دولة هاجرت عقولها، واعتقلت حكومتها خيرة مفكريها.. هكذا تمضي تركيا تحت حكم رئيسها، رجب أردوغان، فعلى وقع الاعتقالات والمحسوبية ومحاربة الفكر الحر، تعاني الجامعات التركية من نزيف عقولٍ مستمر، جعل أروقتها خاوية من الأساتذة، الذين إما فضلوا الهجرة هربا من جحيم “العدالة والتنمية”، أو سقطوا في فخ الاعتقالات.
بيانات مركز القياس والاختيار والتنسيب التركي (ÖSYM)، كشفت عن خلو 273 قسما في 78 جامعة حكومية، من هيئة التدريس وأساتذة الجامعة والمعيدين، وفقاً للخبر الذي نشرته صحيفة هبر دار، فهناك 1434 قسما يخلو من الأساتذة الجامعيين، و743 قسما يخلو من المعيدين.
وحسب بيانات المركز، في الوقت الذي تتسع فيه هذه الأقسام الخالية من أعضاء هيئة التدريس والأساتذة الجامعيين إلى 14 ألفا و421 قسما، هناك أقل من 5 أكاديميين لكل قسم من 1694 قسمًا، من بينها 642 قسمًا يعمل بها 3 أكاديميين فقط، و 96 قسما يعمل بها أكاديميان اثنان فقط، و24 قسما يعمل بها أكاديمي واحد.

أزمة مستحكمة

أقسام التمريض تأتي على رأس الأقسام التي تعاني من قلة أعضاء هيئة التدريس، إذ يخلو نحو 26 قسما من أصل 98 من أقسام التمريض من الأكاديميين، فيما تتشكل معظم الأقسام الخالية من أعضاء هيئة التدريس في الكليات الأخرى التي تضم طلابا من الجنسين، وتضم 21 قسما لإدارة البنوك و20 قسما لإدارة العلاقات الدولية والتجارة.
العجز في أعداد الأكاديميين أثر سلبا على العملية التعليمية في الجامعات، فهناك 10 طلاب لكل أستاذ جامعي داخل 1400 قسم، وأكثر من 20 طالبا لكل أكاديمي داخل 444 قسما، وأكثر من 35 طالبا لكل أكاديمي داخل 50 قسما، هناك بعض الأقسام التي يوجد بها أكاديمي لكل 70 طالبا.

هروب كبير

 ديسمبر الماضي أجرى حزب الشعب الجمهوري دراسة حول هجرة العقول التركية، ولفت النائب البرلماني عن بلدية إزمير إلهامي أوزجون، إلى الظاهرة أمام البرلمان، وقال: “سجلت أعداد العلماء المهاجرين خلال العامين الأخيرين أعلى نسبة لها في تاريخ تركيا، وجاءت ألمانيا في مقدمة الدول التي رحلوا إليها”.
بحسب الدراسة فإن عدد الأتراك الفارين عام 2016 بلغ 69 ألفا و326 شخصا، وارتفع إلى 113 ألفا و326، بنسبة زيادة 63% خلال عام 2017، بينما ارتفعت نسبة المهاجرات من 37 إلى 42%، حيث زادت في عام 2018 إلى 253 ألفا و640 شخصا، وتصدرت مدن إزمير وجناق قلعة وإسكي شهير وموغلا وأدرنة وتكيرداغ وقرقلر إيلي، النسبة الأكبر من تيارات المهاجرين.
يناير الماضي كشف ديوان المحاسبة التركي عن إغلاق 979 قسمًا علميًا بالجامعات التركية خلال العام 2018، مشيراً إلى تعطل العديد من الكليات والبرامج التعليمية نهائياً بسبب فرار الأكاديميين والطلاب الأتراك من سياسات القمع التركي.
في ردها على طلب إحاطة تقدم به النائب عن حزب الشعب الجمهوري ألباي أنتمان، اعترفت وزارة التعليم بإغلاق تلك الأقسام الجامعية، وفق إحصاءات هيئة التعليم العالي، وزعمت أنه جرى نقل الأكاديميين المسجلين بالبرامج التعليمية المغلقة لأقسام أخرى.
أكد أنتمان أن التعليم العالي في تركيا تحول إلى ساحة لدعم السلطة، وأن المناصب الأكاديمية تتاح فقط للشخصيات المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم.
بإعلان حالة الطوارىء عقب مسرحية انقلاب يوليو 2016 تم إلغاء انتخابات رؤساء الجامعات وفرض نظام التعيين المباشر من طرف الرئيس رجب إردوغان، ما مكن السلطات من القضاء على الحرية داخل الجامعات، وجعلتها تابعة للقصر الرئاسي.
قائمة أفضل 500 جامعة حول العالم خلت من وجود أية جامعة تركية سواء حكومية أو خاصة في العام المنصرم، فيما يواصل خريجو الجامعات والأساتذة الفرار خارج البلاد، هربا من القمع والفصل التعسفي.
على عكس الحال في جامعة كاتب شلبي، التي تدهورت أوضاعها وأصبحت خالية من الطلاب بعدما كانت من أكبر 4 مؤسسات تعليمية في تركيا، لتتدهور أوضاعها منذ أن تولى إدارتها عضو “العدالة والتنمية”.
إدارة الجامعة لعبت دورًا في تخريبها، فمنذ عام 2016 لم تجدد عقود أعضاء هيئة التدريس، وأغلقت الأقسام دون مبرر، ولم تترك سوى قسم التقنيات السمعية والبصرية وإنتاج وسائل الإعلام مفتوحاً.
المصدر: موقع عثمانلي