ومما يلفت الانتباه في هذه المرتكزات هو أن الأستاذ فتح الله يلح على أهمية العناصر الأخرى التي تنبني عليها الثقافة الذاتية ، وهذه العناصر هي الإجماع الذي يعتبر عنصرا مهما في نظر الأستاذ لأنه يقوم على اتفاق بين المتخصصين في مجالاتهم والقادرين “على إثباتِ وتقييم مسألة معينة بالاستناد إلى الأدلة الأصلية واجتماعهم على رأي واحد فيها. فلا يعد اتفاقُ العوام على شيء من المسائل إجماعًا، كما لا ينعقد الإجماع في مسألةٍ تُناقض الأدلةَ الشرعية. كذلك لا عبرة للإجماع فيما ورد فيه من الشارع نصّ، وفيما هو معلوم من الدين بالضرورة. ولا في مواضيعَ مثلِ حدوث الكون وعدم أزليته. ويقع خارجَ شمولية الإجماع قضايا مثل ثبوت حقيقة وجود الله ووحدانيته والنبوةِ. ولا يُتصور الإجماع في الأمور التي يتعلق فهمها ببيان الشارع كأحوال الآخرة وعلامات الساعة وأنواع النعم والعذاب في الأخرى”.
فالإجماع لا قيمة له إذا لم يصدر عن أهل العلم والدراية، لأنه يقوم في الأصل على نوع من الاجتهاد وتقليب القضايا المثارة للنقاش على كل الأوجه قبل بناء حكم دقيق عنها، وعندما يجمع أهل الدراية على الحكم الواحد، ففي ذلك إجماع مؤسس على أن الحكم قد وافق روح التصور الإسلامي وراعى كل مقاصد الشريعة.. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن الأستاذ فتح الله كولن يحلم بأن تتحول قضية الاجتماع والاجتهاد بصفة عامة إلى مؤسسة غير مرتبطة بالأشخاص، توكل إليها مهمة العمل على إيجاد أجوبة عملية ومقنعة لأسئلة الواقع المعاصر في كافة المجالات والميادين.
كثيرا ما يتحدث الناس في عالمنا الإسلامي عن الوحدة والتكامل، ولكن العناصر الممهدة لهذا التكامل لا تتحقق إذا لم يكن الناس قد حققوا توحدهم الرؤيوي والفكري، وإذا لم يتحول الاجتهاد إلى مؤسسة ذات ضوابط معروفة تمارس سلطة معروفة على الأفراد والجماعات، إذ يقول الأستاد فتح الله عندما يتحدث عن نقاط الالتقاء والاتحاد: “لا تتصرف أبدًا كحَواريّ الوحْدة، ولا تقل لكل من تقابله “تعال لنتّحد!”، لأنها دعوة ليست في محلّها. أما عندما تقول هذا بأسلوب من يدعو الآخرين للانضمام إلى مجموعته فهو خطأ أكبر وعدم توقير، ذلك لأن مثل هذا الأسلوب لا ينتج عنه -حتى عند أكثر الناس جنوحًا للخيال- سوى زيادة التعصّب لجماعته، بل قم بالثناء على خدماتهم واحترم ووقّر مرشديهم”.
Leave a Reply