذين زاروا جنوب شرق تركا لتقديم الرعاية الطبية كانوا يخططون لزيارة إفريقيا لتحديد ما إذا كان من الممكن فتح مستشفى هناك على أساس النموذج الناجح من المستوحاة من فكر كولن مثل مستشفى سما الآن. و في الواقع فقد قال إن السيناريو المثالي سيكون في تدريب الأطباء و الممرضات في نظام كولن التعليمي و توظيفهم في مستشفيات مستوحاة من فكر كولن حتى يتثني للأهداف المستوحاة من فكر كولن أن تتخلل مختلف هذه المؤسسات .
ومن حيث تجربة المرضى للجو الفريد في مستشفى سما أعطت كريستين مثالا لعامل من ذوي الياقات الزرقاء الذي قال بعد عملية جراحية في القلب : ” لقد تعلمت هنا أنني بشر و لم أستطيع فهم قيمتي كإنسان حتى أتيت إلى هنا”، و أضافت أن المستشفى لديها شهادات كثيرة من هذا القبيل لكيفية رعايتها للمريض بطريقة تختلف عن العديد من المستشفيات الأخرى، و يأتي لمستشفى سما مرض من داخل تركيا و بلدان أخرى لمعرفتهم أنها مستشفى مستوحاة من فكر كولن، و يأتي آخرون لسماعهم أن المستشفى يوفر أعلى درجات الرعاية في جو يحترم المريض بوصفه إنسانا.

مستشفى ” بهار” في بورصا

بدأت مستشفى بهار كمركز طب في عام 1998 عندما قام مجموعة من رجال الأعمال بتوظيف 6-5 أطباء لإدارة عيادة طبية صغيرة، و بالإضافة إلى رجال الأعمال كان هناك دعم شعبي من العديد من أعضاء حركة كولن في ” بورصا” الذين أرادوا بناء مركز طبي، و تم شراء أول سيارة إسعاف من مال حلي نساء داعمات تبرعن به، و في عام 2004 افتتح أول طابق من المبني كمستشفى، و في الطابق العلوي من المبني المكون من 8 طوابق كانت هناك مدرسة مستوحاة من فكر كولن، و نقلت لاحقا ليتوسع المستشفى. واليوم يمتد في 8 طوابق مع 80 سريرا للمرضى و 53 طبيبا، و مجموع 400 من العاملين في المستشفى.
وفي جميع وحدات المستشفى فإن المعدات الطبية متقدمة تقنيا بما في ذلك وحدة القلب والأوعية الدموية و التي تم فيها تنفيذ أكثر من 700 عملية جراحية في القلب، و من ثمانية مستشفيات خاصة في المدينة فإن مستشفى “بهار” هو الثالث، و يؤدي نحو 10 آلاف عملية جراحية كل شهر مع بميزانية سنوية تبلغ 40 مليون دولار بمعدل ربح يبلغ 10 – 15% .
وشعار المستشفى هو ” الثقة في الطب”، و غالبا ما يشكك المرضي في تركيا أن الأطباء يصفون منتجات و أدوية لدوافع ربحية و ليس لمصلحة المريض، و من الملامح الرئيسية للمستشفى اعطاء الثقة للمرضى، فعلى سبيل المثال إذا أراد المريض رؤية طبيب عيون في إسطنبول ليستشيره في حالة عينيه و شك في التشخيص فإنه يأتي إلى ” بهار” بناء على نصيحة صديق قال إنه يستطيع أن يثق في الأطباء في هذا المستشفى.
ويصر المستشفى على أن يعامل العاملون المرضى مثل كأعضاء العائلة و يجعلوهم يشعرون كأنهم في البيت في، ويوظف العاملون و من ضمنهم الأطباء بناء على معايير كل من الكفاءة مشاركون في حركة كولن، أما النسبة الباقية ( 60% ) فليسوا جزء من الحركة و لكنهم يشتركون في قيمة وضع الرعاية الصحية للمريض أولا.
ولدى المستشفى القدرة على تحمل تكاليف المرضى الذين لا يستطيعون الدفع، و مذهب أطباء من المستشفى مرتين في الأشهر الأخيرة إلى جنوب شرق تركيا ووجدوا المرضى الذين في حاجة لعمليات جراحية و تم نقلهم إلى ” بهار” لتلقي العلاج. ولم يدفع هؤلاء المرضى مقابل ذلك، و تحت قيادة المستشفى وجدت جمعية تجذب الأطباء الذين يريدون فعل الخير على غرار “أطباء بلا حدود”، و معظم هؤلاء الأطباء جزء من حركة كولن، و أرسلت الجمعية 35 طبيبا من بورصا لمدينة في جنوب شرق تركيا و 40 لمدينة أخرى.
ويتماشى جدول رواتب الأطباء مع متوسط رواتب الأطباء في القطاع الخاص. و يصر المستشفى أن تدفع للأطباء رواتب كافية حتى لا يشغلهم الراتب فيركزون على الرعاية الجيدة للمرضي، بالإضافة إلى أن العديد من الأطباء ينتمون إلى الحلقات المحلية للأطباء، و من خلالها يتعهدون بدعم مالي لمشروعات متنوعة منها مشاريع الرعاية الصحية و المدارس و المنح الدراسية، و على سبيل المثال فإن طبيبا ممن قابلتهم و يجني 120000 دولار سنويا ولديه ثلاثة أطفال و يتعهد بنسبة 30% من دخله السنوي للمشروعات المستوحاة من فكر كولن وهو مبلغ يقدر بما قيمته 40000 دولار سنويا، و قال إنه يعرف أطباء يتعهدون بنسبة 50% من رواتبهم السنوية لتلك المشروعات، و قدر أن التبرعات من الأطباء في بورصا تدعم حوالي 600 منحة دراسية في العام، و كل واحدة مقدارها 1500 دولار ، و يبلغ مجموع التبرعات حوالي 900000 دولار سنويا، و أضاف قائلا : يدعم الأطباء أيضا مباني مدرسية محددة و مشاريع أخرى عند ظهورها.
وعلق عندما سألته لماذا يتم التبرع بمثل ذلك قائلا : ” أرى ذلك شكرا لله”، و بدأت تلك العقلية عندما كنت أقيم في منازل حيث يقيم الطلاب و تخرجت ورأيت رجل أعمال يتبرع بمبلغ ضخمن فأردت أن أتبرع بمثل ذلك المبلغ عندما تتاح لي الفرصة، لذلك فأنا أؤمن أنه شكر لله و أنه سيكافئ هؤلاء الذين يتصرفون وفقا لمشيئته.
وفي كلية الطب كان ذلك الطبيب يقيم في مساكن و بيوت الطلبة و لاحظ أن المال الذي يدفعه لا يكفي لتشغيل المنزل، ورأي عائلات تدعو الطلبة لتناول العشاء و تساءل من أين يأتي المال من أجل هذه الأنشطة، ثم رأى رجل أعمال يدعم هذه المنازل و دعوات العشاء و غيرها من المشاريع و أراد أن يكون على جانب من ذلك العطاء.

المصدر: هيلين روز ايبو، ترجمة مروة يوسف، حركة كولن تحليل سوسيولوجي لحركة مدنية جذورها الإسلام المعتدل.

ملحوظة: هذه المؤسسات الطبية تمَّ مصادرتها من قِبل الحكومة التركية عقب الانقلاب المزعوم.