وعظ كوجه تبه (11 مارس 1990م – أنقرة)

كنتم وما زلتم مصدرَ أملي ومصدرَ أمل الجميع. عند النظر إلى وجوهكم المشرقة، أرى أن الله تعالى يُنطق بكم حتى الخُرس، ويحيي القلوب الخامدة. أسأل ربي أن يجعل حماستكم وحبكم هذا وسيلة ليشملني برعايته. وأسأله تعالى أن يجعل حديثي وفق مرضاته لا لأهوائي ورغباتي. وألا يشغلني بما لا يفيد في هذا المقام.

أمة محمد مثقلة بالهموم. أستحي أن أدعي أنني مهموم، لا أحسب نفسي مهمومًا. مع أني قليلاً ما ضحكت في حياتي.

أتدرون من المهموم؟

إنه مَن يهيم على وجهه بجنون، ويطرق الأبواب بأنين. يئن كالأنبياء العظام، وكالسائرين على دربهم من السلف، والأولياء الكرام، والأصفياء العظام، والمقربين والأبرار. لا أعدّ نفسي مغمومًا، ولكن أعترف بأن وجودي بينكم من أكبر نعم الله عليّ. وعدم الاعتراف بهذه النعمة هو جحود لها، ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾.

أحمد الله وأثني عليه آلاف المرات. أحمد الله تعالى أن أحيا هذه الأجيال المؤمنة في هذه الأراضي القاحلة من جديد. له الحمد والثناء أن منَّ علينا بهذه الأجيال المباركة. في وقتٍ تتصاعد فيه ألسنة النيران إلى السماء، وفيها يحترق إيماننا وأبناؤنا، ويُمنع مَن يسارع إلى نجدتهم وإنقاذهم.

له الحمد آلاف المرات أن أذاب الثلوج، وعلَّم جبال الجليد كيف تذوب وكيف تكون مصدر حياة. له الحمد والثناء أن أرشد الأمم الأسيرة إلى سبل الحرية، له الحمد والثناء أن فك السلاسل من الأقدام والأغلال من الأعناق.

له الحمد والثناء أن هيأ السبل المؤدية إلى تلك العظمة المبهرة منذ عصور وسخرها لنا من جديد.  صلاة وسلامًا على من أحيا حبُّه قلوبنا في هذا الطريق، وأحسسنا بوجوده بيننا عند كل حديث، وشعرنا بيده الشريفة تمسح على ظهورنا فانفعلنا وارتوينا، واستنجدنا فقلنا “أخرجنا أيها النبي من حالتنا التعيسة هذه”.

الصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى عدد ذرات الكون.