يرى كولن -مثل سقراط وكونفوشيوس- أن أي فرد أو مجتمع لا يمكنه بلوغ أقصى إمكاناته بدون التعليم، فهو يعتبر التعليم الوسيلة التي يصبح بها الناس كما أرادهم الله حين خلقهم، ومن ثم فإن التعلم هو أهم الواجبات في الحياة. يقول كولن:

“الواجب أو الغرض الرئيسي للحياة الإنسانية هو السعي من أجل المعرفة الإلهية، وما يُبذل من جهد في سبيل ذلك -وهو ما نطلق عليه التعليم- هو عبارة عن عملية سعي نحو الكمال نكتسب من خلالها -في كل الأبعاد الروحية والفكرية والجسدية لذواتنا- المكانةَ التي حُددت لنا كأكمل نموذج للخَلْق. وواجبُنا الرئيسي في الحياة هو اكتساب الكمال والنقاء في تفكيرنا وتصوراتنا وإيماننا. وبأداء واجبنا في العبودية للخالق الرازق الحفيظ، وبمحاولة إدراك سر الخلق من خلال ما لدينا من قدرات وإمكانات، فإننا نسعى لبلوغ مكانة الإنسانية الحقة والفوز بالنعيم والخلود في عالم آخر أكثر سموا”[1]

إن الحياة “الحقيقية” لا تأتي إلا بالمعرفة، فإن من يهملون التعليم والتعلم يُعتبَرون “ميتين”، حتى وإن كانوا أحياء من الناحية البيولوجية، فقد خُلقنا لنتعلم ونَنقلَ ما تعلمناه إلى غيرنا

هنا، يضع كولن التعليم والتعلم في صلب الغرض الأساسي من الوجود الإنساني، وبتعبير آخر أن الهدف من حياة الإنسان هو أن يصبح إنسانًا كاملاً، وهذا تم بطلب العلم والمعرفة. وكولن، كمسلم، يضع هذا الأمر ضمن السياق الأكبر للعبودية لله، ولكن يمكن بنفس البساطة أن نصوغه في سياق أكثر اتفاقًا مع فكر أرسطو، وهو أن غرض كل شيء ووظيفته هي أن يكون هو نفسه بكل كماله واكتماله، وكل شيء بطبيعته مزودا بالقدرات والعناصر الداخلية التي تجعله هو نفسه بشكل كامل، إذا توافر الإطار الملائم. فالبشر يولدون ولديهم القدرة على أن يصبحوا بشرًا بكل معنى الكلمة، ويعتقد كولن (مثل أرسطو وسقراط وكونفوشيوس وكثيرين غيرهم) أن الآلية الفطرية لتحقيق الإنسانية بشكل كامل تكمن في قدرتنا على التعلم. يقول كولن:

وبما أن الحياة “الحقيقية” لا تأتي إلا بالمعرفة، فإن من يهملون التعليم والتعلم يُعتبَرون “ميتين”، حتى وإن كانوا أحياء من الناحية البيولوجية، فقد خُلقنا لنتعلم ونَنقلَ ما تعلمناه إلى غيرنا.[2]

يتحدث كولن في مختلف أجزاء مؤلفه عن حاجة كل الناس إلى التعليم العام حتى يمكن لأي حضارة من الحضارات أن تؤدي مهامها، فيقول: “إن الناس لا يكونون “متحضرين” إلا بقدر ما يحصلون عليه من تعليم، وخاصةً القيم التقليدية الخاصة بثقافة معينة، فالتماسك في الحياة على كافة المستويات يأتي عن طريق تعليم كل المواطنين في أي أمة أو دولة رؤيةً واحدة مشتركة ومنظومةً أساسية من القيم”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت

[1] Gülen, Toward a Global Civilization of Love and Tolerance, 202. (كولن، نحو حضارة عالمية من المحبة والتسامح)

[2] المصدر السابق، ص 217.

المصدر: جيل كارول، محاورات حضارية (حوارات نصية بين فتح الله كولن وفلاسفة الفكر الإنساني)، دار النيل، مصر، 2011، ص107.

ملاحظة: عنوان المقال من تصرف المحرر.