حول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جريمة الاختطاف والترحيل القسري، للمعارضين المقيمين في الخارج، التي ينفذها جهاز الاستخبارات التركي، إلى مدعاة للتفاخر بين أنصاره، بينما هي جرائم تستحق العقاب بموجب القانون الدولي.
أما عمليات الاختفاء القسري في الداخل، رغم أن السلطات لا تعترف بها، إلا أنه يلاحظ أن القائمين عليها لا يشعرون بالقلق على مستقبلهم في ظل لإقرار مواد قانونية تحصنهم، وتمنع مسائلتهم.
الرئيس رجب طيب أردوغان، أشاد في 5 يوليو 2021، بدور جهاز المخابرات التركي في اختطاف أكثر من 100 شخص من الخارج ونقلهم قسرًا إلى تركيا.
“محاكمة تركيا Turkey Tribunal” وهي محاكمة دولية رمزية انعقدت في جنيف في سبتمبر / أيلول الماضي، سلطت الضوء على جريمة الاختطاف القسري محليا وخارجيًا، ضمن الجرائم المتهم بارتكابها مسؤولو الدولة التركية منذ يوليو/تموز 2016 في حق المواطنين الأتراك.
المحكمة أنشأها المجتمع المدني لتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الأنسان، وتتألف من شبكة دولية من الخبراء والفاعلين الاجتماعيين والأكادميين من خلفيات وتقاليد قانونية متنوعة، معترف بخبراتهم عالية المستوى.
اختطاف المعارضين خارج البلاد
يوضح التقرير النهائي لـ “محكمة تركيا” أنه، على عكس عمليات الاختطاف الداخلية، فإن تركيا أكثر انفتاحًا بشأن مسؤوليتها عن عمليات الاختطاف خارج أراضيها.
وعلى الرغم من أن التحقيق الذي أجراه التقرير في الحالات المعروفة علنا لم يسمح للمقرر إلا بتحديد 63 حالة اختطاف من هذا القبيل، فقد ادعى المسؤولون الأتراك مرارا وتكرارا وعلنا أن تركيا متورطة في أكثر من 100 عملية اختطاف دولية. على سبيل المثال، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن 104 من أعضاء حركة غولن من 21 دولة قد اختطفوا وأُعيدوا إلى تركيا كجزء من مطاردة الحكومة التركية العالمية. وبالمثل، صرح نائب وزير الخارجية يافوز سليم كيران أن هذا حدث لأكثر من 100 من أتباع غولن.
تبدأ العديد من عمليات الاختطاف خارج الأراضي الوطنية باعتقال مواطنين أتراك عند المعابر الحدودية الخارجية بسبب أن تركيا ألغت جوازات سفر هؤلاء المواطنين دون علمهم. وقد أعلنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن مثل هذا السلوك غير قانوني. وبالمثل، فإن التورط النشط لضباط المخابرات التركية في اختطاف معارضي الحكومة بموافقة الدولة المضيفة أو حتى بدون موافقتها في بعض الأحيان، هو، كما يؤكد التقرير، بلا شك مخالف للقانون الدولي، وقد أدانته بالفعل المفوضية الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
هل تحقق تركيا بشكل فعال في الشكاوى ومزاعم الاختفاء القسري؟
يذكر التقرير أنه لا توجد حاليا في تركيا حماية فعالة للحق في الحياة للمعارضين السياسيين للحكومة ولا يتم إجراء تحقيقات فعالة في حالات الاختفاء القسري. ويوضح التقرير أنه يمنع إجراء تحقيق شامل في هذه الشكاوى بكل الطرق الممكنة. وترفض السلطات ببساطة تنفيذ أعمال التحقيق الأساسية، بل عندما يتم جمع الأدلة الحاسمة وتقديمها من قبل أقارب المخطوفين، تختار السلطات تجاهلها. ويخلص التقرير إلى أن هذا يتعارض تمامًا مع التزامات تركيا الإيجابية بموجب القانون الدولي للتحقيق في مثل هذه الادعاءات والشكاوى.
في ضوء ما تقدم، توصل التقرير إلى استنتاج مفاده: أن عمليات الاختطاف – داخليًا ودوليًا – يمكن اعتبارها جزءًا من عملٍ وإستراتيجيةٍ متعمدة للدولة التركية تستهدف معارضي الحكومة وخلص إلى أنه لم يتم إجراء تحقيق فعال في عمليات الاختطاف هذه داخل تركيا نفسها.
شهادات الضحايا
مصطفى أُوزْبَنْ (Mustafa Özben)
قال مصطفى بأنه اختُطف في 9 مايو 2017 واختفى لمدة 92 يومًا. كان محامياً وأكاديمياً في جامعة تابعة لغولن. بعد أحداث يوليو 2016، اختبأ بعد أن لاحظ استهداف زملائه ومن يُفترَض أنهم أعضاء حركة غولن. في 9 مايو 2017 ذهب لسحب الأموال من البنك. وعند عودته إلى سيارته، دفعه 3 أفراد على الأقل إلى حافلة صغيرة سوداء أو داكنة اللون. وعلى الفور تم تقييد يديه وعصب عينيه.
