1- أعداء المجتمعات البشرية
تعمق المفكر التركي البارز سعيد النورسي، منذ ما يقرب من مئة عام، في دراسة وضع المسلمين في العالم الحديث. وخلص إلى أن العدو الحقيقي للمسلمين على أعمق المستويات ليس مجموعة أو أخرى من المسيحيين، وليس حضارة أو أخرى من المشركين. بل إن العدو الحقيقي للبشرية ليس بشرًا في الأساس. تحدث النورسي عن أعداء البشرية كما لو كانوا أشخاصًا وأسماهم “اللورد الجهل”، و”السير الفقر”، و”السيد الاختلاف”. لا تتهدد هذه القوى الثلاثة الهدامة في المجتمع الإنساني (الجهل والفقر والاختلاف) المسلمين فحسب، بل أتباع كل الديانات؛ وبالتالي فإنها العدو المشترك الواجب توحيد الصفوف لمواجهته.
صحيح أن سعيد النورسي توفي عام 1960، لكن كتاباته المتمثلة في 6600 صفحة من الخواطر حول القرآن بعنوان “رسائل النور” ما زالت تؤثر في ملايين المسلمين، خاصة في تركيا. وفتح الله كولن أحد هؤلاء الأشخاص الذين تأثر فكرهم بكتابات النورسي. تعرف كولن على كتابات النورسي للمرة الأولى عام 1958، عندما كان في العشرين من عمره، ويقر أنه استفاد كثيرًا من “رسائل النور”.
هناك من يتهم كولن في تركيا بأنه نورسيّ (من أتباع سعيد النورسي). لا ينكر كولن أنه تعلم الكثير من كتابات النورسي، كما تعلم من كتابات عدة مفكرين مسلمين. لكنه يرفض وصفه بأنه أحد أتباع النورسي بالمعنى الفئوي. حيث قال في أحد اللقاءات:
“مع أن بديع الزمان سعيد النورسي استخدم كلمة “نورسيّ” بضع مرات، فإن خصومه يستخدمونها للتقليل من شأن حركته وأتباعه، ولإظهارها بمظهر الطائفة المهرطقة. يتأثر الشخص في حياته بعدة أشخاص وكتاب وشعراء وعلماء ويستفيد منهم. قرأتُ في حياتي أعمال العديد من المؤرخين والكتاب من الشرق إلى الغرب، واستفدت منهم. أحدهم بديع الزمان سعيد النورسي. لم يسبق لي أن التقيت به شخصيًّا. ومع ذلك، لم أستخدم أي ضمير إسناد للإشارة إلى مجموعة بعينها. بل ظل هدفي الوحيد أن أكون مؤمنًا وأسلم روحي لله”.
وهكذا أقر كولن بتأثير النورسي على طريقة تفكيره، لكنه أضاف تأكيداته وتأويلاته وتوجيهاته إلى تعاليم “رسائل النور” الأصلية. يقترح العلماء الأتراك عدة طرق لربط فكر كولن وبرنامجه الاجتماعي بفكر أستاذه النورسي. يرى هاكان يافوز أن كولن كان أحد أولئك الذين “أعادوا تقديم” أفكار النورسي؛ في إشارة إلى استباحة كولن لأفكار النورسي، في حين يتحدث إحسان يلماز عن “التغيرات الاقتصادية والسياسية والتعليمية”، ويشير مصطفى أكيول إلى “مناهج جديدة تخصه وحده [كولن]”.
ومن الاختلافات الواضحة بين توجيهات الرجلين تأكيد النورسي على أهمية الدراسة، وتأكيد كولن على أهمية الخدمة. لا يوجد تناقض بين الاثنين، لكن التركيز يتحول من التغيير الروحاني الداخلي النابع من دراسة “رسائل النور” إلى تغيير المجتمع بمساعدة جهود الجماعة الملتزمة حاملة راية التغيير.
2- مواجهة أعداء البشرية الحقيقيين
وفي ضوء ذلك، نستطيع أن نفهم انشغال كولن الجاد بالتحدي الثلاثي الذي وصفه النورسي في القرن العشرين، وسعيه لحشد أتباعه لمحاربة الجهل والفقر والاختلاف. انصب تركيز الحركة في السنوات الأولى خلال الثمانينيات على محاربة الجهل. هناك كتابات كثيرة حول النظرية التربوية لكولن، وإنجازات أكثر من 600 مدرسة و6 جامعات أسسها أعضاء مجتمع كولن ويديرونها. إن هذه المدارس، وغيرها من جهود تثقيف المجتمع، مثل جريدة زمان، وشبكة قنوات “صمان يولو” التلفزيونية، وأكثر من 35 مجلة احترافية وشعبية؛ كلها دليل على التزام مجتمع كولن بمحاربة ظاهرة الجهل واسعة الانتشار.
