في ثوب جديد كعادتها أطلت مجلة حراء بعددها (75) تحمل على عاتقها أمانة التمسك بمعالم الاهتداء، وبيان معالم الطريق، وتعمل على بناء الإنسان فكرًا وروحًا من خلال تنوع المادة التي تنشرها، إيمانًا من القائمين عليها بدورها الريادي الذي يجب أن تقوم به في بناء صرح الحضارة الإنسانية الجديد.

جاءت افتتاحية العدد بالمقال الرئيس للأستاذ فتح الله كولن بعنوان (الفؤاد)، حيث أكَّد أن الفؤاد هو أهم عناصر الإنسان وأخطرُها، وهو تعبير عن وجوده المعنوي، وهو منبع مشاعره وعقائده، وهو الطريق المؤدي إلى آخر نقطة من أعماق الإنسان، وهو في الوقت نفسه أول نقطة انطلاق إليها.. وأن الذين يسيرون في طريق القلب ويُحلِّقون بقلوبهم لا يعرفون الظلام ولا يتعثرون بشيء.

وفي باب (العلوم) نُشرت في هذا العدد أربع مقالات حلَّق بنا أولها (خيالات الماضي وحقائق الحاضر) في عالم الخيال متحدثًا عن الذين تحوَّلت أفكارهم وخيالاتهم إلى واقع حقيقي، وأنه بات يُنظر إلى أدبيات الخيال العلمي على أنها تحمل وجهات نظر فلسفية لنظريات علمية واختراعات تكنولوجية قد تتحق مع الوقت.

وكعادته في باب العلوم يُتحفنا الأستاذ الدكتور محمد السقا عيد بمقال غاية في الأهمية؛ يتناول فيه التعريف بمرض خطير يُصيب العين بالعمى تدريجيًّا دونما شعور من صاحبه، ألا وهو مرض “الجلوكوما”.

ومن أكثر المقالات تميزًا في هذا العدد، ما كتبته باربرا بويد والذي حمل عنوان “كلمة السر في الرؤية التربوية للأستاذ كولن، حيث أكدت أن المعلم هو كلمة السر في تلك الفلسفة، حيث لم يعد يُنظر للمعلم على أنه مجرد ناقل للمعلومات أو محاضر؛ بل هو مربٍّ يبحث عن طريق إلى قلوب الطلاب، قادر على ترك بصمة لا تُمحى من عقولهم.

وفي باب الثقافة والفن، يُثري هذا العدد الكاتب مجيد الحداد بمقاله الماتع “العمران أسمى وظائف الإنسان”، والذي أكَّد فيه على أن وظيفة الإنسان الوجودية، والتجسيد العملي لأمانة الاستخلاف التي عجزت عنها كل الحلائق تتمثل في العمران أو التعمير والاستعمار، ومؤكدا في ذات الوقت على العلاقة الوثيقة بين الإيمان والعمران، وأن العمران يتولد من رحم الإيمان والعمل الصالح المتقن، معرجًا في الوقت ذاته عن ملامح العمران في القرآن.

بالإضافة إلى العديد من المقالات، التي تستحق بالفعل أن يُحلِّق الإنسان في آفاقها، ويسرح في خيالاتها؛ لأنها ستثري فكره وتعمق أفقه، وتشحذ هممه، وتغذي روحه.