كيف تستطيع معرفة أصعب فترات التاريخ؟ هل يا ترى بمعرفة عدد من ماتوا فيها؟ أو بمعرفة كم الأمراض المنتشر في ذلك الوقت؟ أو بطول أعمار الناس في تلك الفترة؟ هل يا تُرى كانت حرب سوريا، وإرهاب داعش، والقتل الجماعي، أم بأكبر حركة لجوء بعد الحرب العالمية الثانية؟

عام 2016م حدثت الكثير من الفظائع التي تجعلها من أسوأ السنوات في الفترة الأخيرة، مما جعلها سنة لا تقل دموية وفظاعة عن كثير من فترات البشرية دموية، لكن بالنسبة للأتراك 2016م كانت أسوأ سنة في تاريخهم، أو على الأقل أسوأ سنة في تاريخ تركيا في غضون الثلاثين سنة الأخيرة من تاريخهم المعاصر.

عملية تحويل الحكم إلى نظام الفرد الواحد بدأت من عام 2011م وانتهت بطريقة دراماتيكية في 15 يونيو 2016م ، وذلك بعدما فشلت محاولة الانقلاب التي خلَّفت وراءها 24 شهيدًا.

الأحداث التي شهدها ذلك اليوم كانت واضحة جدًّا، ادعى الرئيس أردوغان في الساعة الأولى من الانقلاب أنه على علمٍ بمن خطَّط لمحاولة الانقلاب، دون أن يكون لديه دليل واحد يخبرنا لماذا قام بهذه المحاولة الانقلابية، أو على الأقل أن يكو لديه دليل يقدمه للرأي العام لدلالة على صحة اتهاماته.

مع كل هذا الغموض الذي عاشه الشعب التركي، بل والعالم أجمع، ما حدث بعد ذلك وضَّح كل شيء.

تعالة بنا نأخذ نظرة على تلك الأرقام التي ستوضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك من المستفيد الأول من تلك المحاولة الانقلابية الفاشلة؟

38.871 شخصًا تم اعتقالهم عشية العملية الانقلابية الفاشلة مباشرة، فهل يمكنك مثلاً أن تتخيل أن كل سكان مدينة موناكو – وهم يمثلون مثل هذا العدد- في السجن.

6.337 أكاديميًّا تم طردهم من وظائفهم دون دليل واحد للإدانة، وهو رقم يفوق عدد الأكاديميين في جامعتي يالي واستنفورد.

115.094 شخصًا تم فصلهم من وظائفهم، وهو عدد يساوي عدد الموظفين في دولة مثل بلغاريا.

79. 488 شخصًا تم اعتقالهم وإيداعهم السجون بتهمة قيامهم بانقلاب مدته دقائق، دون أن يكون هناك دليل إدانة واحد يثبت صحة هذا الادعاء، وهذا ما يساوي عدد المعتقلين في 16 دولة أوروبية، منهم ألمانيا وانجلترا وفرنسا.

4.034 قاضيًا ومدعيًا عامًّا فصلوا من وظائفهم. وعندما ننظر لهذا العدد بصورة أخرى فهو يمثل عدد القضاة في انجلترا وويلز مضروبًا في أربعة.

10.000 صحفيًّا فقدوا وظائفهم، وهذا العدد يمثل ليس أقل من ثلثي عدد الصحفيين في دولة مثل فنلندا.

145 صحفيًّا داخل السجون.

41.664 طردوا من وظائفهم وهذا بالضبط يشبه ما لو تم فصل 80% من مدرسي دولة مثل أيرلندا.

195 منصة إعلامية تم غلقها والاعتداء عليها، وهذا يشبه كأنك أغلقت كل منصات الإعلام من قنوات وصحف في دولة كاملة مثل الدانمارك.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن. يا ترى بإغلاق الصحف وإسكات المعارضين وغير المعارضين، من هو أكثر المستفيدين من محاولة انقلاب مثل هذه في تركيا؟