ثم تحول تركيز الحركة في وقت لاحق خلال التسعينيات إلى تأسيس مؤسسات ومراكز حوار في مختلف أنحاء العالم. وكانت أول مؤسسة حوار يؤسسها مجتمع كولن “منظمة الكتاب والصحفيين” التي بدأت عملها في إسطنبول عام 1994. تشجع هذه المنظمة الحوار بين الأديان، مثل دعم مؤتمرات الأديان الإبراهيمية الدولية في حران/أورفا (عام 2000) وماردين (عام 2004)، والتي استقبلت علماء يهود ومسيحيين ومسلمين ليدرسوا معًا أصول التوحيد في الأديان الإبراهيمية، بالإضافة إلى لقاءات منتدى “منصة أبانت” لمناقشة الشواغل الخاصة بالمجتمع التركي. وقد أصبحت منظمة الكتاب والصحفيين نموذجًا لمبادرات الحوار المحلية والوطنية في العديد من الدول. شهدت السنوات الأخيرة إلقاء مزيد من الضوء على مختلف مؤسسات ومراكز الحوار في جميع أنحاء العالم، التي أسسها ويديرها أعضاء في مجتمع كولن. لا توجد قائمة تضم هذه المراكز التي قد تتجاوز 50 مركزًا في الولايات المتحدة وحدها. تعتبر مراكز الحوار محاولة مباشرة لمحاربة الاختلاف من خلال القضاء على حواجز سوء الفهم والشك وأنصاف الحقائق التي تكتنف أغلب العلاقات بين الأديان.
بعد الالتزام في الثمانينيات بمحاربة الجهل من خلال التعليم، والالتزام في التسعينيات بمحاربة الاختلاف من خلال الحوار، شهد العقد الأول من القرن الجديد بداية حركة محاربة العدو الثالث الخطير؛ الفقر، من خلال الأعمال الخيرية. هناك تقارير موثقة كثيرة حول المدارس ومراكز الحوار التي يديرها أعضاء مجتمع كولن، لكن الكتابات قليلة حول جهود محاربة الفقر. ربما يكون الفقر العدو الأوسع انتشارًا في المجتمعات الحديثة بين الأعداء الثلاثة الذين أشار إليهم سعيد النورسي. سأحاول في هذه الدراسة أن ألقي الضوء على جهود مجتمع كولن في محاربة الفقر من خلال تقديم المعونات والإغاثة، وتأسيس منظمة “كيمسا يوك مو” لتكون التمثيل المؤسسي لهذا الشاغل.
3- أصول منظمة “كيمسا يوك مو”
“كيمسا يوك مو” منظمة جديدة سريعة النمو ترجع أصولها إلى برنامج تلفزيوني عُرض عام 2002 على قناة “صمان يولو” التلفزيونية. كان هدف البرنامج توعية الجمهور بمشاكل “الأشخاص المحتاجين، والتعساء، والبؤساء، والأقل حظًا”. اسم البرنامج “كيمسا يوك مو”، وهي عبارة تركية تعني “ألا يهتم أحد؟” أو “أليس هناك من يهتم؟” حقق البرنامج التلفزيوني نجاحًا كبيرًا، مما أدى إلى تأسيس المنظمة التي أصبحت الآن قناة المساعدة والإغاثة الرئيسية في مجتمع كولن.
انصب تركيز المنظمة في الأصل على أعمال الإغاثة أكثر من تخفيف حدة الفقر. فوجهت جهودها لتوفير المساعدات والإغاثة في حالات الطوارئ لضحايا الكوارث الطبيعية، وضحايا الفقر المتوطن. ركزت أنشطة المنظمة بشكل أساسي في البداية على مساعدة ضحايا الفقر داخل تركيا، ثم بدأت تستجيب لطلبات المساعدة الدولية. كان حجم العمل هائلاً بالنسبة لمنظمة صغيرة تحارب مشكلة الفقر. وكما أوضح محمد زي أوزكارا، رئيس مجلس اللجنة التنفيذية لمنظمة “كيمسا يوك مو”: “بعد أن بدأنا تقديم أنشطة المعونة والتضامن الاجتماعي، أدركنا أن أبعاد مشكلة الفقر في بلادنا تفوق كل تصوراتنا”.
