يمثل السلوك الخلقي الصورة العملية للإسلام، لكن واقع المسلمين اليوم لا يعكس هذه الصورة المشرقة للإسلام؛ مما كان له كبير الأثر في الصدّ عن رسالة الإسلام الخالدة. والأستاذ فتح الله كولن يعيش بهدف إحياء الأمة ونشر رسالة الإسلام الخالدة، لإنقاذ البشرية مما تعيش فيه من شقاء، لذا جعل القيم والأخلاق في صلب اهتمامه؛ فالقيم والأخلاق أحد أبرز أركان مشروعه الحضاري، إضافة إلى الاقتصاد والتعليم.

ومن هنا كانت الأخلاق هي السمة الأبرز لمشروع الخدمة، حيث تبرز هذه السمة بوضوح من خلال زيارة واحدة لأي مؤسسة من المؤسسات التي تستلهم أفكارها من الأستاذ كولن، أو من خلال أي شكل من أشكال التعامل مع أحد المتطوعين في الخدمة. فالأخلاق المنضبطة شرط أساسي عند الأستاذ فتح الله كولن، وهي الديناميكية الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها ولا فصلها عن فكره الديني، ولهذا احتلت الأخلاق هذه القيمة في فكره ومشروعه الحضاري.

يعرف الأستاذ فتح الله كولن الخلق بقوله: «الخُلُق يأتي بمعنى رسوخ الدين، والعيش به وامتثال القرآن دون خلل»(1). ويستدل في تعريفه بجواب أمِّنا عائشة ، عندما سُئلت عن خلق رسول الله ، فأجابت: «… كان خُلُق نبي الله  القرآن»(رواه مسلم). كما يستشهد بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(القلم:4)، ويشرح الأستاذ فتح الله كولن قائلاً: «الآية الكريمة تذكر بالذات الإلهية، لأنه هو المتكلم، ويشهد بالخلق العظيم لرسوله ، ثم تبين الآية مصدر هذه الأخلاق، وأنها قرآنية تجلت وظهرت على سيد الخلق ، وهي أخلاق لا تقاس بأي نظام آخر إطلاقًا.»(2).

يُعرّف الأستاذ فتح الله كولن الخلق بقوله: “الخلق يأتي بمعنى رسوخ الدين، والعيش به وامتثال القرآن دون خلل”، وفي هذا التعريف يظهر مدى ارتباط العقيدة بالأخلاق.

يعتبر تعريف الأستاذ فتح الله كولن للخُلُق؛ تعريفًا جديدًا مع أن فيه تناسبًا مع تعريف ابن مسكويه(3)، فالحال الداعية للنفس إلى أفعالها من غير روية ولا فكر تنم عن صدور هذه الأفعال عن الإنسان بشكل مستمر يشبه الطبع الذي فطر عليه الإنسان، وقد فطر الله الإنسان على ملة الإسلام، والأستاذ يهدف من تعريفه للأخلاق بأنها: الرسوخ في الدين والعيش به وامتثال القرآن دون خلل؛ أن يصبح الدين مستقرًّا في القلوب والنفوس بحيث لا يصدر عن المسلم إلا ما يوافق هذا الدين، فيعيش بالقرآن ويتمثل أمر القرآن، وفي هذا التعريف يظهر مدى ارتباط العقيدة بالأخلاق وفيه دعوة للناس للارتقاء بأخلاقهم من خلال تمثل هذا الدين حتى تصبح الأخلاق ملكة عندهم»(4).

علاقة الأخلاق بالعقيدة (الدين)

لا يمكن بناء الأخلاق باعتبارها مبادئ إلا على أساس العقيدة (الدين)، ومع ذلك فالدين والأخلاق متغايران بوجه ومتداخلان بوجه آخر(5)، فالأخلاق بوصفها ممارسة عملية أو حالة من السلوك يمكن تصورها بغير دين، أما الأخلاق الثابتة بوصفها مبادئ فلا يمكن وجودها بغير دين، ذلك أن الذي يربط بينهما هو «العالم الأسمى» كما يسميه الدكتور «علي عزت بيجوفيتش» العالم الآخر. ويظهر هذا الثبات في الممارسة العملية التي تستند إلى ثبات داخلي مبني على عقيدة أو دين. ويرى«بيجوفيتش» أن الإلحاد يؤدي إلى إنكار الأخلاق، وأن أي بعث أخلاقي حقيقي لا بد أن يبدأ بيقظة دينية، لأن الأخلاق هي دين تحول إلى قواعد للسلوك؛ أي: تحول إلى مواقف إنسانية تجاه الآخرين وفقًا لحقيقة الوجود الإلهي(6). ويتساءل «د. بابا عمي»، عن إنسان فقير وجد ظرفًا فيه نقود كثيرة وعليه عنوان صاحبه، وهو في حاجة إلى هذه النقود، وقد كان في مأمن من العقاب الدنيوي، يتساءل عن هذا الفقير إذا أعاد هذه النقود إلى صاحبها، هل يمكن أن يكون منطلقه في هذا السلوك «الخُلق» غير الدين؟!(7). نعم هذا الموقف لا يمكن تبريره إذا كان هذا العالم هو العالم الوحيد، وهذه هي النقطة التي تعتبر منطلق العلاقة بين الدين والخلق. ويرى الأستاذ «أنس أركنه» أن الخلق والدين لا ينفصلان عند «الأستاذ فتح الله » وأن الدين هو الذي يقوم بتغيير الأخلاق في المجتمع، فهو يحدث عن نفسه إذا اجتمع مع الأخلاق، ولا يجوز أن يصبح الدين مجرد عادات كإطلاق اللحية مثلاً(8). وقد أسلفنا تعريف الأستاذ فتح الله كولن للخلق وهو: «رسوخ الدين والعيش به وامتثال القرآن دون خلل».

من أمهات الفضائل التي حث عليها الأستاذ كولن: الارتباط برضى الله تعالى، والتسامح والحرص على صيانة المجتمع، والإخلاص، وعدم طلب الأجر إلا من الله، والابتعاد عن الخلاف، وعدم معادة أحد.

ويبين الأستاذ الدكتور «الشاهد البوشيخي» أن الدين في طبيعته تطبيقي وليس نظريًّا أو فكريًّا، بل هو أعمال وأفكار تظهر في سلوك وعمل، لذلك كان أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، فالدين الذي لابسه وخالطه الخُلُق يجعل الإنسان أكمل المؤمنين إيمانًا على الإطلاق(9). وقد ركز مفكرنا كولن على العلاقة بين الدين الحق -الإسلام- والخلق ومن ذلك قوله: «إننا نحتاج إلى الإسلام حاجتنا لمصدر غذائنا -حليب أمهاتنا- فهو الذي يوجه مشاعرنا وأفكارنا ويقوّمها، ويصبغ سلوكياتنا بصبغته، وهو صاحب القول الفصل في حياتنا الفردية والعائلية، كما أنه مصدر الحلول المتوازنة في مسائل الحق والعدل والمساواة وسائر القيم، حيث ربطنا به من أعماقنا، وجعل هذه القيم العالمية نقطة التقاء بين سعادة الناس ورضا الحق تعالى، فحقق إرادة الله تعالى ومطالب البشر في آن واحد»(10). كما يرجع الأستاذ الإباحية -وهي من القيم السلبية- إلى الإلحاد فيقول: «قاد الإلحاد إلى الإباحية الخلقية -الثورة الجنسية- فقد تم تبني نظرية التطور كأيديولوجية -مع سقوطها علميًّا- لأنها النظرية التي تؤدي إلى الإلحاد، ومن ثم الإباحية الأخلاقية، لأن الإنسان ما دام سليل حيوانات فما عليه إلا اتباع غرائزه وعدم كبتها، وما الخلق والضمير إلا قشور صنعها المجتمع لا تستحق الالتفات إليها». فحاولت هذه النظرية البرهنة على حيوانية الإنسان، ولهذا تم قبول النظرية الماركسية التي ترى أن الهم الوحيد للإنسان هو حاجاته المادية ونظرية فرويد التي أرجعت جميع نشاطات الإنسان إلى الغريزة الجنسية، فأخرجوا هذه النظرية -نظرية دارون- من كونها نظرية علمية قابلة للخطأ والصواب، إلى أيديولوجية يدافع عنها أنصارها، لا يترددون في عمليات تزوير مشينة علميًّا وأخلاقيًّا، على خلاف النظريات الأخرى التي تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة.