وبعد مسيرة 30 دقيقة بالسيارة، تم احتجازه في زنزانة صغيرة بدون نوافذ ومبطنة بمواد عازلة. في الفترة التي أعقبت حرمانه من الحرية، استجوبه أفراد حاولوا إخفاء هويتهم. اعتبر الشاهد أنهم يعملون لدى المخابرات التركية لأنه أثناء استجوابه عُرضت عليه صور جمعتها أجهزة المخابرات على ما يبدو لأشخاص يجلسون على الشرفة في الجمارك. طلب منه المحققون تحديد هوية الأفراد الموجودين في هذه الصور وتقديمَ معلومات عنهم. كما طلبوا منه أن يعمل معهم كعميل. وبما أن الشاهد لم يتعاون مع مختطفيه، فقد تعرض للصعق بالكهرباء والضوضاء العالية والحرمان من الطعام والتهديدات لأسرته (خاصة زوجته).
وذكر أوزبن أنه سأل مختطفيه أين هو، قيل له: إنه في مكان “غير موجود ولا غير موجود”. قال إنه ذات يوم، لم يكن معصوب العينين عندما سُمح له بمغادرة زنزانته للاستحمام ولاحظ أنه كان في مركز احتجاز به عدة زنازين وغرف استجواب.
وبعد تقديم جميع المعلومات التي في حوزته، تُرك للشفاء من الإصابات التي لحقت به، وأُطلق سراحه في النهاية. وطلب منه الخاطفون أن يعود إلى منزله، ولكن أن يأتي إلى حديقة معينة بعد أيام قليلة حيث يتعين عليه اتباع تعليماتهم. لم يرغب في الامتثال لهذه التعليمات وذهب للاختباء – أولاً في تركيا ثم بعد ذلك لاذ بالفرار إلى الخارج.
وذكر أنه أثناء اختفائه، كانت زوجته مصرة على السلطات للغاية بشأن الاستفسار عن مكان وجوده. ولذلك تعرضت للضغط من قبل الشرطة والمدعي العام لسحب شكاواها وأُمرت بالتوقف عن البحث عن زوجها.
تَظهر على الشاهد أعراض الصدمة النفسية الشديدة. لكنه لا يتلقى أي علاج نفسي في الوقت الحالي.
كُوكْهَانْ كُونَشْ (Gökhan Güneş)
مثَّل الضحية محاميتُه لأنه لم يشعر بالقدرة على التحدث أمام الجمهور.
كوكهان كان كهربائيًا وممثلًا لاتحاد العمال ولديه أفكار اشتراكية. تم اختطافه في 20 يناير 2021 بدفعه في سيارة. وقد اختفى لمدة ستة أيام، ويُزعَم أنه تم الإفراج عنه بسبب الشكاوى المتعددة التي قدمتها محاميته وعائلته إلى السلطات، واحتجاج وسائط الإعلام على اختفائه.
أثناء اختفائه، تعرض كونش للتعذيب بشكل ملحوظ بالصدمات الكهربائية والضرب. ولا يزال يعاني من صدمة جسدية ونفسية، لكنه يتلقى العلاج.
كما أوضحت محامية الضحية الضغوطَ التي مورست على المحامين. وأوضحت أن العديد من المحامين تعرضوا للمحاكمات. وقد تم احتجاز المحامية نفسها لفترة من الوقت ولا تزال تواجه دعاوى قضائية مستمرة تتعلق بعملها كمحامية. وبحسب قولها، فقد أدى اعتماد قرارات الطوارئ بشكل خاص إلى تدهور وضع المحامين.
مسعود ومَرال كاتْشْمَازْ (Mesut/Meral Kaçmaz)
الضحيتان زوجان كانا يعيشان في باكستان. وشهدا أنهما اختُطفا في 27 سبتمبر / أيلول 2017 مع طفليهما القاصرين في باكستان. وداهم ضباط باكستانيون منزلهم بمساعدة عنصرَين من المخابرات التركية.
واحتُجزت الأسرة في مكان سري بمعزل عن العالم الخارجي في باكستان لمدة 17 يومًا. وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2017 تم نقلهم جميعًا إلى مطار عسكري في باكستان حيث كانت تنتظرهم طائرة خاصة تركية. كان أفراد الطائرة يتحدثون التركية. أثناء رحلة العودة إلى تركيا تعرض الزوج للضرب والتهديد باغتصابه أمام عائلته.
وبعد رحلة استغرقت خمس ساعات، وصلت الطائرة إلى مطار أتاتورك المدني في اسطنبول. أُجبروا هم وأطفالهم على المرور عبر مراقبة جوازات السفر حيث طُلب منهم إبراز جوازات سفرهم. لم يتمكن الشهود من تقديم المستندات المطلوبة إلى السلطات. فتم تسليمهم إلى شرطة المطار واحتُجزوا في مرفق الاحتجاز. وبينما تم الإفراج عن أطفالهم بعد 20 ساعة، تم احتجازهم مرة أخرى ومثلوا أمام قاض في فبراير 2018 لأول مرة.