4- مشروعات منظمة “كيمسا يوك مو” في تركيا
ومع ذلك، انطلقت برامج عديدة تهدف إلى تخفيف حدة الفقر. يسعى “مشروع العائلة الشقيقة” إلى “توأمة” العائلات ذات الدخل المتوسط والعالي مع العائلات الفقيرة، لمساعدة العائلات المحتاجة على مواجهة أزماتها الاقتصادية، ودعم تعليم أطفالها، والوصول إلى مستوى معيشي كريم. أهم ما يميز هذا المشروع، الذي وجد مئات العائلات الشقيقة للمحتاجين، هو تركيزه على أهمية التواصل الشخصي في الحياة العائلية؛ إذ تهدف فكرة توأمة العائلات إلى تفادي “الأعمال الخيرية السرية” التي قد لا تحافظ على الاحترام الذاتي للمستفيدين من مشروعات المعونة.
المشروع الثاني الذي أطلقته منظمة “كيمسا يوك مو” هو مشروع المعونة الغذائية. وفرت حملة الغذاء في إسطنبول التي انطلقت في شهر يونيو 2004 العديد من الأغذية الأساسية لأكثر من 600 عائلة تقدمت بطلبات للمنظمة. شهد نفس الشهر توزيع أكثر من 200 عبوة من المواد الغذائية على ضحايا زلزال ضرب دوغو بايزيد على منحدرات جبل أرارات شرق الأناضول. وفي العام التالي، تم توزيع عدد أكبر من عبوات المواد الغذائية على عائلات منطقة كارليوفا في ولاية بينجول شرق الأناضول بعد أن ضربها زلزال في منتصف شتاء عام 2005. ثم اجتاحت السيول الشديدة بعض مدن جنوب شرق تركيا عام 2006 مثل مدينة باتمان، وأورفه (الرها)، وماردين، وإسكندرون، وديار بكر، فوُزعت المواد الغذائية على الضحايا بقيمة 2 مليون يورو تقريبًا. وفي أغسطس عام 2006، دمرت حرائق الغابات نصف قرية يايلاتيبي (الطوق) في منطقة جانكري في وسط الأناضول. فساعدت منظمة “كيمسا يوك مو” في إعادة تشييد المنازل والمسجد، ووزعت الثلاجات والأثاث المنزلي والبطانيات والطعام والملابس على العائلات التي أقامت في الخيام.
إلى جانب تقديم الإغاثة في حالات الطوارئ لضحايا الكوارث الطبيعية، نصبت المنظمة “الخيام الرمضانية” في مختلف أحياء إسطنبول وغيرها من المدن التركية الكبيرة، ونشرت الدعوات اليومية المفتوحة في رمضان لاستقبال أي شخص يرغب في تناول وجبة الإفطار. أقيمت الخيام في أماكن يسهل على الأفراد أو العائلات الفقيرة الوصول إليها. وكما هو الحال في برنامج “العائلة الشقيقة”، اتبع البرنامج صيغة خاصة لضمان التواصل الإنساني بين المحتاجين والميسورين، من خلال مشاركة وجبات الإفطار بدلاً من الاعتماد على التوزيعات الجاهزة التي تفتقر للمسة الشخصية.
نجحت منظمة “كيمسا يوك مو” في رمضان عام 2007 في إطعام أكثر من مليون وثمانمائة ألف شخص ما بين وجبات الإفطار والعبوات الغذائية. ولم تقتصر الخيام الرمضانية عام 2006 على سبع مدن تركية، بل نُصبت أيضًا في الفلبين، وإندونيسيا، وباكستان، ولبنان، وإثيوبيا. وبحلول عام 2007، وصلت الخيام إلى 22 مدينة داخل تركيا وعشرة دول (هي منغوليا، وباكستان، وسريلانكا، وإندونيسيا، ولبنان، والسودان، وأفغانستان، وكينيا، وإثيوبيا، والفلبين). تم إطعام أكثر من 4 آلاف شخص يوميًا في شهر رمضان في مدينة دينزلي وحدها.
تحمل برامج منظمة “كيمسا يوك مو” بُعدًا تثقيفيًا كذلك. تسعى المنظمة، بمساعدة مشروعات المعونة التي تشجع الجميع على المشاركة، إلى توعية الأفراد بواجبهم الديني والأخلاقي والوطني، لتقديم مساعدات عينية لضحايا الفقر وسوء الحظ. وتقديرًا لجهود منظمة “كيمسا يوك مو” في إطعام الطعام في رمضان، قال رئيس الوزراء التركي أردوغان: “أشكركم على الأنشطة التي تنفذونها في منظمة “كيمسا يوك مو”. رضي الله عنكم” .تجب الإشارة إلى أن ميثاق المنظمة يجيز التعاون مع وكالات حكومية وغير حكومية وخاصة، لكن المنظمة ممنوعة صراحة من التدخل في الشؤون السياسية.
لا تقتصر المساعدات المقدمة للمحتاجين على الغذاء. فقد وُزعت ملابس النوم على المرضى في مستشفى بكركوي للأمراض النفسية في إسطنبول عام 2005، مع توفير مواقد وزيت وقود للمحتاجين في فصل الشتاء خلال عامي 2004 و2005. حصل أكثر من ألف طالب في مختلف الأقاليم التركية على المساعدة في هيئة كتب ومستلزمات تعليمية أخرى خلال العام الدراسي 2006. كما شاركت المنظمة في شهر سبتمبر 2004 في برنامج لمحو الأمية، وتعاونت مع وكالة أُنشئت لإيجاد وظائف لأطفال الشوارع. ومن بين المشروعات الأخرى التي شارك فيها 22 فرعًا محليًا للمنظمة زيارات لمنازل كبار السن، وجمع الملابس، ومساعدة ذوي الإعاقات البدنية.
5- مشروعات المعونة الدولية
بدأت منظمة “كيمسا يوك مو” أعمالها بمواجهة مشكلة الفقر في تركيا، وسرعان ما تحولت جهودها إلى مجال المعونة والإغاثة الدولية. بعد وقوع زلزال وتسونامي المحيط الهندي يوم 26 ديسمبر 2006، تضررت مناطق في إندونيسيا، وسريلانكا، والهند، وتايلاند، وتجاوزت الوفيات 128 ألف شخص في إندونيسيا وحدها. كانت منظمة “كيمسا يوك مو” واحدة من الوكالات الدولية الكثيرة التي قدمت الإغاثة في حالات الطوارئ، وشاركت في جهود إعادة إعمار المنطقة. أطلقت المنظمة حملة لجمع التبرعات لصالح المناطق المتضررة، وأرسلت الملابس والطعام والدواء للاجئين في الخيام، ووفرت المواد الكيميائية اللازمة لتنقية مياه الشرب. كما موّلت المنظمة عمليات إصلاح المنازل والمدارس، وأعادت تشغيل مدرسة ضربها تسونامي.
عقب الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم كشمير في باكستان خلال شهر أكتوبر 2005، أقامت منظمة “كيمسا يوك مو” ثلاث مدن خيام للضحايا. استأجرت المنظمة طائرة بضائع لتوفير الإغاثة الفورية في حالات الطوارئ، وتولت مسؤولية توفير الاحتياجات الغذائية والملابس لعدد 5 آلاف لاجئ على مدار 6 أشهر. انطلقت 29 مقطورة من تركيا إلى باكستان تحمل المعونات الطارئة، بما فيها لحوم أكثر من 400 عجل. كما شيدت المنظمة 10 مدارس سابقة التجهيز وأثثتها، تتسع كل منها لعدد 350 طالبًا، ثم سلمت إدارة هذه المدارس لوزارة التربية والتعليم في باكستان.
بعد اجتياح إسرائيل للبنان في شهر يوليو 2006، استجابت منظمة “كيمسا يوك مو” بإرسال معونات إنسانية لضحايا الحرب، وأغلبهم من النساء والأطفال. فقد أرسلت 13 مقطورة مليئة بالدقيق والأغذية الجافة من تركيا إلى السفارة الأردنية في فلسطين. وولت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني توزيع المعونات. كما أرسلت المنظمة 13 مقطورة أخرى تحمل الدقيق والأغذية الجافة إلى لبنان مباشرة، وسرعان ما تبعتها قافلة ثانية تضم 10 مقطورات محملة بالأغذية.