إن الدين هو الذي يغير الأخلاق في المجتمع، فهو يحدث عن نفسه إذا اجتمع مع الأخلاق، ولا يجوز أن يصبح الدين مجرد عادات كإطلاق اللحية مثلا.

إن السبب في إرساء مكارم الأخلاق هو الثقافة الدينية، لذا يقول الأستاذ فتح الله كولن: «الدين هو شعلة ثمرات النجاحات التي حققها المسلمون الرواد عبر التاريخ في المستوى الحضاري، والأخلاقي، وفي جميع المستويات، هذه النجاحات تبدو وكأنها خوارق، بدافع من قوى غامضة خفية، بينما يمكن إرجاعها إلى مرجعية أساسية وحيوية، ألا وهي هويتنا الذاتية، وشخصيتنا المعنوية التي نهلت من روح الدين، وتغذت بجوهره، وتشبعت بحقائقه الخالدة»(11). ويرى الأستاذ فتح الله : «أن الدين يرفع القيم الإنسانية إلى الأعلى، وعلى المسلم أن يتحلى بالأخلاق والقيم قبل تعليم الآخرين»(12)، فالإناء لا يفيض إلا إذا امتلأ. ويوجه كولن أنظار المسلمين إلى جيل السعادة، جيل الصحابة، الذين ارتقوا إلى مستوى «الإنسان الكامل»، بتمثلهم للقرآن والسنة على أرض الواقع، فحققوا القيم الإنسانية الكاملة، وصاروا قدوة لنا، فهم جذورنا المتوجهة إلى الخالق، بعبوديتهم للحق؛ انفتقوا من العبودية للهوى والقوة والشهوة، وتجردوا من الأخلاق السيئة، فعلينا اليوم أن نتمثلهم لأنهم أصولنا، وسيكون الآتون من بعدنا هم فروعنا»(13).

النظرية الأخلاقية في فكر كولن

لم يأت كولن بنظرية أخلاقية جديدة، فهو صاحب فكر عملي، ومشروع حضاري، إحيائي، إعماري، كوني، قرآني المنطلق والمنهج. نظريته الأخلاقية هي نظرية القرآن، وتطبيقاتها العملية: السيرة النبوية، وعمل الصحابة، ومن سار على نهجهم من التابعين وأتباعهم إلى يومنا هذا. تميزت النظرية الأخلاقية القرآنية؛ بمعالجتها لكل من جوانب العقل، والروح، والقلب، كما تميزت بالصعود نحو المثل الأعلى، لإنقاذ الفطرة، وهي في ذلك تخضع لقانون إلهي، يمنحها الحرية ضمن ضوابطه(14)، كما تقرر هذه النظرية المسؤولية الفردية، وتستبعد توريث العمل(15)، وتقر مبدأ الجزاء المتوازن الذي يسع الدنيا والآخرة(16). هدفها وغايتها ودافعها ونيتها ووجهتها في كل عمل: الهدف الأسمى والغاية المثلى رضا الله U(17)، ولم يتناول الأستاذ فتح الله كولن هذه النظرية الأخلاقية بأسلوب تجريدي؛ وإنما كانت إشاراته إلى هذه النظرية من خلال عرضه لفكره الدعوي، فمثلاً يشير الأستاذ فتح الله إلى فطرية الأخلاق، فيقول: «إذا انبثقت الأخلاق من الروح فإنها ستكون سامية، وستتصف بالبقاء، والذين لم يمتزجوا مع أرواحهم لن يحافظوا على بقاء هذه الأخلاق(18). ويقول أيضًا: «إن الإنسان يكون إنسانًا حقًا، إذا كان خاضعًا لأوامر قلبه مستمعًا إلى روحه»(19). وفي كلام كولن تأكيد على أن الفطرة السليمة إذا لم تتلوث من الخارج فإنها ستدفع الإنسان إلى التمسك بالقانون الأخلاقي الرباني؛ عندها يكون الإنسان إنسانًا بحق، يظهر في علاقته مع نفسه ومع الآخرين. وعن حاجة الإنسان إلى الدين لتحصيل الرقي المادي والمعنوي يقول الأستاذ فتح الله كولن: «إن توافق الإسلام مع طبع الإنسان ودفعه له نحو الرقي المادي والمعنوي، وانفراده بمكانة لا تدرك في الموازنة بين الدنيا والعقبى، كل هذا جعلنا نتنسم عبق معاني «الحق يعلو ولا يُعلى عليه»، ونفتح أعيننا ونغمضها على حقيقة قوله تعالى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾(الأعراف:128)(20). وكذلك كل تعاليم الأنبياء تخاطب الضمائر لتقنعها، ويمثل الأنبياء المثل الأعلى في تطبيق هذه التعاليم، ولهذا تميز القانون الأخلاقي الرباني بميزتين الأولى: عدم الإرغام، والتركيز على الإقناع واحترام العقل، والثانية: تقديم المثل الأعلى»(21). وإذا عدنا إلى نص الأستاذ فتح الله كولن السابق، نجده قد أشار إلى انسجام الإسلام مع طبع الإنسان وفطرته، ويرجع السبب في هذا إلى مصدر الإسلام، فهو الدين الحق من عند الخالق الذي خلق هذه الفطرة، كما أشار إلى حث الإسلام على ارتقاء المسلمين بأنفسهم ومجتمعاتهم معنويًّا وعلميًّا، ومن الأمثلة على ذلك فهمه للمعجزات وسبب تأييد الأنبياء بأنها وسائل إقناع لا إرغام وفيه أرضيات لإثارة العصف الذهني لهذا الإنسان للرقي والتقدم(22). أما عن دفعه نحو الرقي المعنوي فهو من خلال السمو الأخلاقي، حيث أعطى الإنسان الحرية والعقل وزوده بالمثل الأعلى -الأنبياء - فأصبح ملزمًا إلزامًا خلقيًّا، بعد اختياره، فالقيم تستمد من الوحي، والعقل، والمثل الأعلى، وهي مظاهر لحقيقة مصدر الإلزام الأخلاقي، فلا «خضوع مطلق» ولا «حرية فوضوية» ومن هنا يوضع الإنسان في مكانه الصحيح بين المادة والروح، يقول الأستاذ فتح الله كولن في هذا: «الفوضى ومن خلفها اللاأخلاقية، عرفتها الأرض مع بني البشر، عندما لم يسلموا طوع عقولهم لله، ولم يكبحوا جماح إراداتهم نحو الشر، ولم يفنوا مشاعرهم نحو الخير»(23).

وتحدث عن عقيدة الجزاء؛ التي تعتبر عقيدة في الديانات كلها، بما فيها الإسلام، كأثر مترتب على الإلزام والمسؤولية الفردية(24) فتحدث عن نعيم القبر وعذابه وعن الجنة والنار واليوم الآخر بكل نعيمه وعذابه، أما المسؤولية التي تترتب على الإلزام الخلقي، فقد أولاها الأستاذ اهتمامًا بارزًا ووضّح مفهومها، وركز على المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع والآخرين، وقد سمى الأستاذ كولن المسؤولية بـ «صدقة كينونة الإنسان وحكمة وجود الإرادة»(25).

الإلحاد يؤدي إلى إنكار الأخلاق، وأي بعث أخلاقي حقيقي لا بد أن يبدأ بيقظة دينية، لأن الأخلاق هي دين تحول إلى قواعد للسلوك.

