لقد ارتكز مقوم الدعوة عند النورسي على نشر الدرس الروحي التعبدي (التوحيد)، حيث أناط هذا العملاق الصائل، بحركته الخدمية[1] مهمة إذاعة النص القرآني وتعاليم السنة الشريفة بين الناس. وكان يباشر المواجهة ومصاولة الشيطان بسلاح الروح وحده، وهكذا ظل النورسي –رحمه الله – يتعاطى تلك الخدمة الميمونة بصبر ومرابطة، يستغرقه الاستلهامُ القلبي، والشرح المتعمق، والتدبر التذوقي، وإقامة ورش الإسناد والاستمداد، وذلك جهد كان سقفيًّا في مرحلة التفرعن الطوراني. إن الهدف الاستنقاذي والتحصيني كان يومئذ الأرجح. كان النورسي يتصدى لفلسفات الكفر، تنشرها جحافل، وتسندها دول وإمبراطوريات.

أدمج كولن في المقوِّم الإيماني، البعد التجهيزي والإنشائي من خلال استنفار الرجال والثروة “المالية”، وفكر تحقيق البرامج النهضوية، بتأثيث الفضاء الإسلامي بالمرافق، والعمل على مدّ شبكات الخدمة عبر القارات، وتوصيل رسالة القرآن إلى العالمين.

كولن وتجسيد الأهداف

لقد رست تلك الحركة المباركة بتوجهاتها وإنجازاتها على فكر يُثمِّن المستقبل، ويهيِّئ للاجتهاد البنَّاء، وللاستفاقة الحق التي تسير بالأمة على طريق استعادة المجد الغابر، وهو ما تنهض به اليوم وبجدارة لا هوادة فيها مشروعات كولن؛ إذ سار كولن بالدعوة على ذات السبيل النوراني، وسدد نحو البناء وتجسيد الأهداف من خلال إرساء ثقافة النهضة وتوطيد أرضيتها على دعائم التنوير والتجهيز واعتماد المستنهضات الخدمية بأنواعها، والانتشار بفرق الإحسان وفكر المشاريع في أقطار الأرض، ومباشرة التبليغ والتحسيس بمُثل الإسلام بكل السبل، وفي كل مكان.

لقد أدمج كولن في المقوِّم الإيماني، البعد التجهيزي والإنشائي من خلال استنفار الرجال والثروة “المالية”، وفكر تحقيق البرامج النهضوية، بتأثيث الفضاء الإسلامي بالمرافق، والعمل على مدّ شبكات الخدمة عبر القارات، وتوصيل رسالة القرآن إلى العالمين في الصورة العملية الاستنقاذية. فالتوسيع المستمر للقطاعات الخدمية، بتوسيع المرافق وورش العمل الفاعلة، والملبية لشيء من حاجات الناس الروحية والإسعافية في سائر البلاد التي تنتهي إليها وفود الخدمة، هو نهج حركة كولن ومحور أهدافها في تحقيق الوعي الروحي، والتأسيس للنهضة الإسلامية المعاصرة التي تضع في حسابها البعد الكوني، أي أن تكون – بحق – النهضة العالمية الثالثة.

عاش الشيخ النورسي والأستاذ كولن يتحسران على ضياع دور الريادة، وظلا يستمدان من تاريخ تلك الريادة المديد (عشرة قرون) روح تصميمهما ويقينهما بصواب ومشروعية توجههما الدعوي.

كولن وصناعة التاريخ

عاش الشيخ النورسي والأستاذ كولن يتحسران على ضياع دور الريادة العثمانية والائتمان على الموثق .. بل إن الداعيتين ظلا يستمدان من تاريخ تلك الريادة المديد (عشرة قرون) روح استماتتهما وتصميمهما ويقينهما بصواب ومشروعية توجههما الدعوي .. كلاهما يمضي في طريق السلف، يحدوه الإصرار على العمل على انتزاع الحق والشرف في الحياة، واستعادة مكانة كونية مؤثرة، وأن لا مندوحة للاحق من الأجيال والأقطاب من أن يكمل ما بدأه السابق، ويوسع من دائرة حسناته واجتهاداته؛ إذ طريق صناعة التاريخ طريق يمهّد ويتكامل مع تالي الأشواط التي يقطعها الحداة، ومعهم الجموع المؤمنة بالرهانات والمصير السعيد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) يُسمّي النورسي نفسه “خادم القرآن”.

المصدر: سليمان عشراتي، هندسة الحضارة تجليات العمران في فكر فتح الله كولن، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ2، 2013، صـ175/ 176/ 177.

ملاحظة: عنوان المقال، والعنوين الجانبية من تصرف محرر الموقع.