بدأت منظمة “كيمسا يوك مو” عام 2007 تنفيذ برامج المعونات في إفريقيا. فبدأت بإثيوبيا وكينيا، ثم النيجر، وأوغندا، وإفريقيا الوسطى، والكاميرون، والسنغال، وغينيا، والكونغو، وبوركينا فاسو، والتشاد، وتوجو، وغانا، وليبيريا، ومدغشقر، وبنين، وموريتانيا، وأطلقت حملة خاصة إلى دارفور في السودان بداية من مارس 2006. تنفذ المنظمة مشروعات في آسيا، بخلاف المذكورة أعلاه، في كل من بنجلاديش والفلبين. كما أرسلت فرق إنقاذ وإغاثة إلى بنجلاديش بعد إعصار عام 2007.
أما أحدث الحملات التي أطلقتها المنظمة فجاءت استجابة للأحداث المأساوية الأخيرة التي شهدتها كل من ميانمار والصين. وصل أول فريق من المتطوعين والإمدادات من “كيمسا يوك مو” إلى ميانمار في شهر مايو 2008، وحصل على تصريح بتقديم المساعدات الطارئة لضحايا الإعصار، من خضراوات وأرز ومياه شرب ومواد مطهرة. واستطاع معلمو المدارس – التي يديرها أعضاء في مجتمع كولن -المقيمون بالفعل في ميانمار تنسيق جهود الإغاثة الإنسانية.
لم يمض وقت طويل على الجهود التطوعية التي قدمتها منظمة “كيمسا يوك مو” في ميانمار، حتى أعلنت عن إطلاق حملة ثانية لجمع التبرعات لضحايا زلزال الصين. وأعلنت المنظمة يوم 21 مايو 2008 إطلاق حملة جديدة، بدأت بتبرع بقيمة 15 ألف دولار أمريكي من فتح الله كولن نفسه.
6- نظرة على المستقبل
وصلت برامج المعونة التي نفذتها منظمة “كيمسا يوك مو” بحلول عام 2007 إلى 37 مدينة داخل تركيا و42 دولة حول العالم. مع إن أغلب هذه الدول كانت في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، فقد نفذت المنظمة برامج المعونة والإغاثة في 6 دول أوروبية، وفي بيرو في أمريكا الجنوبية. نجحت المنظمة في تحقيق الكثير خلال فترة قصيرة نسبيًا منذ تأسيسها عام 2002، في حين لا توجد منظمات كثيرة استطاعت أن تنمو بهذه السرعة أو أن تحقق هذا القدر في وقت قصير.
اكتسبت المنظمة مكانة مرموقة بالفعل في أوساط هيئات المعونة الدولية. على سبيل المثال، من المتوقع عرض منشورات أعمال المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمة “كيمسا يوك مو” في معرض لندن للكتاب، المقرر إقامته خلال شهر أبريل 2009. لا تتردد المنظمة في تجربة طرق مبتكرة لتحقيق أهدافها. فقد أطلقت حملة جمع تبرعات لضحايا العنف في دارفور تعتمد على تشجيع الشباب التركي على المساهمة بمبلغ 5 ليرات تركية من خلال إرسال رسالة نصية قصيرة بمساعدة أكبر مشغلي خدمات المحمول في تركيا.
تفكر المنظمة في المستقبل في تشكيل فرق متطوعة من موظفي الإعانة تحمل الاسم المبدئي “متطوعو كيمسا يوك مو” لأداء أنشطة المعونة في تركيا وبعض الدول الأخرى. لا نملك سوى أن نتساءل، بعد أن تواصل المنظمة نموها وتطورها كغيرها من الوكالات، هل ستكرس الجزء الأكبر من الوقت والجهد لدراسة أسباب الفقر النظامية، مع تناقص الوقت المخصص للاستجابة لحالات الطوارئ وتقديم المساعدات الفورية لمن يحتاجها.