وعن أهمية المسؤولية يقول: «السكون اسم رديف للانحلال والموت، أما ارتباط الحركة بالمسؤولية فهو البعد الإنساني الأول لها، ولا يمكن ادعاء الكمال في حركة أو نهوض من غير ضبطها بالمسؤولية»(26)، فهو يتحدث هنا عن المسؤولية الفردية والمسؤولية الأخلاقية بشكل عام تجاه النفس وتجاه الآخرين، ويجعل المسؤولية حكمة وجود الإرادة الإنسانية، إذ لو لم يكن الإنسان حرًا مريدًا فلا قيمة للمسؤولية، أما عن كونها صدقة الكينونة -كما يقول- فهو يشير إلى منّة الله علينا بالوجود والهداية، ثم التفضل علينا بالجزاء الأوفى مع أن الكل من عند المولى ابتداءً، والنص الثاني يشير فيه الأستاذ كولن إلى تحمل الأفراد والجماعات مسؤوليتهم لقاء حركتهم وجهدهم، لأن الله خلق الإنسان لمهمة الخلافة على الأرض، وهي التي تميزه عن باقي المخلوقات. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات:56). فعلى الإنسان تحمل مسؤوليته تجاه نفسه والآخرين ليستحق على ذلك الجزاء من الله، وينوه على أهمية التخطيط وعدم الفوضى والعشوائية في الوصول إلى الكمال والنهوض، ويعتبر المسلم مسؤولاً عن الفعل إذا بلغ وبلغته أحكام الدين وكان واعيًا لها أثناء سلوكه، إذا عقد النية على هذا الفعل، ومن هنا فلا توريث للعمل في الإسلام، قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾(الإسراء:15).

وقد وفّق الأستاذ فتح الله كولن بين الإرادة الإنسانية الحرة وقضاء الله وقدره، وأكد على حرية إرادة الإنسان، وأنها سبب مسؤوليته عن أفعاله، واستحقاقه الثواب أو العقاب، وقد أفاض الأستاذ فتح الله كولن في الحديث عن هذه المسالة في كتابه: «القدر في ضوء الكتاب والسنة»(27). وقد ركز الأستاذ فتح الله كولن على أهمية حرية الإرادة واستشهد بآراء المفكرين والفلاسفة، كديكارت الذي يقول: «لا قيمة للفكر ما لم يتمتع بالحرية»(28)، في محاولة منه لتأكيد حرية الفكر والإرادة، وأنها سبب المسؤولية بطريق العقل إضافة إلى الوحي، وأنه لا جبر على الإطلاق، كما يرتبط بالمسؤولية إضافة إلى الحرية من حيث تأثيرها في الثواب أو العقاب موضوع النية، والتي تمثل الهدف البعيد للعمل، وقد جعل القرآن الكريم رضا الله غاية أعمالنا، لهذا كانت النية بمعناها الأخلاقي تتجه إلى «التنزيه المطلق» الذي لا يوجد فوقه هدف، وهو رضا الله I.

الدين شعلة ثمرات النجاحات التي حققها المسلمون الرواد عبر التاريخ في المستوى الحضاري، والأخلاقي، وفي جميع المستويات.

يقول الأستاذ فتح الله كولن في معرض حديثه عن ورثة الأرض «ويعني بهم جماعة الخدمة الإيمانية» ومن سار على دربهم «أنهم يحملون المسؤولية تجاه حاضر الأمة ومستقبلها، مع التضحية، ونكران الذات، والصبر، وتحمل الأذى، كرجال الإطفاء الشجعان، يتلذذون بهذه العبودية لله، لا يبتغون سوى رضا الله تعالى والتحقق بمعاني الإخلاص المحض»(29). ويركز الأستاذ فتح الله كولن على المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع، ويسخر من العبارات التي تستهزئ بشعور المسؤولية مثل قول بعضهم: «الربان الماهر هو الذي ينقذ سفينته»(30)، ويقول: «ليس شيء من هذا يخطر على قلب مؤمن ثم يبين أنه لا يليق بشعورنا بالمسؤولية أن نستنكر عدم الشعور بالمسؤولية، ثم نمضي، لأن هذا جزء من الانحراف الفكري، وعلينا أن نحمل المسؤولية، ونبث الروح الجديدة في دنيانا مشبعة بالإيمان، وحب الإنسان والحرية، وتجهيز البيئة لترسيخ الجذور المعنوية(31). فلا بد من إصلاح هذا الانحراف «لتظهر آثار الشعور بالمسؤولية على علاقة العامل بالعمل، والزارع بالزرع، والمعلم بالطالب.. إلخ، ويتحقق كل ما كنا ننتظره منذ عصور»(32). ويرى الأستاذ كولن أنه لا بد من ضبط كل جهد بالمسؤولية؛ فطريقنا حق، وقضيتنا حمل الحق وغايتنا تحري الحق، لذا وجبت علينا صدقة الإرادة؛ وهي تحمّل المسؤولية والجهاد المعنوي، بالعلم والأخلاق والحق والفضيلة، فلنلم شعث أمتنا لنعيش معاني «الانبعاث بعد الموت» عن طريق الاتصال بلواء الحمد(33).

وإذا رفضنا تحمّل مسؤولياتنا سنقع أسرى الآخرين بل نصبح كالجمادات ويمثّل الأستاذ فتح الله كولن ببعض رموز المجتمع التركي، الذين تحمّلوا المسؤولية ولبوا النداء، فجعلوا كل ذرة في كيانهم في خدمة هذه المهمة، فجمعتهم عباءة المسؤولية، كبديع الزمان النورسي، ومصطفى صبري، ومحمد عاكف، وغيرهم، وينادي الأستاذ فتح الله كولن ورثة الأرض الحقيقيين للاقتداء بهم وتحقيق الشروط اللازمة لوراثة الأرض، وأبرزها: جعل الإسلام إحياءً للحياة بتحمّل المسؤولية تجاه النفس والآخرين، وبذل الجهد الذي تتطلبه الوراثة السماوية -الخلافة في الأرض- ليتحقق وعد الله بقوله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾(الأنبياء:105) (34).

الفوضى ومن خلفها اللاأخلاقية، عرفتها الأرض مع بني البشر، عندما لم يسلموا طوع عقولهم لله، ولم يكبحوا جماح إرادتهم نحو الشر، ولم يفنوا مشاعرهم نحو الخير.

الأستاذ فتح الله كولن قرآني المنهج، وقد كانت نظريته في الأخلاق هي نظرية القرآن؛ حيث يعتبر الوحي «القرآن والسنة» والمصادر التي تدور في فلكهما مصادره في الأخلاق، ومن خلال كتاباته نجده قد ركز على قضية فطرية الأخلاق، وأن القانون الأخلاقي أساسه مركوز في الفطرة البشرية، كما ركّز على دور الدين في تحصيل الكمال والرقي الخلقي، حيث يساند الدين الفطرة ويدعمها، كما يمنح أساسًا ثابتًا للحكم على السلوكيات، ويقدم القدوة والمثل الأعلى، إضافة إلى تقديمه للرؤية المتوازنة للدنيا والآخرة؛ حيث يجعل الإنسان بين الواقعية والمثالية؛ فيرتقي نحو الكمال بقدر وسعه وجهده وطاقته في الدنيا، ويثاب بحسب ذلك في العقبى، وينادي بضرورة الاعتزاز بهذا الدين الذي يوافق الفطرة، وينسجم مع العقل والقلب، ويمنح الجزاء العادل في الدنيا والآخرة، ولا يكلف الإنسان إلا بقدر طاقته، وإن زاد على ذلك فهو كمال يستحق عليه مزيدًا من الثواب، كما يحث المسلمين على الارتقاء بمجتمعاتهم الإنسانية، معنويًّا وماديًّا؛ فهم ورثة الأرض، وخلفاء الله فيها، لذا يجب عليهم تحمّل مسؤولياتهم، فهم أحرار الإرادة لم يحملوا أوزارًا سابقة، وأن ليس لأحدهم إلا ما سعى، خيرًا أو شرًا، فليجعلوا رضى الله U غايتهم ونيتهم في كل عمل، وليقوموا بتحقيق مقتضيات رسالتهم العالمية، وتحمل المسؤولية، تجاه النفس والآخر؛ لأن عدم الشعور بالمسؤولية تجاه النفس والآخرين انحراف فكري يحتاج إلى تصحيح، وقد يؤدي إلى الوقوع في أسر الآخرين فليقبلوا على حب الإنسان والحرية وتحمل المسؤولية وليجهزوا البيئة لترسيخ جذورنا المعنوية، لتظهر آثار الشعور بالمسؤولية على المستوى الفردي والجماعي إتقانًا للعمل ليتحقق ما كنا ننتظره منذ عصور، تحقيقًا لقول الله U: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾(الأنبياء:105).

