أحيت الدولة التركية في 15 يوليو 2019 الذكرى الثالثة للمحاولة الانقلابية الفاشلة، وخلال كلمته بهذه المناسبة تعهد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بمنع تكرار “سيناريو الانقلاب العسكري مرة أخرى”، وهذا رغم كونه اكثر المستفيدين منه حتى اليوم فهو يستغله للضغط على المواطنيين والترويج لوجود مؤامرة ضده وضد تركيا من الداخل والخارج، وللهروب من الازمات المتراكمة داخليا وخارجيا والتي نتجت تباعا بفضل سياساته الغير رشيدة ونزعته الاستبدادية وانفراده باتخاذ القرار.

فبعد “مسرحية” الانقلاب العسكري الفاشل التي تشكك كافة الاجهزة الاستخباراتية الدولية بحدوثه وتؤكد أنه من تدبير وتخطيط “أردوغان” وحاشيته، بغية تصفية خصومه وتهيئة الرأي العام التركي لتحويل النظام السياسي من البرلماني للرئاسي ثم تنصيب نفسه رئيسا للبلاد حتى عام 2023 عند الاحتفال بمئوية تأسيس الجمهورية التركية والتي خطط لها بأن تكون إعلانا بتنصيبه علي إمبراطورية تركية جديدة يمتد نفوذها الاقتصادي والسياسي على الدول العربية والاسلامية، بيد أن خططه لم تنجح وتوالت عليه الازمات الأمر الذي يهدد وجوده بمنصبه حتى عام 2023. ويمكن توضيح ذلك كما يلي ..

أولا: الأزمات الداخلية:

حظيت الإنتخابات البلدية بإسطنبول بإهتمام بالغ على المستوى الداخلي والخارجي، حيث توجهت أنظار العالم للمدينة التركية الأهم يوم 23 يونيو 2019 موعد إجراء انتخابات الاعادة على منصب عمدة اسطنبول وقد فاز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض “أكرم إمام أوغلو” بنحو 54 % من أصوات الناخبين مقابل حصول منافسه مرشح الحزب الحاكم “بن على يلدريم” على 45 %، ليفقد بذلك الحزب الحاكم “العدالة والتنمية” سيطرته على إسطنبول لأول مرة منذ عام 2002، وتمثل تلك الهزيمة ضربة موجعة وجهها الناخب للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إحتجاجا على سياساته الداخلية والخارجية التي أصبحت تعبر عن سلسلة من الأزمات التي لا تنتهي، ولذا فإن الأخير قد تعهد أمام الكتلة البرلمانية لحزبه بالتعلم من الدرس وبالعمل على خدمة الشعب. لينهي بذلك صفحة الإنتخابات البلدية المثيرة للجدل وتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ حزب “العدالة والتنمية” سيواجه فيها معارضة قوية بقيادة “أوغلو”. ولم لا؟ فأسطنبول تمثل قلب تركيا يقطنها 16 مليون مواطن، ومنها تجمع الحكومة 43 %، وتشكل إسطنبول 65 % من مصادر الدخل لتركيا، فضلا عن ثقلها الثقافي واهميتها التاريخية كعاصمة للامبراطورية العثمانية على مر تاريخها الممتد لستة قرون. وقد مثلت خسارة الحزب الحاكم بتركيا حزب “العدالة والتنمية” للانتخابات البلدية في اسطنبول مرتين وفوز مرشح حزب المعارضة بها “أكرم أمام أوغلو” دليلا واضحا على تراجع شعبية الحزب الحاكم واتساع الفجوة بينه وبين فئات واسعة من المجتمع التركي لاسيما في المدن الكبرى التي خسرها في الانتخابات والتي تمد البلاد بأغلب الدخل القومي لها وهي مدن (اسطنبول، العاصمة أنقرة، أزمير، اضنة، انطاليا)، الأمر الذي له العديد من التداعيات على المشهد السياسي التركي لعل أبرزها ..

– ارتفاع شعبية حزب “الشعب الجمهوري المعارض”: ذو الخلفية العلمانية، حيث إن حزب العدالة والتنمية الحاكم قد خسر 11 بلدية كبرى وولاية، وفاز حزب الشعب الجمهوري المعارض في المدن الكبرى وهي (اسطنبول العاصمة الثقافية والاقتصادية، أنقرة العاصمة الادارية، أزمير أكبر ميناء تركي)، كما ان المعارضة فازت بمعظم المدن الكبيرة المؤثرة المتحكمة في الرأى العام التركي والتي تتمتع بثقل سياسيّ واقتصاديّ وثقافيّ. فقد انتقلت (أنقرة، إسطنبول، إزمير، أنطاليا)، والأخيرتين تعدان من أهم الوجهات والمراكز السياحية في البلاد. ووفق النتائج المعلنة الغير رسمية فإن 21 مدينة فاز بها الحزب الجمهوري تنتج 62٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتركيا.

