بناء الإنسان المسلم هو غاية الغايات التي تستهدفها بيداغوجية الأحياء التي يتبعها الأستاذ كولن، إذ بواسطة جهود الإنسان وبيده وعقله تتغيّر الأوضاع نحو الأحسن شريطة أن يكون الفكر سليمًا والرؤية مرشدة والتقديرات موزونة.
بناء الإنسان المسلم هو غاية الغايات التي تستهدفها بيداغوجية الأحياء التي يتبعها الأستاذ كولن.
والإنسان شاد المدنيات الفسيحة وهو يجهل طريق الإيمان الحق، حيث لبث يتعبّد بحسه وانْجذابه إلى قيم الإعلاء بوازع الفطرة الروحية فيه فقط، وذهب في التوسّع بالكمالات المرفقية كل مذهب دون أن يقر بألوهية الخالق الفرد رب العالمين، دافعُه في صنع ذلك التعمير الفطرةُ والنّزوع نحو الأرقى والأكمل. ولا ريب أنه توفَّقَ إلى أن يفعل كل ذلك بفضل ما أودع الله فيه من انجذاب جِبِلِّي نحو الحسَن، وتلك هي الميزة الفارقة التي امتاز بها الإنسان عما سواه من المخلوقات، إذ كمّل الله خلقته بما أودع فيه من روحه. وبتلك النفثة الروحية فتئ الإنسان -ضالاّ ومهتديا- يحقّق ما يحقق من الإنجازات الباهرة. إنه الكائن الوحيد الممارس للتعمير والتحضير، لأن الله هيّأه بالفطرة السوية لفعل الخير، وجعَله الجنس الأرقى الذي تنتهي إليه تعاليم السماء بواسطة المصطفَين من الأنبياء والرسل، تُرَشِّدُه وتهديه سواء السبيل.
لقد توخّت الرسائل السماوية وفي مقدمتها الرسالة الخاتمة -الإسلام- أن تلقّن الإنسان شروط الاستقرار المدني والدوام الحضاري، ليس بالوعد بإقامة مملكة الله على الأرض، ولكن بتعريف الإنسان بالعوامل الضامنة للاسترسال في الزمان والمكان، تلك الشروط المتمثلة في مزاولة العمل الصالح القائم على دعائم الشرع الحنيف، تعميرا للكون، واستبحارا في زرع الخيرات، والمضيّ على الدرب الإيماني، إلى أن تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومَن عليها، وعندئذ يقف الإنسان موقف المحاسب أمام ربّه، فإما نعيمًا مقيما وإما عذابًا مخلدًا.
إن أهمية الإيمان بالخالق، واتباع تعاليمه، تضمن دوام عافية الإنسان الروحية.
إن التجرد من الإيمان العقدي (السماوي) لا يقعد بالإنسان عن البناء والترقّي المادي، إنما مغبة المضي في الاستنامة إلى مدنية اللاّإيمان بالله والانخداع بها، مغبةٌ وخيمة، ومصيرُها فنائي، كارثي، درامي. وإن مسار مدنية العصر الراهن، المعتدَّة بتكنولوجيتها وبفتوح العلم المتواصلة، لا يفتأ يشير لكل ذي عينين، بالمصير المشؤوم الذي تنقاد إليه الإنسانية رغم البقية الباقية من الجسور التي لا تزال تربط أوساطا متناقصة في المجتمعات المتطورة، بالدين، إذ الخطر آتٍ من قِبَلِ الرجحان المطَّرد لكفة الكفر على كفة الإيمان، الأمر الذي سينتهي حتما باتساع الهوة بين طريق الرشد (المهجور) وبين طريق الضلال الذي تسلكه المدنية اللاّدينية، وهو ما سيجعلها تخرج نهائيًّا عن الجادة، وترتطم بالصخرة، وتلقى مصير الأمم البائدة.
إن أهمية الإيمان بالخالق، واتباع تعاليمه، تضمن دوام عافية الإنسان الروحية، شرط السكينة والاستقرار، وتضمن كذلك سلامة مدنيته واسترسال الحياة على خط من السكينة والحفظ الإلهي لا تشقى معه الإنسانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة: عنوان المقال من تصرف محرر الموقع.
المصدر: الانبعاث الحضاري في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ2، 2013م، ص60 ــ 64.
Leave a Reply