الأخلاق العملية في فكر كولن

تنبثق رؤية كولن للأخلاق العملية من الرؤية القرآنية المطبقة في شخص رسولنا  بوصفه مربيًا، ومرشدًا، وقدوة، ومثلاً أعلى، ولهذا يرى الأستاذ فتح الله كولن: «أن المتدين الحق إنسانٌ صاحب خلق رفيع مخلص في عبادته، لا يتصنع فيها، بعيدٌ عن كل المساوئ كالخداع، والحقد، والنفاق»(35)، وهذه الصفات قد استقاها من القرآن حيث يقول I: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا…..إلخ الآية 77﴾(الفرقان: ٦٣ – ٧٧)، فالأخلاق نتاج الإيمان، ورسالته، ولذلك يقول الأستاذ كولن: «الخُلُق هو أهمُ غاية للخَلْق، والبعد الحقيقي للخلق الجبليّ، وتصرّف إرادة الإنسان على حقيقة الخَلق، مستهدفًا الأخلاق الإلهية. فمن أحسن استعمال هذا التصرف وأَلبس الخَلْق لباس الخُلُق سهلت عليه جميع الأعمال الصالحة»(36)، هذا الربط بين خَلق الإنسان، ورسالته في الحياة عبر عنه الأستاذ فتح الله كولن بقوله: «الخُلُق هو البعد الحقيقي للخَلق الفطري»، فإذا انسجم الإنسان مع فطرته، واختار بإرادته الحرة الدين الحق، فإنه سيعيش بانسجام بين سلوكه وإيمانه في عباداته، ومعاملاته، ومشاعره، مسترشدًا بأسماء الله الحسنى، محاولاً تمثل هذه الأسماء، لأنها تمثل الأخلاق الإلهية.

الأستاذ فتح الله كولن قرآني المنهج، وقد كانت نظريته في الأخلاق هي نظرية القرآن، حيث يعتبر الوحي “القرآن والسنة” والمصادر التي تدور في فلكهما مصادره في الأخلاق.

ويرى الأستاذ فتح الله كولن أن السلوك الأخلاقي نتاج الحياة الإيمانية، وهو من مقومات وجودها وبقائها، لذلك نجده يقول: «… فإن كل تصرفاتنا الإسلامية تحفز فينا شعور التحرك المسلم، وتقودنا إلى الحياة الإيمانية، وبتواتر انعكاس مكتسباتها الوجدانية، ووارداتنا القلبية على سلوكياتنا، يتكون نسيج أخلاقنا، ويتلون بأبهى الألوان، وبدوام تدفقها من تصرفاتنا، تتكون مرجعياتُ ثقافتنا، فنؤمن لها البقاء بذاتنا وشخصيتنا، وهكذا إذا كان التكمُل في الإنسان مستندًا إلى ما وقر في قلبه من الإيمان بالله، والاعتماد عليه والثقة به، فسيفيض ذلك على المحيط والبيئة حبًا، واهتماما، وإخلاصًا، وودًا، والفرد المسلم بفضل هذه الجاذبية القدسية التي يحوزها يخرج من الفردية ويكاد يكون أمة»(37).

الدين في طبيعته تطبيقيوليس نظريًّا أو فكريًّا، بل هو أعمال وأفكار تظهر في سلوك وعمل، لذلك كان أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا.

هذا التلازم بين الإيمان والخلق، يوضح أن كلاً منهما يغذي الآخر، فكما يؤدي الإيمان إلى حسن الخُلُق، كذلك الخُلُق السليم يقوي الإيمان، وبهذا تصبح منظومة السلوكيات ذات مرجعية ثابتة، تنعكس على المجتمع من خلال جاذبية القدوة، فتكون ثقافتنا الذاتية، وتضمن تميزها وبقاءها من خلال تجسد هذه الثقافة فينا، وقد ركّز الأستاذ كولن على أهمية الجانب العملي للأخلاق من خلال القدوة والمثل الأعلى، ودوره في الارتقاء بالأخلاق والسلوكيات، على مستوى الفرد والأمة، فعرض جانب القدوة في حياة النبي  والصحابة الكرام، وكبار علماء التصوف، كما تمثّل هذه الأخلاق في كل صغيرة وكبيرة(38)، فقدم لمشروعه -الخدمة الإيمانية- زادًا ومددًا من الأخلاق العملية لا ينفذ فغدوا كما يقول الأستاذ فتح الله كولن كالحواريين في أي مكان حلو، وأصبحوا أنموذجًا حيًّا لهذه القيم والأخلاق العظيمة، يتحدث كولن عنهم، وإليهم في معظم كتاباته، ويتحدث من خلالهم لغرس هذه القيم، ولنمائها ويفاخر بهم الدنيا، لأنهم أخلصوا لله، وضحّوا، وتمثلوا القيم، والأخلاق الربانية، ومما قال فيهم في مقال سمّاه «الربانيون»: «… إن هؤلاء لا يحتاجون إلى يدٍ، ولا لسان، لأن وجوههم المتلألئة كالمشاعل تذكّر بالله أينما حلوا وأينما وجدوا… لأن السحر المترشح من سيماهم الطاهرة والمعاني الناضجة من أقوالهم كان من القوة بحيث تخرس كل بيان أمامه… وكما في المثل: «لسان الحال أبين من لسان المقال… فهم ينبهون الفطر السليمة والطاهرة إلى ما وراء أستار الأشياء ويسقون السجايا السليمة القيم الإنسانية، سيتحقق في المستقبل القريب بفضل المخلصين الناذرين أنفسهم لفكرة البعث والإحياء تأسيس الصلح بين العقل والقلب، عندها لن ينتهك عرض وسيحترم الجميع، وسيصبح الأقوياء عادلين ويجد الضعفاء فرصة حياة كريمة»(39).

الدين يرفع القيم الإنسانية إلى الأعلى، وعلى المسلم أن يتحلى بالأخلاق والقيم قبل تعليم الآخرين. 