رأي المحكمة
يقول القضاة: “هل يمكن للمحكمة، بعد أن أَخذت في الاعتبار التقريرَ والشهادة المقدمة إليها، استنتاجَ أن عمليات الاختطاف جزء من عمل الدولة تجاه المعارضين السياسيين المتصوَّرين؛ وأن هذه الشكاوى ومزاعم الاختطاف لم يتم التحقيق فيها بشكل صحيح؟ ”
كما هو مذكور في الإطار القانوني المعمول به، على الرغم من أن تركيا ليست طرفًا في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إلا أن عليها التزامات.
استنادًا إلى التقارير والوثائق المصاحبة والشهادات المقدمة، ترى المحكمة أن عمليات الاختطاف جزء من عمل الدولة تجاه المعارضين السياسيين المتصوَّرين وأنه لا يتم التحقيق بشكل صحيح في الشكاوى والادعاءات المتعلقة بعمليات الاختطاف.
وتوجد أسباب معقولة لقبول ما يلي: الضحايا المزعومون محرومون بشكل تعسفي من حريتهم؛ ويوافق مسؤولو الحكومة التركية، بصورة غير مباشرة على الأقل، على حرمانهم من حريتهم؛ وترفض السلطات التركية الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين ومكان وجودهم. لذلك، كما يُفهم بموجب القانون الدولي، فإن عمليات الاختطاف ترقى إلى حد الاختفاء القسري.
وتلاحظ المحكمة، علاوة على ذلك، نمطاً متكرراً يُستخدم في تنفيذ حالات الاختفاء القسري. وفيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري المحلية، أولاً: يبدو أن الجناة لا يشعرون بالقلق بشأن تدخل سلطات إنفاذ القانون، لأن الحرمان القسري من الحرية يتم في وضح النهار، بحضور شهود عيان أو كاميرات أمنية؛ ثانياً: تتم عمليات الاختطاف بطريقة مماثلة، أي باستخدام نفس النوع من المَركبات، وغالبًا عن طريق إثارة حادث سيارة ووضْعِ كيس فوق رؤوس الضحايا المزعومين، وبعد ذلك يتم دفعهم في باص صغيرة سوداء.
فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري في الخارج، تلاحظ المحكمة الحالات المتكررة التالية: يتم التحريض على الاختطاف خارج الحدود من قبل تركيا من خلال إلغاء جواز سفر المخطوف مما يؤدى إلى اعتقاله أثناء السفر، أو يتم تنفيذ عملية الاختطاف من قبل المخابرات الوطنية التركية (MIT) دون موافقة رسمية من الدولة المضيفة، أو يتم إجراؤها بموافقة رسمية من الدولة المضيفة. وفيما يتعلق بالوضع الأخير، تشير المحكمة بشكل خاص إلى إنشاء مكتب في عام 2017 في المخابرات الوطنية التركية (MIT) للاختطاف البشري والإعدام.
وترى المحكمة أن الاختفاء لفترة طويلة والاحتجاز التعسفي لا يتماشيان مع القانون الدولي.
وبناءً على المعلومات المقدمة إلى المحكمة، هناك أسباب معقولة للوصول إلى استنتاج مفاده: أن عمليات الاختفاء القسري المحلية يتم إجراؤها من قبل مسؤولي المخابرات التركية (MIT) أو أفراد آخرين يعملون مع الدولة التركية أو لصالحها. تشير المحكمة إلى أن تركيا تعترف علنًا بمشاركتها -بشيء من الفخر الواضح- وبالتالي بمسؤوليتها فيما يتعلق بحالات الاختفاء القسري في دول أخرى غير تركيا.
علاوة على ذلك، ترى المحكمة أن الشكاوى والادعاءات المتعلقة بحالات الاختفاء القسري هذه لا يتم التحقيق فيها بشكل فعال. من العناصر اللافتة للنظر والمتكررة التي تلاحظها المحكمة أن أفراد عائلات الأشخاص المختفين نشطون للغاية في جمع الأدلة وتقديم الشكاوى، ولكن دون أي نجاح. بل وأكثر من ذلك، تلاحظ المحكمة أن أفراد الأسرة في كثير من الأحيان يتعرضون للضغوط للتراجع عن شكاواهم والتوقف عن البحث عن أقاربهم المفقودين.
وخلصت المحكمة إلى أن تركيا لا تتصرف بما يتفق مع التزامها الإيجابي بالتحقيق بموجب القانون الدولي، وأنه لا توجد حماية فعالة للحق في الحرية والسلامة الشخصية وحياة المعارضين المفترَضين للحكومة.
وتلفِت المحكمة الانتباه بشكل خاص إلى أن إفادات الشهود التي قُدمت خلال جلسات الاستماع تطرقت إلى أحداث بالغة القسوة، وتُعرب عن قلقها إزاء الحالة النفسية للعديد من الضحايا المزعومين، وتوصى بتلقي العلاج النفسي والطبي المناسب على وجه السرعة.
–
المصدر: موقع زمان عربي
للاطلاع على كافة التفاصيل يمكن تحميل هذا التقرير باللغة الإنجليزية: