الخدمة أساس البذل بلا تعب

إن هيمنة فكرة الخدمة على العقول والقلوب تجعلنا نشعر بالتقصير تجاه الأمة والمجتمع، وتدفعنا إلى تثمين ما يتداول بيننا من أعمال الخير، وقد كان من نتائج هذا المسلك أن قام بعض الأغنياء الباحثين عن الرضا الإلهي بالتبرع للطلاب الأذكياء من الفقراء وإسكانهم في الأقسام الداخلية خدمة للأمة، والجهد المطلوب لا يتوقف عند هذا الحد وإلا سيشعر الباذلون بعد مدة أنّهم قد أدوا مهمتهم ويركنون إلى الدعة وإلى مشاغل الحياة الاعتيادية، لكن التعلّق بطلب زيادة الخير وتنميته تجعل أبواب خدمات جديدة وواسعة تنفتح أمامهم وتدعوهم لتذوق أذواق أداء هذه الخدمات،[1] وهذا ما يجعل فكرة خدمة الآخرين قابلة للنمو الذاتي لما لها من طابع حركي، يجعلها لا تقبل السكون بأي حال من الأحوال، فتكون القلوب المخلصة المتعلّقة بالخدمة الإيمانية في حيوية دائبة، تتسأل بقلق: “أيمكن أن تنتهي هذه الأنواع من الخدمات الإيمانية؟ ألا توجد هناك ساحات أخرى وساحات أوسع؟”، فإذا بساحات خدمات أخرى وفي مناطق جغرافية أوسع تنفتح أمامهم، وإذا بهم يتذوقون لذة أداء هذه الخدمات في سبيل الله، ويتمتعون بكؤوسها اللذيذة، بما فتح الله أمامهم من ساحات خدمات بأبعاد ومناشط أخرى.

من أهم الطُّرق المؤدية إلى كسب قلوب الآخرين هو البحث على الدوام عن أي فرصة لتقديم الخير والخدمة إلى أصحاب تلك القلوب دون إضاعة أي وقت.

الخدمة مسلك التلطّف وكسب القلوب

الخدمة الإيمانية مسلك امتلاك قلوب الخلق، ذلك أن من أهم الطُّرق المؤدية إلى كسب قلوب الآخرين هو البحث على الدوام عن أي فرصة لتقديم الخير والخدمة إليهم دون إضاعة أي وقت، لهذا فنحن بحاجة إلى تدريب قلوبنا على عمل الخير على الدوام.[2] وتأييد وتشجيع كل خدمة في سبيل الحق والصدق والاستقامة إشارة إلى احترام وتوقير الحق.

ما دامت الخدمة ملكًا عموميًّا يسلكه كل من امتلك الأهلية الرسالية والمعرفية، فليس لأحد أن يدّعي أنّه بوّابه أو مالكه

الخدمة طريق عمومي ليس ملكًا لأحد

ما دامت الخدمة ملكًا عموميًّا يسلكه كل من امتلك الأهلية الرسالية والمعرفية، فليس لأحد أن يدّعي أنّه بوّابه أو مالكه، لهذا يُنتظر من الأمة أن تسلك مسلك الخدمة من خلال إقبال أفرادها على بذل الخدمة من أجل نهضتها، أو على الأقل تأييد كل راغب أو باذل كل غال ونفيس لديه من أجل خدمة أمته والرقي بها إلى مصاف الدول والأمم الراقية، تيسيرًا لخدمة الإنسانية في تنوعها، لهذا انتهى الأستاذ في وصف الطريق الذي يسلكه بأنه مسلك تأييد خدمة الأمة، قال الأستاذ كولن: “هو طريق تأييد كل من يُقدِّم خدمة للأمة ويسعى لخيرها ومساندته ومساعدته، لن نرد على من يكفرنا أو يضللنا ولن نشترك في لعن أو الدعاء على هؤلاء”.[3] لأننا في مسلك قوامه العمل لا الجدل، ومن وُفِّق إلى فتح أبواب العمل وُفِّق إلى غلق مثلها عددًا من أبواب الجدل والكسل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) محمد فتح الله كولن، أضواء قرآنية في سماء الوجدان، دار النيل للطباعة والنشر،القاهرة،صـ385 ــ387.

([2] ) محمد فتح الله كولن، الموازين، ترجمة أورخان محمد علي، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1،2002، صـ145.

([3] ) المرجع نفسه، صـ143.

المصدر: مستقبل الإصلاح في العالم الإسلامي(خبرات مقارنة مع حركة فتح الله كولن التركية)، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2011، صـ449.

 ملاحظة: عنوان المقال، والعناوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.