لقد انصب جهد الأستاذ فتح الله كولن، على توجيه الخدمة بمنهج النبوة، ليكونوا أنموذجًا حيًّا للإيمان والخلق، يبرهن على أن الإسلام دين عالمي، جاء ليلبي مطالب الإنسان: كل الإنسان روحيًّا، وعقليًّا، وقلبيًّا، فيحقق السعادة للإنسانية جمعاء، سواء من دخلوا في كنفه، أو كانوا تحت جناحه ويرى دكتور بابا عمي(40): أن الأستاذ فتح الله كولن قد ألف كتابه: «النور الخالد» بهذه النية؛ نية توجيه الخدمة بسيرة المصطفى  من حيث الاتباع والاحتكام فيما يقومون به قولاً وعملاً، وقد اقتبس الأستاذ فتح الله كولن هذا المنهج من كتاب الله U، من قوله سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾(الأحزاب:21) يقول الأستاذ واصفًا خلق النبي : «… كان عليه السلام يعيش ما يقوله بمعيارٍ أدقّ من شعرة شطرت أربعين مرة، ويزن تصرفاته بموازين الآخرة الدقيقة، ويحيا حياته في عمق، كأنه يرى الله، وفي عمق رؤية الله له»(41). ويعجز المرء عن وصف خلق النبي ، فقد كان قلبه معلقًا بربه وعيناه في آثار أسمائه الحسنى، ينظر للدنيا وكأنها خليج للعقبى، ويراها كأنها مزرعة يزرع فيها ويحصد، فاهتم بالدنيا بقدر حجمها وفنائها، واهتم بالآخرة وما وراءها بحسب خلودها وسرمديتها(42)، وعن النبي  مربيًا يقول الأستاذ فتح الله كولن: «كان في أهله  وأصحابه مربيًا ومرشدًا كاملاً، ليّن الجانب، حكيمًا، أستاذًا في استخدام العقل، متواضعًا، يتصرف بين أصحابه كفرد منهم، وهبه الله سعةً في خلقته الداخلية والخارجية، فهو مهيبٌ في تواضعه وباختصار شديد فقد بلغت أنواع الكمالات كلها فيه الذروة» (43)، والحقيقة أن المقام يضيق عن وصف خلق النبي  وشمائله، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى كتب الشمائل(44)، لكنني أردت هنا الإشارة إلى جانب القدوة في حياته  الذي ركز عليه الأستاذ فتح الله كولن كثيرًا وخصوصًا في كتابه: «النور الخالد» في مواطن عديدة، منها حديثه عن ربانية الأنبياء، وإخلاصهم في باب خصائص الأنبياء(45)، وفي باب صفات الأنبياء ومكانتها من سيد الأصفياء(46)، وفي الفصل الذي تحدث فيه عن الأمانة عند رسولنا (47)، وفي فصل الفطنة(48)، ثم في القسم الثاني من الكتاب، حيث تحدث عن النبي  مربيًا(49)، أما فيما يتعلق بنهج الصحابة والاقتداء بهم، فقد تحدث في نفس الكتاب (لنور الخالد)في الفصل الخامس من القسم الثاني، عن الجو الذي صنعه الرسول  والعباقرة(50)، ثم في فصل انعكاس العصمة في حياته (51). وكان الأستاذ فتح الله كولن في كل هذه المواطن يعرض أخلاق النبي  بأسلوب دعوّي توجيهيّ؛ ومن ذلك حديثه عن الأمانة، حيث يقول : «الإيمان والأمان، متلازمان، ولا يكون الإيمان كاملاً بدونهما»(52)، ويستشهد بأحاديث النبي  ومنها: «المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم» (رواه الترمذي)، ويوصي براعم الإيمان (الخدمة) والمسلمين جميعًا، من خلالهم لاستعادة مجدهم، ونشر الأمن والطمأنينة، لتنفتح لهم قلوب البشرية، ويصبح للأمة الإسلامية وزنها بين الأمم. وقد تشرب الأستاذ فتح الله كولن من أخلاق النبوة بمجاهدته لنفسه، ومن خلال تجاربه الذاتية وتجارب كبار الصوفية الذين يشير إليهم دائمًا كالإمام الغزالي، والإمام القشيري، والإمام الرباني، والإمام جلال الدين الرومي، والإمام بديع الزمان النورسي وغيرهم، ويظهر هذا الخلق في سلوكه، فيبدأ بنفسه قبل تعليم الآخرين وإرشادهم، ومن كتاباته التي عالجت موضوع الأخلاق بأسلوب عملي حضاري كتابه «ونحن نقيم صرح الروح»، من خلال مقالات مثل «دنيا في رحم الولادة»، «نحو عالمنا»، «الشعور بالمسؤولية»، كل هذا من أجل الانبعاث بعد الموت(53)، وكذلك كتابه «ونحن نبني حضارتنا»، حيث يتحدث الأستاذ كولن في مقال الوعي الجمعي، عن الثقافة الدينية، وكيف كانت سبب إرساء مكارم الأخلاق، وبفضلها تناغمت مكارم الأخلاق مع الحياة الاجتماعية(54). وفي كتابه «التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح» يتابع فيه رسم منهج الاقتداء بالنبي ، فالكتاب كله يدور حول الأخلاق، والارتقاء بالإنسان على المستوى الفردي، كما يمثل دعوة للمسلمين ليفيدوا مما فيه من دراسة للقلب الإنساني في سيره إلى الله وارتقائه نحو الكمال، وما ينتج عن هذا السلوك من خلق وأدب، في رؤية قرآنية، وسنة نبوية لا يحيد عنها، كما يصفه مقدم الكتاب الأستاذ أديب الدباغ، ومن خلال هذا الكتاب يعلمنا كيف نشحن النفس بقوى الإيمان وطاقاته في مواجهة الزمان(55)، فالكتاب كله في الأخلاق بأسلوب صوفي، لكنه في الوقت ذاته، طرح حضاري عملي، اشتمل كتابه، على فصل بعوان “الخلق”، وشرح في كتابه الكثير من الأخلاق وتطبيقاتها، كالتوبة، والفرار إلى الله، التقوى، الإخلاص، الاستقامة، الصدق، الأمانة، الحياء…إلخ، والمقام يضيق عن عرض هذه النماذج جميعها، وسأكتفي بالحديث عن الفرار إلى الله.

– الفرار إلى الله: «الفرار في اللغة: الهروب والابتعاد عن الشيء»(56)، أما الفرار عند أهل التصوف: “فهو عنوان السير من الخلق إلى الحق، فكلما ابتعد الإنسان في سبيل إيمانه عن جو الجسمانية القاتل، تقرب إلى الله تعالى وكان موقرًا لذاته”(57). ويتفق الأستاذ كولن مع هذا التعريف، فهو يأخذ من التصوف ما يتوافق مع الكتاب والسنة، ويذر ما دون ذلك، ويتحدث الأستاذ كولن عن نموذج الأخلاق العملي «مشروع الخدمة» فيقول عنهم: «… إنهم يريدون تذوق نشاوى روحية لا متناهية، لذلك ينظمون هجرات جادة في كل حين، مما لا يريده الله إلى ما يريده، ومما نهى عنه إلى ما أمر به، ومما لا يحبه ولا يرضاه، إلى ما يحبه ويرضاه، فيعيشون في فرارٍ إليه تعالى، لا يقر لهم قرار إلا بإسناد كل شيء إليه سبحانه، وهذا هو الاعتصام الحقيقي»(58).

سيتحقق في المستقبل القريب بفضل المخلصين الناذرين أنفسهم لفكرة البعث والإحياء تأسيس الصلح بين العقل والقلب، عندها لن ينتهك عرض وسيحترم الجميع، وسيصبح الأقوياء عادلين ويجد الضعفاء فرصة حياة كريمة.

الدعوة إلى الفضائل ونبذ الرذائل

أكّدت الشرائع السماوية على ضرورة إيجاد الإنسان الفاضل، كما تسعى المجتمعات لذلك، ولا شك أن الارتقاء بالإنسان يحتاج إلى جهد، ويتمثل هذا الجهد بإيجاد «الإنسان المجتمعي» بكل أعماقه؛ الإنسان المضحيّ، الوفيّ، المجهز بالقوى المعنوية، الذي ينذر نفسه في درب الحق، فلا بدّ من إنشاء جيل بهذا النمط، لذلك يبذل علماء الاجتماع ومهندسو المجتمع (الدعاة والمصلحون) جهودًا كبيرةً لإنشاء هذا النموذج الإنساني، وقد يصعب على منطق العصر الحديث فهم روح هذا النذر وهذه التضحية، ومن هنا تنبع الحاجة إلى حوار جدي بين القيم التي تنتجها الأمم والحضارات في العالم(59). وهذا النموذج الإنساني هو من أبرز أهداف الأستاذ كولن؛ ولهذا كثّف جهوده على صعيد الفكر والعمل، بإيجاد هذا النموذج وبناء هذا الجيل -حركة الخدمة الإيمانية- فأثمرت جهوده على مستوى المجتمع التركي، وامتدت إلى معظم بلدان العالم، حيث حاول اجتثاث الرذائل وبناء مجتمع الفضائل، وإيجاد الإنسان المثالي «الفاضل» تمهيدًا لوجود هذا الجيل المجهّز بالقوى المعنوية.

