إنَّ عدَّ موضوع المرأةِ مشكلةً في عصرنا مُتعلِّقٌ في الأساس بتيَّارات الأيديولوجيّة النَسَويِّة التي نشأت كردِّ فعلٍ على النظرة الغربية إلى المرأة في العصور الوسطى، وتطوَّرَتْ تزامنًا مع إخلال الحروب العالمية ببنية الأسرة والمجتمع الأوروبي في عصرنا، وقد ظهرت هذه المسألة باعتبارها مشكلةً حديثةً كواحدةٍ من مشاكل المجتمع الحديث، ومن ثمَّ انتقلت إلينا نحن أيضًا.

وبالنظر إلى أنَّ فتح الله كولن شخصية حسَّاسة نَذَرَ نفسَه وكرَّسها في سبيل خدمة الآخرين يمكن تشبيهه بـ”القلب الحنون للأم”؛ أي إنه يتمثَّلُ شفقةَ أكثرِ الأمهاتِ حنانًا؛ ولذلك فربما أن شوقه وتوْقَه الداخلي ودموعه وعطفه ورحمته وعيشه لأجل الآخرين… كل ذلك يساوي ويعادل روح الأم، وحين ينظر إلى المرأة من هذه النافذة بالدرجة الأولى؛ فينظر إليها كوردةٍ حسَّاسة تخضَّبَتْ باللون الأحمر بسبب معاناتها وهي تبُثُّ الرحمةَ والعطف والعَبَقَ للآخرين في إطار تكريسها نفسها من أجل أولادها بينما هي تذبل وتشحب([1]).

ليس من طبيعة القيمة الحقيقية للإنسان أن تتآكل في أي وقتٍ قطّ مع مرور الزمن فتخالط التراب في نهاية أمرها، وما يُشَكِّل هوية الإنسان الحقيقية وما لا يفنى بفناء بدنه في التراب إنما يكمن في روحه وشخصيته وفيما يتحلَّى ويتَّصفُ به من فضائل؛ ولذلك فإن ما يُكسِبُ المرأة قيمتها الحقيقية ليس اختلافها البدنيّ، ولا جسدها ونوعها، وإنما القيم التي تحملها، ويُعبِّرُ فتح الله كولن عن هذا بكلماته الآتية التي تُشبه الحِكَمَ فيقول:

“إن عُمقَ عالَمِ المرأة الداخليِّ وعِفَّتها ووقارها هو ما يرفعها إلى مستوى أعلى من الملائكة وأغلى من الماس”.

“المرأة الصالحة هي تلك التي تَصْدُرُ الحكمةُ من فَمِها، واللطافةُ والرِّقةُ من روحِها، وتبُثُّ بتصرُّفاتِها فيمن حولها”.

“مع أن المرأة التي تُوَسِّع ملكاتها الروحية مع نموّ جسدها تبدو كزهرةٍ تُزَيِّنُ الرؤوس مدةً من الزمان، إلا أنها سرعان ما تذبل ذبول أوراق الخريف؛ فتسقط على الأرض وتدوسها الأقدام، فما أفجعها من نهاية بالنسبة للذين ضلُّوا طريقهم؛ فلم يجدوا الطريق الموصل إلى الحياة الأبدية([2]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1] ) مجلة يغمور، أبريل/نيسان، يونيو/ حزيران، 2000م.

([2] ) فتح الله كولن، الموازين أو أضواء على الطريق، صـ138/ 139.

المصدر: علي أونال، فتح الله كولن ومقومات مشروعه الحضاري، دار النيل للطباعة والنشر، القاهرة، طـ1، 2015م، صـ318/ 319.