أدعو الله ألا يوقع أحدًا في الكذب، ذلك أن الكذب يتحول إلى طبع في هذا الإنسان، يقوله أحدهم، فيصدقه الآخر، وتنخدع الجماهير، ويصعب على الإنسان أن يعرف من كان صديقه قبل فترة، والكذب يلد كذبا آخر، يقع الإنسان في شباك الكذب الموالي بينما هو يحاول التخلص من الأول، وفي نهاية المطاف يتحول الكذب لدى الإنسان إلى عادة، عافانا الله وإياكم، فيصبح أسيرا للكذب، حتى يلجأ إليه وإلى المبالغة في أبسط الحوادث.
ومثال ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب أَرْدُوغَانْ ألقى خطابا أمام قاعة فارغة بمقر الأمم المتحدة، أسفت لذلك؛ فلا يمكن عدم التأسف، إذ كان بوسع تركيا أن تصبح مثالًا للعالم بديمقراطيتها وهويتها الإسلامية، ولكن تغيرت وجهتها، وصارت دولة معزولة ذات نظام قمعي، من حقنا أن نتأسف لأن ذلك من طبع الإنسان، لكن هل من المعقول أن ينشر بعض وسائل الإعلام صورة أخرى وكأن أَرْدُوغَانْ يتحدث أمام حشد كبير؟ فضلًا عن أنهم سعوا لترك انطباع جيد لدى القراء، هذا عيب، غير أنه ليس مفاجئا، ذلك أنهم لا يتورّعون عن الدعاية السوداء منذ شهور عديدة وهم يعلمون أن ما يقولونه كذبا، ولا يعتذرون عن ذلك، فهل سيعتذرون اليوم بسب لجوئهم إلى صحافة القص واللصق إذ أن هذا أمر تافه بالنسبة إليهم مقارنة لما سبق؟!
للأسف فإن إعلام “الأبواق” الموالية للحكومة ولّد آلة كبيرة للكذب والافتراء على مدار الشهور التسعة الماضية[1]، والولادة لم تكن سليمة فنحن أمام مخلوقٍ شاذ ممسوخ، وإذا عددتم أكاذيبهم فستحصلون على موسوعة لا ينقص فيها شيء، فمن ناحية يتهمون حركة الخدمة بالعمل لصالح جهاز الاستخبارات الأمريكي (سي آي ايه)، ومن ناحية أخرى يصفقون لهذا الجهاز حتى تحمر أكفهم، ويشتكون الحركة له، وقد انتقل هذا الأداء “الرائع” (!) إلى مانشيتات الصحف، فنرى مع كل شفق جديد إعلانات عديدة لإقرار الكذب، والأخبار الكاذبة لهؤلاء تنافس الأفلام الكوميدية، فعلى سبيل المثال خرجوا علينا بقولهم “أجريت لقاءً مع نعوم تشومسكي”، وأكسبوا اللغة الإنجليزية مصطلحًا جديدًا، ألا وهو “Milk port” أي ميناء الحليب، ثم يصفقون! في حين أن تشومسكي كذّب الخبر، لكن هذا غير مهم، فيكفي هذه الصحيفة أنها أضافت مصطلحًا جديدًا إلى خزينة المفردات الإنجليزية القاصرة (!)، وكذاب تنقصه الخبرة حاليا أجرى لقاء مع مراسل يعمل بقناة “سي إن إن” الأمريكية دون أن يرى حتى وجهه، أي في عالم الخيال، ومدير التحرير لصحيفة تسمى”أَكْشَامْ” افترى على صحيفة “زمان”، وقلنا له مرات عديدة: “اثبت صحة هذه الادعاءات أو قدم اعتذرًا إذا كان لك شرف وعفة أو عزة!” لكنه التزم عدم الرد على هذا الطلب، فبماذا تفكرون في هذا الرجل؟
لقد ادعى أحد الصحفيين المأجورين من أصحاب الرؤية القاصرة أنه وصل إلى المعلومات الشخصية الخاصة بالأستاذ فتح الله كولن، وحرّف اسم والدته “رابعة (Rabia)” وغيره إلى “رابين (Rabin)”، وعندما ظهر كذبه، هل استحيا من ذلك؟ مستحيل! وهل تبقى يا ترى نبذة من الحياء عند رجل حطم الأرقام القياسية في الافتراء ونشر عشرات الأخبار الكاذبة؟
مئات من الأكاذيب والتشويه والافتراءات…
لم يتعبوا من كتابة الأكاذيب على مدار أشهر، ولم نتعب نحن من الكشف عن حقيقة أكاذيبهم، ويبدو أن الوضع سيستمر على هذا النحو، غير أنه سيكون لدينا مفاجآت في فترة النشر الجديدة إلى أولئك الكذابين ومصفقيهم، وهناك حسابات لن تصفى إلا يوم القيامة الذي سيبحث فيه الكذابون والمفترون عن مفر، ولكن أين المفر؟!
“لا بدّ للقانون أن يعامل الجميع بالتساوي، كأسنان المشط، بغضّ النظر عن النسب والعائلة والانتماء السياسي وعلاقات القرابة وما إلى ذلك، فإذا اعتُبر أحدهم “أكثر خصوصية وامتيازًا“، سيستشري الظلم وتتزلزل مشاعر الثقة بالعدل من جذورها“.
[1] من تاريخ كتابة المقال.