محاربة الرذائل والدعوة للفضائل

إن من أهم أسباب سقوط الدولة العثمانية انتشار الفكر الإلحادي، وقد كان هذا الإلحاد من أهم أسباب إعلان مشروع بديع الزمان النورسي الكبير هو: «إنقاذ الإيمان»(60). وبعد قيام الجمهورية التركية وإعلان الدولة العلمانية زاد الحال سوءًا، وقد عاصر فتح الله كولن استمرار انتشار الإلحاد الفكري، والفلسفات التي تقدم على أنها الوجه الحقيقي للإنسان، ورأى كيف كان الشباب يهرعون دون تعقّل إليها، كأنهم نوّموا، فانتشرت فلسفة فرويد تحت مصطلح «الليبيدو»، الذي جرح مفهوم الحياء لدى الناس، والفلسفة الوجودية، التي جردت الشباب من الحياء، والماركسية اللينينية(61)، ولهذا لم يعد هناك شباب يلتفت إلى جذور روحه ولا إلى أمته(62)، رأى فتح الله بعينيه هذا الفساد الروحي والتدني الأخلاقي، فسعى جاهدًا من خلال وسائل عديدة، فعمد إلى الكلمة والقلم والتوجيه والوعظ شارحًا ومبينا هذه الفلسفات الإلحادية وخطرها وأنها لا تصلح لإحياء حياة المسلم ونهضته، وأنها غريبة عن تربة لا تحيا إلاّ بالتوحيد وبالإسلام، وقد امتاز أسلوبه بالتركيز على العقل والمنطق، وقد أرجع الأستاذ فتح الله كولن الإلحاد إلى الجهل وفقر الروح، ونقص التغذية القلبية، إضافة إلى أن رغبات الشباب لا تعرف الشبع، وانهدام الحياة القلبية للإنسان(63).وقد بدأ الأستاذ كولن بالعلاج ولم يكتف بالكتابة والدروس والمواعظ؛ بل بدأ فعلاً بتطبيق منهج إصلاح في التربية منذ كان مشرفًا على مدرسة: “كستانه بازاري” بإزمير، حيث بدأت معالم بيوت الطلبة تتشكل هناك، وأصبحت محضنًا يرعى الشباب، ويربطهم بالخالق، ويحميهم من كثير من المخاطر التي تهدد الشباب في هذا العصر(64)، فالتربية والتعليم احتلا مكانة كبيرة في مشروعه، وقد ركّز على دور المعلم، والمبلّغ، وعلى أهمية المدرسة، فهي عنده مختبر يمنح الإكسير، ويمنح الحياة، ويداوي أمراض الناس، في هذه المدرسة يترقى المربي روحيًّا، ويصبح قدوة. وقد استفاد الأستاذ فتح الله من أستاذه النورسي عندما تحدث عن المدارس التقليدية والمدارس الحديثة(65) فاهتم الأستاذ كولن ببيوت الطلبة والمنامات والمدارس بالإضافة إلى مجالس الصحبة والأقسام الداخلية، وجعل منها وسائل لغرس قيم البذل، والعطاء، والتضحية، والتفاني؛ فالتربية تقوم عنده على أساس غرس القيم بالإضافة إلى تلقين المعارف وعلوم العصر ثم الانضباط الفردي طاعة لله تعالى(66).

تميز القانون الأخلاقي الرباني بميزتين الأولى: عدم الإرغام، والتركيز على الإقناع واحترام العقل، والثانية: تقديم المثل الأعلى.

وقد شخص الأستاذ فتح الله كولن حال المجتمعات من حيث الفضائل والعلم والفكر، فقال: «إن الناظر في حال المجتمعات من حيث الفضائل، والعلم، والفكر، يرى أنقاضًا وأنكاثًا، وما زالت هذه المجتمعات تبحث عن نظام وفكر بديل للتربية، والفن، والأخلاق،(67) لكن منهج التفكير الصحيح والموازين الثابتة والطريق الموصل للحقيقة والفضيلة موجود في إسلامنا، في رسالتنا العالمية، ومن هنا يقول كولن: «… فالإسلام دين قادر على كنس كل أنواع الظلمات من غيظ أو بغض من الأرض، فهو دين التسامح والحوار ولذا لن يجتمع في قلب المؤمن إيمانٌ وارتباط بالله تعالى مع حقد وكراهية وغيظ، فالقلب المملوء بالإسلام يفيض حبًا وتسامحًا إزاء المخلوقات كلها إجلالاً لله تعالى»(68).

لذلك يرى الأستاذ كولن ضرورة السعي لإيجاد الجيل المثالي، الذي يتحلى بالفضائل المادية والمعنوية، ويبرمج حياته القلبية، والروحية، بحيث يبقى بعيدًا عن كل المساوئ المادية والمعنوية، يقظًا ضد الحسد، والحقد، والكراهية، والأنانية، والشهوات، والخلاف، والتفرق والعداوة، وتتبع الأخطاء، والنقائص، والغرور، وحب الشهرة…»(69).ولهذا تبنت الخدمة فكرًا وعملاً «البعد عن هذه الرذائل» وعن كل ما يميت القلب، حتى صارت الأخلاق من طبعهم وفطرتهم وقد حرص الأستاذ فتح الله كولن على التخلية قبل التحلية، والبعد عن الرذائل، وحث على الامتلاء بالفضائل عقلاً وقلبًا ومشاعر، فحث على التواضع، ونكران الذات، والإيثار والوقار، وحب الإيمان، والعقيدة، والتأجج شوقًا للارتقاء بالآخرين دنيويًّا وأخرويًّا.

ويرى الأستاذ كولن ضرورة تجديد الإيمان وصقله في كل يوم، وفي كل أسبوع، وفي كل عام، بشتى أنواع العبادات، حتى يتطهر هذا القلب ويصبح مغلقًا أمام العداوات، مفتوحًا أمام الفضائل والطاعات(70)، ومن أمهات الفضائل التي حثّ عليها الأستاذ كولن: «الارتباط برضى الله U، والتسامح والحرص على صيانة المجتمع، والإخلاص، وعدم طلب الأجر إلا من الله، والابتعاد عن الخلاف، وعدم معاداة أحد، مع وجود وجهة نظر خاصة به، وعدم الاحتكاك مع أحد، وتشجيع كل صاحب عمل إيجابي، والبعد عن التعصب، والمسارعة للعمل مع كل من يمشي على صراط مستقيم لأن الرحمة في الترابط، مع الاستعداد للتضحية بكل شيء من أجل الوصول إلى الهدف، «وهو رضى الله U»، واعتبار نجاح الآخرين نجاحًا له، ما دام محققًا لنفس الهدف، بل تأخير النفس وتقديم الغير إذا كانوا أكثر قدرة على تحقيق الهدف والانشغال بعيوب النفس، وعدم تتبع عيوب الآخرين ونقائصهم، ودرء السيئة بالحسنة، والصبر على الأذى، وعدم الانتقام. وباختصار: البقاء في محور إطار الإيمان الكامل.»(71).

إنهم يريدون تذوق نشاوى روحية لا متناهية، لذلك ينظمون هجرات جادة في كل حين، مما لا يريده الله إلى ما يريده الله، ومما نهى عنه إلى ما أمر به، ومما لا يحبه ولا يرضاه، إلى ما يحبه ويرضاه، فيعيشون في فرار إليه تعالى.

