الأستاذ هو فتح الله كولن مؤسس حركة الخدمة التركية، وهذا اللقب أسبغه عليه مريدوه وأنصاره الذين يكابدون ويحيون أغرابًا فى بلادهم فى الوقت الراهن بسبب القمع الذى يتعرضون له على أيدي النظام التركي الذي يعتقل الآلاف منهم بلا سند قانوني، فكل قضيتهم هي مناصرتهم للحق وتأييدهم للأستاذ الفيلسوف والمفكر، الذي يقترب بشدة من قضايا المجتمع التركي، ليس هذا فحسب، وإنما تحسبه عالم اجتماع للأمة الإسلامية جمعاء.

وربما يعتقد البعض أن الخدمة حركة إسلامية وفي هذا خطأ بالغ في حق الحركة التي تنتشر في دول عديدة بالعالم، فرسالة مؤسسها الأستاذ كولن هي التعليم فقط، فالعلم يصنع الأخلاق والفضيلة، وكلاهما إذا توافرا في أي مجتمع قاداه إلى تأسيس حضارة دائمة. ومن هنا كان اهتمام الأستاذ الذي يعيش في مهجره القسري بالولايات المتحدة الأمريكية بأهمية إنشاء المدارس لنشر رسالته بتعليم المجتمع وتثقيفه. ولعلي هنا أقدم كتاب الغرباء وهو مجموعة من المقالات التي كتبها كولن منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وتستغرب أنك تشعر وكأنه يكتب عن حالنا اليوم، مثلما كان ابن خلدون عالمًا بأسرارنا حاليًا رغم غيابه عنا منذ 6 قرون تقريبًا، وكلاهما كولن وابن خلدون سبقا بفكرهما الزمن الذص نعيشه.

من فضائل القراءة على أي إنسان أنها توسع مداركه، فما بالنا إذا كانت مقالات الأستاذ كولن تحلق بنا إلى فضاءات فسيحة لتجود علينا بعلم غزير وأفكار خلاقة لما يجب أن يكون عليه أي مجتمع راق ومتحضر، إذ تستشعر فيها بالفلسفة ومضامين الصوفية الحقة وليست الزائفة التي تنتشر في موالد بلادنا الكثيرة التي لم تترك قرية إلا وأفسدتها. عندما تقرأ مقالات كتاب الغرباء تسترجع بلغتها الراقية كتابات زكي نجيب محمود وأحمد بهاء الدين ولويس عوض وعبد الرحمن الشرقاوى وغيرهم من عمالقة الفكر والثقافة والأدب والسياسة في مصر خلال مرحلة سابقة كانت ثرية علمًا وفكرًا. والغرباء هم ثلة من أبطال القلوب وفدائي المحبة وعشاق حقيقة سامية وناشرو رسالة نبيلة، تلفحهم عشرات المخاطر كل يوم، وتتهددهم إنذارات الموت كل لحظة.. هكذا هي حياة غرباء كولن.

المصدر: جريدة الأهرام المصرية، السبت، 21 يوليو 2018 السنة 142 العدد 48074.

رابط المصدر: http://www.ahram.org.eg/NewsQ/661653.aspx