-تراجع زعامة وشعبية “أردوغان”: حيث أنه عول كثيرا علي فوز حزبه بالانتخابات البلدية في اسطنبول التي لم يخسرها الحزب منذ تأسيسه في عام 2002، فضلًا عن إسطنبول التي تُعد إحدى أكبر مدن تركيا ومركزها الاقتصادي والمالي والثقافي. كما تمثل خسارة إسطنبول هزيمة شخصية لأردوغان، فهي المدينة التي نشأ فيها واستهل منها مسيرته السياسية، حيث كان رئيسًا لبلديتها في الفترة 1994 – 1998 وكانت سببًا في صعود نجمه على الساحة السياسة التركية لما حققه من إنجازات كبرى بالمدينة خلال رئاسته لها. وكانت انتخابات بلدية إسطنبول تحديدًا بمثابة استفتاء مباشر على شعبيته وشعبية حزبه، وتعد خسارة اسطنبول أول انتخابات يخسرها حزبه منذ 2002 ، حيث لم ينجح أردوغان هذه المرة في اقناع الناخبين عبر خطبه الرنانة وشخصيته المؤثرة، نظرا لتفاقم الازمة الاقتصادية وفرض حالة من القمع والاستبداد على مختلف فئات الشعب لاسيما النخبة المثقفة، مما يمثل إنذار لاردوغان بضرورة تغيير نهجه السياسي سريعا وقبل الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 2023.  وهناك العديد من المؤشرات على تراجع شعبيته ومنها .. مهاجمة رفيقه رئيس الوزراء السابق “أحمد داوود أوغلو” له بشكل مباشر بعد الانتخابات واتهامه بانه ابتعد عن مبادىء حزب “العدالة والتنمية” التي اسس بناء عليها، كما أن “أردوغان” بدأ يخسر حليفه القومي المستمر في التعاون الوثيق معه منذ الإنقلاب الفاشل في 2016 وهو حزب “الحركة القومية” حيث رفض بعض الناخبين المنتمين للحزب التصويت “للحرية والعدالة” بعدما لجأ “أردوغان” لزعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل منذ 1999 “عبدالله أوجلان” لكي يوجه الاخير رسالة للناخبين الأكراد لاقناعهم بدعم “أردوغان” في إنتخابات أسطنبول مقابل طرح مبادرة جديدة لحل الأزمة الكردية وبالطبع فإن العداء التاريخ بين الكتلتين القومية والكردية بتركيا لا يخفي، بيد أن الناخبين الأكراد بدورهم رفضوا ذلك بعد حملات الاضطهاد والاعتقال المكثفة ضدهم من قبل الحكومة التركية والتي نتج عنها اعتقال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي “صلاح ديميرطاش”، وهذا الأخير لم يترك هذه الفرصة بل أنه وجه رسالة من سجنه لمناصريه يحثهم فيها علي إنتخاب “أكرم أمام أوغلو” ودعمه، مما يؤكد أن “أردوغان” خلال أي إستحقاق إنتخابي جديد سيواجه خسارة للكتل التصويتية الكردية والقومية، كما يواجه احتمالات شبه مؤكدة لتحالف جديد بين حزب الشعب الجمهوري المعارض وحزب الشعوب الديمقراطية بعدما لوح رئيس الحزب الأول “كمال كيليتشدار أوغلو” بعزمه حل القضية الكردية بتركيا وهو ما يسعى اليه “ديميرطاش”.

-انقسام الحزب الحاكم: استمر حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بتركيا منذ عام 2002 في السيطرة على المشهد السياسي التركي والفوز بكافة الانتخابات، وكان هناك صلة وثيقة بين مؤسسي الحزب حيث ارتبطوا بعلاقات صداقة ووفاء وتآخي نادر وجودها في عالم السياسة وتم تقسيم الادوار بينهم فهناك قادة اهتموا بالسياسة وىخرون الاقتصاد التركي الذي كان على شفا الافلاس عام 2002، بيد أن أردوغان بدأ عام 2014 في إبعادهم عن المشهد السياسي وترددت أبناء أن الرئيس السابق “عبدالله جول” ورئيس الوزراء السابق “أحمد داوود أوغلو” ووزير الاقتصاد السابق “على باباجان” (يطلق عليه مهندس الاقتصاد التركي نظرا لدوره في إحداث طفرة تنموية في الاقتصاد عندما تولى منصبه عام 2004)، وضعوا جميعا قيد الاقامة الجبرية. بيد أنه بعد خسارة حزب العدالة والتنمية لانتخابات اسطنبول أصدر “أوغلو” بيانا ينتقد فيه “أردوغان”، وقدم نائب رئيس الوزراء التركي للشؤون الاقتصادية وزير الاقتصاد والخارجية وشؤون المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي التركي الأسبق “على باباجان”، استقالته من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تمهيداً لتأسيس حزب جديد مع “جول”، كاشفاً عن أن المرحلة الحالية تتطلب تفكيراً بالعقل المشترك للخروج من الأزمات الراهنة، وتلبية حاجة الأجيال الجديدة لمستقبل أفضل للبلاد. وقد وصفهم “أردوغان” بـأنهم “خونة”، حيث يعتزم 40 نائب بالبرلمان التركي عن الحزب الانسحاب من الحزب والانضمام لحزب “باباجان” مما يؤكد تفتيت وإنقسام الحزب الحاكم ويضعف كتلته التصويتية.

