موضوع الإصلاح قضية قديمة جديدة، ينطبق عليها قول الأدباء أنها من السهل الممتنع. فالحديث عن الإصلاح لايكاد يخْل منه مكان أو مجتمع أو زمن. لذلك عمّت صوره ومظاهره كلا من العالم الغربي والشرقي على حدٍّ سواء. أما في العالم الغربي فقد تجاوزت جانبا من الأزمة في شقِّها المادي، لكنها مازالت تعاني من اختلالات جوهرية هي سبب تخبّطها اليوم في البحث عن النموذج الأمثل للتقدّم.
أما في العالم الإسلامي فلازلنا نتلمس الطريق تائهين بين ركام الشعارات والبرامج الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، كلٌّ يدعو إلى ما عنده وكلٌّ يدَّعي ركوبه صهوة الإصلاح من بابه العريض؛ و بذلك يصدق فينا قول القائل:
وكــلا يـدعـي وصلا بليـلى وليتلى لاتقـر لهـم بذاكـا ** إذا اشتبكت دموعٌ في خدودٍ تبين من بكى ممن تباكى.
المتتبع للتقارير الدولية المحايدة والمعتبرة سيهوله حجم الانتكاسة التي عرفها النموذج الإصلاحي السياسي المتمثل في التجربة التركية المعاصرة.
وقد اقترن مفهوم الإصلاح في مطالب العالم الإسلامي للنهوض بمضمونه الجهادي الواسع. فغالبا ما ارتبطت هذه المطالب بالعالم الغربي؛ إما تأسِّيا بخطاه أو تحذيرا منها، أو تأليفا بين هذا وذاك. إلا أن البحث عن نموذج للإصلاح جديد، يتجاوز كل المقولات السائدة كان عزيزا. لذا أصيبت جلُّ مشاريع الإصلاح بشللٍ غير معلوم الأسباب. وبات التخبُّط بين مجالات الإصلاح وأيُّها أحق وأولى سمةً غالبة في كل المشاريع. إلا أن الإصلاح السياسي أصبح عنوان المرحلة الراهنة. فبعد ما كانت الأنظار متّجهة صوب عدد من الدول مثل إندونيسيا وماليزيا والجزائر ومصر وتونس أصبح اليوم أو يكاد يراهن على التجربة التركية. وقد انخدع الكثير من الناس وخاصة المهتمين بالتجربة منهم، بالصور المشرقة التي رسمتها الدولة التركية في العقدين الأخيرين. إلا أن النكسة الديمقراطية والحقوقية التي تعرفها الحكومة الحالية أصبحت آثارها بادية على كل المجالات. ولعل المتتبع للتقارير الدولية المحايدة والمعتبرة سيهوله حجم الانتكاسة التي عرفها النموذج الإصلاحي السياسي المتمثل في التجربة التركية المعاصرة. وهذا الذي يفرض طرح السؤال القديم الجديد: ما هي تحديات الإصلاح ومعيقاته لدى الحركات الإصلاحية المعاصرة؟
نظرا لما تكتسيه تجربة حركة الخدمة من أهمية وخصوصية، فإن النظر إلى التجربة الإصلاحية لهذه الحركة قد يكتسي أهمية خاصة، نظرا لما يميّز مشروع الحركة من سمات قلَّ نظيرها عند غيرها. ذلك لكون تحديات الإصلاح كثيرة وعوائقه متداخلة وهذا الذي جعل جهود الحركات الإصلاحية اليوم بمثابة الذي يجري وراء السراب.
فإلى أي حد استطاعت حركة الخدمة تجاوز التحديات التي عصفت بالمشاريع الإصلاحية عند غيرها من الحركات؟
وكيف استطاعت حركة الخدمة تحدّي العوائق التي شلّت حركة غيرها؟
في العالم الإسلامي لازلنا نتلمّس الطريق تائهين بين ركام الشعارات والبرامج الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، كلٌّ يدعو إلى ما عنده وكلٌّ يدَّعي ركوبه صهوة الإصلاح من بابه العريض.
إن الجواب عن هذه الأسئلة يصلح عناوين لأطروحات جامعية عالمية، وهي بالفعل توجد ضمن مباحث عدد من الأكاديميين والدارسين والمهتمين بالفكر الإصلاحي في العالم اليوم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا. فالإنسانية المعاصرة قاطبة تتخبط في مشاكل وقضايا قد تعصف بالأمن الدولي وتؤثّر على الوضع البشري في كل أنحاء المعمور. فإذا كان تحقيق الأمن بين الناس هو غاية رسالات الأنبياء وأمل كافة المصلحين، فإن مشروع حركة الخدمة عزّ نظيره في هذا المجال.
لكل تلكم الأسباب أقول: كيف استطاعت حركة الخدمة تحدّي العوائق التي شلّت حركة غيرها من الحركات؟
(يتبع)