وبما أن الإنسان رغباته مفتوحة وفيه ميل شديد للشهوات، لذلك نرى أن الرذائل قد شاعت، وقد أرجع الأستاذ فتح الله أسباب شيوعها إلى طبيعة الإنسان نفسه، ورغباته وشهواته، ولذلك إذا لم يتلقَ هذا الإنسان تربية سليمة، فستؤدي به هذه الرغبات والشهوات إلى الهلاك، لذلك نجده يقول: «الإنسان مخلوق رغباته مفتوحة، ونزواته كثيرة، مثل الحرص والحقد والغضب والشهوة.. إلخ. وهذه النزوات فيها ميل للعبث والفوضى، ولا مفر من وقوعه في براثنها، ما لم يلق عناية ويضبطها(72)». الأشياء والموجودات تسير في الكون بطريقة جبرية والإنسان هو المخلوق الذي حباه الله بالإرادة، فهو يختار ما يشاء فإذا اختار أن ينسجم مع هذا الكون، ويخاف الله تعالى، ويتبع أوامره، فإنه لن يستسلم لنزواته وشهواته، ومن هنا ربط الأستاذ فتح الله كولن بين الاستسلام لله تعالى والانسجام مع الكون والأخلاقية وبين عدم الانسجام مع الكون والانسياق وراء الشهوات واللاأخلاقية.

والأستاذ فتح الله كولن صاحب نظرة شمولية كلية، لذلك فقد نبه إلى خطر اللاأخلاقية والبعد عن القيم، على المجتمعات والأفراد، وبين أن اختيار الأفراد اللاأخلاقية يبدأ من الابتعاد عن الجذور، وتغير زاوية النظر، وانقلاب المفاهيم، ويلقي الأستاذ كولن اللوم على المسلمين جميعًا فيقول: إن كل ما نعانيه اليوم من فساد مستشرٍ وتفسخ مستمر في أجيالنا هو نتيجة لإهمالنا(73)، فيحمّل المسؤولية لنفسه ولكل المسلمين الذين قصروا في توصيل صورة الإسلام الصحيحة للعالم، إضافة إلى الذين قاموا بتشويه صورة الإسلام عن طريق الجهل بالدين والتاريخ، والاغتراب والسير وراء المدنية الزائفة(74). ويقدم الأستاذ كولن الحلول بعد أن شخّص أسباب اللاأخلاقية وشيوع الرذائل، فيقول: «إذا أراد الإنسان السمو من درجة الإنسان بالقوة إلى الإنسان بالفعل، فعليه أن يستجيب لرغباته ضمن احتساب وجود الآخرين، وهذا هو السمو بالأحاسيس الإنسانية وأن يتربى تربية حسنة، ذات أفق إلهي ومحور إلهي مع تغذية هذه التربية من جذورها فينا، ومن أرواحنا، وعندها لن ترفض هذه الثقافة من قبل الوجدان الاجتماعي، والشعور التاريخي، ويسمي هذه العلاقة بين الإنسان والمجتمع بالعقد الاجتماعي»(75). ويعرف كولن العقد الاجتماعي بأنه: «تعاقد الوجدان المتيقظ إزاء القيم الإنسانية على عقد مرتبط باحترام الحق والحرية وحب الحقيقة»(76). ويقتبس الأستاذ كولن مصطلح العقد الاجتماعي -الذي ظهر عند هوبز- مع الاختلاف في مدلوله عند كل منهما؛ حيث يرى هوبز أن الناس اضطروا لهذا العقد لتنظيم حياتهم(77)؛ بينما يجعله الأستاذ كولن من ضرورات الفطرة السليمة، مع ملاحظة تركيز كولن على القيم، والفضائل، وحب الحق، ويركز كولن على الارتقاء في البناء القلبي والروحي الذي يوصل إلى الإحسان أعلى مراتب الإيمان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه(78)، فيصل المرء إلى درجة أن يكون المعروف ضروريًّا بفطرته فيستنشق المعروف(79).

الإسلام دين قادر على كنس كل أنواع الظلمات من غيظ أو بغض من الأرض، فهو دين التسامح والحوار؛ لذا لن يجتمع في قلب المؤمن إيمان وارتباط بالله تعالى مع حقد وكراهية وغيظ.

وفي رسم طريق الوصول إلى الإحسان، يرسم كولن منهج الارتقاء بالقيم الإنسانية عمومًا، حيث يبدأ من الإيمان الصحيح، القائم على فكر وتصور صحيح، ومعرفة صحيحة ثم استشعار هذا الإيمان، وترسيخ حقيقته بأسس الإسلام والاستناد إلى الوجدان وروح الفطرة التي تنسجم مع هذه الأسس وتمنحها الثبات والاستقرار، وسلوك الطريق الحكيمة التي تمثلها النبي  بالقدوة قبل تعليم الآخرين إلى درجة الشعور بضرورة الإحسان إلى كل أحد وكل شيء، كطور طبيعي للقلب الذي تكامل بمراقبة الحق، ومما يؤكد ذلك قوله: “إن التخلق بالأخلاق الإلهية يتحقق بالأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة، فتنزاح الأستار بطريق مجاهدة النفس، والخلوة والذكر والمراقبة، فيغدو الإيمان الإجمالي بالاطلاع على ما وراء الوجود معززًا بالذوق والكشف، كيقين شهودي(80).

إن القيم والأخلاق موجودة في فطرة الإنسان، في وجدانه لكنها تحتاج إلى تربية، ولما كان الإنسان حرًا مختارًا فهو يتحمل المسؤولية، عن هذا الاختيار، فإذا انسجم مع فطرته، وأسلم طائعًا لله، فقد أصبح إنسانًا بالفعل، نموذجًا للأخلاقية والانسجام، وقد ركز الأستاذ كولن على تاريخنا الإسلامي وعلى نموذج الصحابة الذين كانوا قدوة في الأخلاق والقيم، ثم نراه ينتقل مباشرة ً إلى الحاضر، يحدثنا عن جماعة الخدمة في كثير من مقالاته، عن أخلاقهم وقيمهم، ونشرهم الفضائل في كل مكان حلّوا فيه، ليربط الأمس باليوم ويحث المسلمين خصوصًا والبشر عمومًا ليتمثلوا بهم ويقارن بهؤلاء الذين حرموا الفضائل ويرى أنهم يستحقون نظرة إشفاق لذلك فإن بناء المجتمع المثالي يحتاج إلى بناء روحي لأفراده يرتفع بمستواهم الإنساني، الحقيقي فيكون مجتمعًا أنموذجًا، وهذا لا يكون إلا في ظل عقيدة صحيحة وموازين أخلاقية ثابتة غير خادعة ولا متلونة، باختصار شديد لن يكون إلا في رسالة الإسلام العالمية الخالدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش

(1) انظر: محمد أنس أركنة، فتح الله كولن، جذوره الفكرية واستشرافاته الحضارية، دار النيل ص119.

(2) انظر: كولن: التلال الزمردية، ص120.

(3) عرَّف ابن مسكويه الخُلُق بأنه: «حالٌ للنفس داعيةً لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ما يكون من طبع المزاج كالغضب لأدنى شيء، ومنها ما يستفاد بالعادة والتدريب حتى يصبح ملكة. انظر: ابن مسكويه، أحمد بن محمد « ت 421هـ «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، حققه ابن الخطيب، مكتبة الثقافة الدينية، الطبعة الأولى، 1/41.

(4) انظر: كولن: التلال الزمردية، ص118-119.

(5) انظر دراز، د. محمد عبد الله، دستور الأخلاق في القرآن، تعريب وتحقيق، د. عبد الصبور شاهين، ط4، 1402هـ. 1982م. مؤسسة الرسالة، دار البحوث العلمية. ص56-57.

(6) انظر:علي عزت بيجوفتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة محمد يوسف عدس، مؤسسة بافاريا، ص193-194.

(7) محمد بابا عمي، محورية الأخلاق في البناء الحضاري، بين مالك بن نبي وفتح الله كولن.

(8) أنس أركنه، في مقابلة معه في إسطنبول.

(9) مقال الإنسان خلق وعمل. مجلة حراء، الشاهد البوشيخي، السنة الخامسة، عدد 20، سنة 2010، ص7.

