المشتلة النوعية

لقد اكتسب مفهوم وراثة الأرض أبعادًا جديدة لدى الأستاذ كولن جعلت الأستاذة فريدة زمرد تحاول رصده في مضامينه ومجالاته وصفاته وتكشف عن وظيفته الحضارية التي عمل الأستاذ كولن على ترسيخها فكرًا وفاعلية. وقد تجلى ذلك في كل كتاباته سواء في “ونحن نقيم صرح الروح” أو “ونحن نبني حضارتنا” وأخيرًا وليس آخرًا كتاب “الغرباء”. فقد تناول الباحث الأكاديمي محمد ياسين -من خلال هذا الكتاب- كيف عانى كولن وهو يشتغل بأناة وحكمة وتدبر في محاولة لإعادة صياغة عالم جديد انطلاقًا من العمق الإنساني بأبعاده القيمية والذاتية. ولم تكن هذه الغاية يسيرة هينة فدونها خرط القتاد، لذا كانت حركته التجديدية التي تستشرف مستقبلاً واعدًا مصحوبةً بأنينه المتواصل على ما آلت إليه أحوال هذه الأمة وألمه الذي لم ينفك عنه لوضعها. ولكن ماذا يجدي البكاء في واقعٍ سريع التحول والتبدل؟ واقعٍ يحتاج إلى قدرات خاصة ومنهج منضبط، لكي يوصِّل للعالم صوته ويبلغه رسالته، فمع جلال الرسالة وعظم قدرها فإنها تحتاج إلى قدرات تواصلية هائلة لاقتحام قلاع النفوس المحصنة، وتكوين الخميرة من الناس أو المشتلة النوعية وتطويعها لحمل أعباء هذه المسؤولية بأمانة واقتدار. وهذه القدرات التواصلية ببعديها الفسيولوجي والبسكولوجي ومنهجية التواصل التي تمتع بها الأستاذ كولن في مسيرته الإصلاحية هي ما اشتغل على إبرازه وتحديد أهم مرتكزاته الأكاديمي والناقد الأدبي الجزائري البارز سليمان عشراتي. أما الأكاديمي والأديب المغربي محمد جكيب فقد استوقفته عتبات “الغرباء” فراح يجيل النظر فيها متأملاً في حكمة الغربة وخطابها سواء في عتبة العنوان أو من خلال إضاءات المقدمة أو في الرؤية الواحدة التي تتقاسمها عناوين مقالات الكتاب كله وإن تعددت أشكالها.

إن المسيرة الإصلاحية للأستاذ كولن اصطدمت بأشواك كثيرة، سواء في الحقل الدعوي المرتبط بالعقيدة والتيارات الفلسفية الوضعية، أو في الحقل السياسي المرتبط بمفاهيم كانت دائمًا مثار أزمات ونقاشات بين تيارات المجتمع المختلفة في الداخل والخارج. وقد رصدت الباحثة الأكاديمية نوسة السيد في رسالتها العلمية الجانب الأول من خلال إبراز رؤى الأستاذ كولن التجديدية المعاصرة لعلم الكلام والفلسفة، وكيف عرض مسائل العقيدة وشرحها شرحًا سهلاً واضحًا يخاطب العقل والقلب على السواء. كما تصدى للجانب الثاني الكاتب الصحفي فاروق مرجان الذي تتبع حوارات الأستاذ الإعلامية وبين موقفه الثابت من الديمقراطية، وكيف أنها تتفق مع ما جاءت به تعاليم الإسلام، خاصة إذا ما تحقق لها البعد الأخروي وأشبعت مطالب الناس الروحية.

وفي الملف التركي لهذا العدد يأتي تقرير “انتهاكات حقوق المرأة في تركيا” مكملاً لسلسلة التقارير التي بدأتها نسمات منذ العدد السابق ليرصد بالبيانات والمعلومات الموثقة طبيعة الممارسات الممنهجة التي تنتهك حقوق المرأة على كافة الأصعدة.