“كيمسا يوك مو” مبادرة مستوحاة من أسمى القيم والتعاليم الإسلامية. يشكّل نموذج المساعدة التي قدمها الأنصار للمهاجرين في حياة النبي محمد الأساس الذي تُبنى عليه قيم المنظمة المستمدة من تجربة الجيل الأول من المسلمين. لقد أصبحت الأعياد الإسلامية مناسبة جيدة لإبداء الاهتمام الواضح بالفقراء. وأصبح شهر رمضان وقتًا أساسيًا لإلقاء الضوء على مشاكل الفقراء. فكان مشروع “أضحية 2007” فرصة مواتية خلال عيد الأضحى لتوزيع اللحوم على المحتاجين في عدة دول. شارك في المبادرة 1500 متطوع، تولوا مسؤولية ذبح الأضاحي وتوزيع اللحوم على فقراء المسلمين وغير المسلمين في 42 دولة. وبحلول عيد أضحى عام 2008، كان أكثر من مليون ونصف المليون شخص فيما يزيد عن 50 دولة قد تلقوا اللحوم التي تبرعت بها منظمة “كيمسا يوك مو” وقامت بتوزيعها.
إذا كانت منظمة “كيمسا يوك مو” تستمد قوتها الروحانية من تعاليم الإسلام، فإن هذا لا يعني أن المعونات المقدمة للمحتاجين تقتصر على المسلمين. فإن جهود الإغاثة في حالات الطوارئ في كل من ميانمار والصين وبيرو وسريلانكا، ومبادرات توزيع اللحوم في عيد الأضحى دون تمييز على أساس الدين، تؤكد أن اهتمام المنظمة لا يقتصر على المحتاجين في الأمة الإسلامية.
سيلاحظ المسيحيون واليهود وغيرهم أن أغلب البرامج التي تقدمها منظمة “كيمسا يوك مو” تشبه -إن لم تكن تطابق- البرامج التي تقدمها غيرها من الهيئات الخيرية ذات التوجه الديني أو العلماني، بما فيها الهيئات الإسلامية الأخرى مثل هيئة الإغاثة الإسلامية. على سبيل المثال، يبدو الموقعان الإلكترونيان لمنظمة “كيمسا يوك مو” و”هيئة الإغاثة الكاثوليكية” متشابهين جدًا وكأنهما منظمتان شقيقتان. وهذا التشابه ليس غريبًا لأن منبعه نفس الإله الذي يهتم جدًا بمعاناة الفقراء، سواء في التقاليد اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية. يمكن النظر إلى منظمة “كيمسا يوك مو” باعتبارها أحدث وأسمى فرصة لأتباع الأديان الإبراهيمية لوضع التزامهم حيز التنفيذ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
سعيد النورسي، “مناظرات”، (تحرير)، ص 433، مأخوذ من شكران فاهيدي، “بديع الزمان سعيد النورسي”، إسطنبول،
1992، ص 95.
فتح الله كولن، مأخوذ من “فتح الله كولن: هل يحمل أكثر مما تراه العين؟”، باترسون، نيويورك: دار نشر زينور، بدون تاريخ، ص 96.
إم هاكان يافوز، “الإسلام على الساحة العامة: حالة حركة النور”، الإسلام التركي والدولة العلمانية (تحرير إم هاكان يافوز وجون إل إسبوزيتو)، سيراكيوز: مطبعة جامعة سيراكيوز.
إحسان يلماز، “تغيير الخطاب التركي الإسلامي حول الحداثة والغرب والحوار”، دراسة مقدمة للرابطة الدولية لدراسات الشرق الأوسط (IAMES)، برلين، 5- 7 أكتوبر 2000، الحاشية السفلية 33.
مصطفى أكيول، “ماذا جعل حركة كولن ممكنة؟” في “العالم الإسلامي يتغير: إسهامات حركة كولن”، لندن: مطبعة جامعة ليدز متروبوليتان، 2007، ص 28.
مثل توماس مايكل، “فتح الله كولن المربي”، الإسلام التركي والدولة العلمانية.
ترجمة الاسم الرسمي باللغة الإنجليزية “منظمة المعونة والتضامن كيمسا يوك مو”، ويمكن زيارة الموقع الإلكتروني للمنظمة هنا: http://www.kimseyokmu.org.tr/en/
“ميثاق منظمة المعونة والتضامن كيمسا يوك مو”، البند 3.
“Kimse Yok mu, Cin’e de yardimeliuzatiyor”، موقع تشايناتورك http://www.chinaturk.com/modules.php?name=News&file=article&sid=178
“يعيد العيد الوحدة إلى تركيا”، جريدة زمان اليومية، 1 يوليو 2008.