(10) انظر: كولن، ونحن نبني حضارتنا، ص98-99.

(11) كولن: مقال الوعي، الجمعي، حراء، عدد 25، 2011. ص2.

(12) كولن: طريق الإرشاد، ص6.

(13) كولن: ونحن نبني حضارتنا، بتصرف، ص104.

(14) انظر: كولن: مقال صورة قلمية لرجل القلب، حراء، عدد 14، 2009، ص4، وانظر دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص125، وما بعدها.

(15) انظر: كولن: مقال الوعي الجمعي، حراء، عدد 25، 2011، ص14. وانظر دراز، دستور الأخلاق، ص241 وما بعدها.

(16) انظر: كولن: مقال صورة قلمية لرجل القلب، حراء، عدد 14، 2009، ص4. وانظر دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص409.

(17) انظر: كولن: مقال صورة قلمية لرجل القلب، حراء، عدد 14، 2009، ص4. وانظر دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص575-578.

(18) كولن: الموازين، «أضواء على الطريق، ص86، بتصرف.

(19) كولن: ونحن نقيم صرح الروح، ص86. أو 66 بتصرف، وانظر مقال دنيا في رحم الولادة، حراء، عدد27 السنة السابعة، 2011، ص3.

(20) كولن: دنيا في رحم الولادة، حراء عدد 27، ص3.

(21) انظر: السيد محمد بدوي، مقدمة دستور الأخلاق في القرآن.

(22) انظر: أمل النعيمات، فتح الله كولن وجهوده في العقيدة والأخلاق، ص124-125.

(23) كولن: مقال «من الفوضى إلى النظام» «2». حراء، عدد 27، 2013.

(24) انظر: أمل النعيمات، فتح الله كولن وجهوده في العقيدة والأخلاق، ص156-158.

(25) كولن، ونحن نقيم صرح الروح، ص 92، وانظر أيضًا ص91، 94.

(26) كولن، ونحن نقيم صرح الروح، ص 91، وانظر أيضًا ص92.

(27) كولن، القدر في ضوء الكتاب والسنة، ص 22-23.

(28) كولن، ونحن نقيم صرح الروح، ص 98.

(29) كولن، مقال الوعي الجمعي، حراء، السنة السادسة العدد 25، سنة 2011، ص4، بتصرف.

(30) كولن، ونحن نقيم صرح الروح، ص 292.

(31) انظر: المرجع السابق، ص 92-93. وانظر الإنسان المثالي، ص 84 بتصرف.

(32) كولن، ونحن نقيم صرح الروح، ص 93.

(33) انظر: المرجع السابق، ص 94 بتصرف.

(34) انظر كولن: ونحن نقيم صرح الروح، ص 13-17. وانظر كولن: مقال دنيا في رحم الولادة، حراء السنة السابعة، عدد 27، 2011، ص3.

(35) انظر، كولن، أضواء «الموازين»، ص202.

(36) كولن، التلال الزمردية، ص118.

(37) كولن، ونحن نبني حضارتنا، ص57-58.

(38) يتحدث بهذا كل تلاميذ كولن، وقد أكد على هذه القضية د. مصطفى اوزجان من خلال علاقته معه كمدرس في المعهد الذي كان يدرس فيه الدكتور مصطفى.

(39) كولن، مقال الربانيون، حراء، السنة الرابعة، العدد 13، لسنة 2008.

(40) د. بابا عمي، بحث محورية البناء الأخلاقي بين مالك بن نبي وفتح الله كولن.

(41) كولن، «مقال وخاتم المنبئين عن الغيب»، حراء، السنة الثانية، عدد 5، لسنة 2006، ص4.

(42) انظر: كولن، المرجع السابق، ص5.

(43) كولن، «مقال وخاتم المنبئين عن الغيب»، حراء، السنة الثانية، عدد 5، لسنة 2006، ص4.

(44) مثل كتاب «شمائل النبوة والخصائص المصطفوية للحافظ الترمذي»، ت 279هـ، وكتاب الشفا، للقاضي عياض، ت 544 هـ، وغيرها.

(45) انظر: كولن، النور الخالد، ص 67-74.

(46) انظر: المرجع السابق، ص 75-88.

(47) انظر: المرجع السابق، ص 124-137.

(48) انظر: المرجع السابق، ص 170-288.

(49) انظر: المرجع السابق، ص 285-239.

(50) انظر: المرجع السابق، ص 233-236.

(51) انظر: المرجع السابق، ص 580-603.

(52) انظر: المرجع السابق، ص135.

(53) كولن، ونحن نقيم صرح الروح، ص10، 9، 91.

(54) كولن حراء، مقال الوعي الجمعي، عدد25، سنة2011،ص2، وانظر:كولن ونحن نبني حضارتنا ص32-33

(55) انظر: أديب الدباغ، مقدمة التلال الزمردية، ص5-11.

(56) انظر المرجع السابق، ص44،

(57) كولن: التلال الزمردية، ص44-45 بتصرف، وانظر: ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تعليق معتصم بالله بغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1/466.

(58) انظر: المرجع السابق، ص47، بتصرف.

(59) انظر: أنس أركنه، فتح الله كولن جذوره الفكرية واستشرافاته الحضارية، دار النيل، ط1، 1431هـ، 2010م، ص31

(60) ألّف بديع الزمان النورسي، رسائل النور بهدف إنقاذ إيمان الأمة التركية وهي تضم تسعة أجزاء سجل فيها كل ما استلهمه من القران الكريم من معاني الإيمان. انظر: إحسان الصالحي – مترجم الرسائل -تعريف مختصر بمضامين كليات رسائل النور، ص26-37، دار سوزلر للنشر – القاهرة، بلا تاريخ.

(61) الماركسية: تنسب إلى كارل ماركس 1818 – 1883 م، وهو نبي الشيوعية العصرية، أعجب بفلسفة هيغل، وأنكر إعجابه بالتصور فاعتنق المادية واتجه إلى المجال الاجتماعي، وأصبحت الماركسية أكبر ممثل للاشتراكية، انظر: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة، مكتبة الدراسات الفلسفية، دار المعارف، مصر – القاهرة،ط5، ص 40.

(62) انظر: كولن، أسئلة العصر، ص27. وانظر محمد جكيب، أشواق النهضة، دار النيل، طبعة 2013م ص233.

(63) كولن، أسئلة العصر، ص31.

(64) محمد جكيب، أشواق النهضة، ص 238، بتصرف.

(65) انظر: سعيد النورسي، صقيل الأسلام، ترجمة إحسان الصالحي، ط3، دار سوزلز، القاهرة 1421هـ 2000م، ص427-430.

(66) محمد جكيب، أشواق النهضة، ص 246، بتصرف.

(67) كولن، مقال من الفوضى إلى النظام 2، حراء، عدد 37، ص2 بتصرف.

(68) كولن، ونحن نبني حضارتنا، ص57 بتصرف.

(69) كولن، مقال صورة قلمية لرجل القلب، ص2-4، بتصرف.

(70) كولن، ونحن نبني حضارتنا، ص57 بتصرف.

(71) انظر كولن صورة رقيمة لرجل القلب، ص2-4. بتصرف.

(72) كولن، من الفوضى إلى النظام 2، حراء عدد 37، ص2 بتصرف.

(73) انظر: المرجع السابق، ص101. بتصرف يسير.

(74) انظر: كولن، ونحن نبني حضارتنا، ص32.

(75) كولن، من الفوضى إلى النظام 2، حراء عدد 37، ص2-4، بتصرف.

(76) انظر: المرجع السابق، حراء عدد 37، ص2.

(77) انظر: يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة، دار المعارف مصر 1957م، ص 50.

(78) حديث جبريل عليه السلام المعروف، سبقت تخريجه.

(79) كولن، التلال الزمردية، ص 194، بتصرف.

(80) كولن، التلال الزمردية، ص 23، بتصرف.