لإنجاح المشاريع، أيًّا كان طابعها، لا بد من وجود القيادة التي تباشر الإشراف على إدارة تلك المشاريع، ومتابعة مراحل التنفيذ؛ ذلك لأن التقدم في العمل، وضمان الدقة في الإنجاز، يقتضي العين الساهرة، والعقل اليقظ، واليد الصناع، والتدبير الحكيم القادر على إيجاد الأرصدة الوفيرة لتغطية أي مصروف تستلزمه الخطة ويكتمل به البنيان.

باعتبار أن العمل ليس واجبًا ينهيه الإنسان وكفى، بل هو قُربة يتقرب بها العبد لربه، وتزكية يترقى به الشعور، ويكتسب مزيدًا من معاني الاحتساب والسمو، فكل إنجاز هو خطوة على سلم العروج.

 توصيات “كولن” بشأن الهيكلة والقيادات:

لما كانت إدارة المشاريع، فضلاً عن التخطيط لها، أمرًا حاسمًا ودقيقًا، يتوقف عليه مصير تلك المشاريع ذاتها، كان إشكال الهيكلة من أبرز ما شدد عليه كولن، وكرر التوصيات بشأنه، بل لا نحسبه أغفل الحديث عن الهيكلة في سائر ما كتب؛ ذلك لأنه نظر إلى مسألة التأطير والتسيير ليس فقط على أنها نشاط تقني وأدائي يتم بالكيفيات الاعتيادية التي تتأدى بها الأعمال العادية، أي ببذل الجهد الذي يقتضيه التخطيط، أو الذي تُمليه توجيهات الخبرة، وحسب، بل لقد نظر إليها على أنها من صميم الجهد الروحي والتعبدي الذي يجعل الأعمال تتم في أكمل ما يكون الكمال، باعتبار أن العمل ليس واجبًا ينهيه الإنسان وكفى، بل هو قُربة يتقرب بها العبد إلى ربه، وتزكية يترقى به الشعور، ويكتسب مزيدًا من معاني الاحتساب والسمو، فكل إنجاز هو خطوة على سلم العروج، وبذلك يضحى الأداء إنجازًا يسلك صاحبه في دائرة أهل التميز، فهو فنان دافق الحس، رهيف اللمسة، وهو صوفي روحاني الذوق، نوراني اللقطة.

لإنجاح المشاريع، أيًّا كان طابعها، لا بد من وجود القيادة التي تباشر الإشراف على إدارة تلك المشاريع، ومتابعة مراحل التنفيذ.

في حياة المؤمن المحتسب هامشٌ ميمون من عشق وعذوبة، يجعل كل أمر ينجزه، يخرج من يديه وهو في صورة تحمل طابع التميز والمخصوصية التي هي -في الحقيقة- صدًى ملموس لذلك العشق، وأثر مرسوم لتلك العذوبة التي تتوفر لروحه، الأمر الذي يُضفي التفوق والملاحة والمقبولية على كل ما يفعله المؤمن، حتى كوب الماء؛ إذا ناولك إياه، روَّاك وأمْرَاك.

لا ريب أن مما ساعد الأستاذ “كولن” على رسم المقاييس الوافية، والمعايير الفعّالة التي تأخذها شخصية الإطار المسؤول القائم على تنفيذ الخطط والمشاريع – سيرةُ حياته هو بالذات؛ ذلك لأنه شبَّ وتدرج في أطوار العمر مديرًا لحياته التي خرجت في كلياتها وتفاريقها عن النموذج الحياتي العادي.

—————————————-

المصدر: سليمان عشراتي: “الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن”، دار النيل للطباعة والنشر، ط 2، 2013، ص:217-219.

ملحوظة: عنوان المقال والعناوين الجانبية من تصرف المحرر.