«عليكم بالصدق، فإنّ الصدق يَهدي إلى البر، وإنّ البر يهدي إلى الجنة…»
يروي البخاري ومسلم وأبو داود عن عبد الله بن مسعود الحديث التالي:
«عليكم بالصدق، فإنّ الصدق يَهدي إلى البر، وإنّ البر يهدي إلى الجنة. وما يزال الرجل يَصْدُق ويَتَحرَّى الصدق حتى يُكتَب عند الله صِدِّيقاً. وإياكم والكذبَ، فإن الكذب يَهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار. وما يزال الرجل يَكذِب ويَتَحرَّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّاباً.»
الصدق شعار الأنبياء، والكذب شعار الكفار والمنافقين. الصدق أساس مهم يحتضن الحاضر والمستقبل، والكذب لطخة سوداء على جبين الزمن. ليس هناك فرد واحد عاش سعيداً ووصل إلى السعادة الأبدية في ظل الكذب أبداً. وليس هناك فرد واحد مشى في طريق الصدق المنير وباتجاه السعادة الأبدية فأصابه نكد الحظ وشقي في الدنيا وفي الآخرة.
الكذب من أبرز أسس الكفر ومن أوضح علامات النفاق، وهو ادعاء مخالف لعلم الله تعالى. لقد خرّب الكذب كل شيء في أيامنا الحالية… خرب الناس وجعل الدنيا داراً ومسكناً للكذابين. إنه علة اجتماعية خطيرة ومفزعة إلى درجة أنك لو أعطيته حق الحياة وفتحت له أبواب الوطن والبيت والسوق والبرلمان والمعسكر، وأعطيته حرية التجول فيها لخابت الأمة وما أفلحت أبداً.
الصدق شعار الأنبياء، والكذب شعار الكفار والمنافقين.
وعلى النقيض من هذا فإن الصدق أهم أسس الإسلام وأبرز صفة في الْخُلُق المحمدي وحجره الأساس والصفة المميزة للأنبياء وللأولياء والمحور الأساس للرقي المادي والمعنوي. الصدق صفة الملائكة والكذب صفة الشياطين. الأول صفة العبيد المكرمين عند الله، والآخر صفة الأرواح الخبيثة. الأول صفة فخر الكائنات عليه أكمل الصلوات وأتم التسليمات والآخر صفة الدجالين.
وكلمة “البرّ” تعني جماع الخير، وهي كلمة شاملة تعني صدق التفكير وصدق الحديث وصدق النية وصدق السلوك وصدق العيش… أي يمكن جمع الكثير من صور الخير تحت عنوانه وإرجاعها إليه.
أما كلمة “الفجور” فعلى عكس الكلمة الأولى تعني جماع الشر، ولأنها ضد كل صفات الخير والصلاح فهذا يعني أنها تعني كل الأفكار المنحرفة وكل الكلام المنحرف والسلوك المنحرف، فكأنها بذرة جهنمية.
وفي الحديث مقابلة بين “الصِّدِّيق” و”الكذاب”. ففي الأول نرى الصدق وقد أصبح طبيعة وفطرة لديه فأصبح مثالاً للصدق. أما الثاني فقد عجن الكذب في طبيعته فأصبح من الكذابين المحترفين.
الصدق صفة الملائكة والكذب صفة الشياطين.
وقد استعملت صيغة المبالغة عند وصف كلتا الصفتين، فالذي نذر نفسه للصدق يكون رمزاً لصدق التفكير وصدق الحديث وصدق السلوك في الدنيا وفي الآخرة ورمزاً للقرب من الله، إن لم يكن اليوم فغدا. أما الذي ترك نفسه للكذب، فسيكون رمزاً لكذب التفكير وكذب الحديث وكذب السلوك في الدنيا وفي الآخرة، إن لم يكن الآن فغداً.
وهذان الطريقان أحدهما طويل والآخر قصير، أحدهما نير والآخر مضبب، أحدهما خطير والآخر أمين… هذان الطريقان لابد أن ينتهي أحدهما إلى الجنة والآخر إلى الجحيم. في كل محطة من محطات الطريق الأول هناك مكافآت وجوائز لصاحبه ثم ينتهي الطريق إلى الجنة. وفي الطريق الثاني الخيبة والسوء ثم ينتهي الطريق إلى جهنم وإلى الخسران الأبدي.
كنا قد ذكرنا هذا الحديث في موضوع صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم. غير أننا نريد أن نقف هنا على نتائج الصدق في الدنيا وفي الآخرة، وعلى أضرار الكذب على مستوى الفرد وعلى مستوى الحياة الاجتماعية، وكيف أن الحديث النبوي استطاع أن يغطي كل هذه المعاني في جمل قصيرة ومركزة.
أجل، إن المدقق لهذا الحديث فقط يدرك ويتأكد تماماً بأن جَمْع كل هذه المعاني الطويلة والمفصلة في مثل هذه الجمل القليلة والقصيرة وإظهار هذه المعاني بهذه الطريقة الساحرة للنفوس ليس إلا ميزة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم. فما من أحد غيره يستطيع ذلك.
المصدر: من كتاب الأستاذ “النور الخالد”
Leave a Reply