– ظهور منافسين لأردوغان: حيث أن الانتخابات اسفرت عن ظهور منافس سياسي لاردوغان للمرة الاولي منذ 17 عام، نجد شخصية سياسية تركية تكسب تعاطف وحب واحترام الناخبين، هو “أكرم أمام أوغلو” رئيس بلدية اسطنبول الجديد الذي يتمتع بشخصية وكاريزما خاصة به، تختلف عن “أردوغان” في النشأة والافكار، وتمكن من إلحاق هزيمة به وتغير صورة الزعيم الشعبي المحب التي رسمها “أردوغان” لنفسه. هذا بالاضافة الي “علي باباجان” السياسي التركي المخضرم الذي اعلن استقالته من الحزب الحاكم واعلن عزمه تاسيس حزب جديد يضم مختلف تيارات الشعب التركي، ويدعمه في هذا الحزب الرئيس التركي السابق “عبدالله جول”.

-الأزمة الاقتصادية: تركيا تعد دولة إقتصادية كبرى وتطمح لتصبح الاقتصاد العاشر بالعالم بعد 5 سنوات اى عام 2023 وفق تصريحات الحكومة التركية، ويبلغ عدد سكانها 81 مليون نسمة، وهي سوق إقتصادي كبير وتملك العديد من المشروعات التنموية. بيد أن إقتصادها يمر بأزمة حالية حيث تشهد جميع مؤشراته تراجعًا ملحوظًا منذ نهاية 2013، وتفاقمت بفعل السياسات الحكومية الغير رشيدة، وساهم فيها عدة عوامل منها .. تفاقم معدلات الفساد وتورط عدد من كبار المسؤولين فيه دون محاسبة لهم ولأبنائهم الذين يمثلون جيلاً جديدًا من أعضاء حزب “العدالة والتنمية” وعلى رأسهم أبناء الرئيس “أردوغان” نفسه حيث تورط كثيرًا أبنه “بلال” في قضايا فساد داخل وخارج تركيا. والأمر الثاني هو تولى قيادات غير إقتصادية وغير كفء مناصب إقتصادية هامة ومنهم صهر “أردوغان” (زوج ابنته) الذي يتولى وزارة الاقتصاد “البيرق” ، تدخل “أردوغان” في القرارات الاقتصادية التي كان أبرزها تدخله لتحديد سعر الفائدة وإقالة محافظ البنك المركزي التركي، مما أسفر عن سياسات اقتصادية غير مستقلة وغير رشيدة أضرت بالاقتصاد التركي عامة. هذا فضلا عن إنعكاس ازمات السياسة الخارجية التركية على الاوضاع الاقتصادية، فمنذ فرض واشنطن عقوبات مؤقتة لمدة شهرين على أنقرة في أغسطس 2018 وسعر صرف العملة التركية (الليرة) آخذة في التذبذب تهبط وتصعد وفق حدة تصريحات “أردوغان” ومواقفه من الأزمات الإقليمية.

ثانيا:الأزمات الخارجية:

1-توتر العلاقات التركية – العربية:

يمكن القول أن “أردوغان” خلال السنوات الخمس الأخيرة ومنذ إنتخابه رئيسًا في 2014 قد نجح في “توتير” علاقاته مع معظم الدول العربية، وأفتعل المشكلات والأزمات الواحدة تلو الأخرى وكشف عن هدفه الرئيسي المتمثل في بسط نفوذه على كافة الدول العربية وإستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية بيد أنه قد تجاهل حقائق العلاقات الدولية الحالية وان سياساته تتعارض جملة وتفصلا مع سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهي أكثر مبادىء الأمم المتحدة التي تلزم بها الدول. كما أن مقومات الدولة التركية لا تسمح لها بفرض سيطرتها على الدول العربية وعندما وجد “أردوغان” أن سياسته تلك قد فشلت في سوريا ومصر عبر فشل محاولاته في إسقاط الدولتين، اعتمد على الأداة العسكرية حيث شن ثلاثة عمليات عسكرية كبرى على شمالي العراق وسوريا وهم .. “المخلب 1،2” بالعراق بدأت مطلع يونيو 2019 ومستمرة حتى اليوم، وعملية “درع الفرات” بشمال سوريا في أغسطس 2016 وأعلن عنها فور الإنتهاء من السيطرة على مؤسسات الدولة عقب الإنقلاب الفاشل حتى يشغل الجيش التركي بالعمليات الخارجية، وكذلك شن عملية “غصن الزيتون” واحتل مدينة عفرين شمال سوري في يناير 2018، وبهذا تكون الدولة التركية هي دولة محتلة لا تختلف عن إسرائيل في شىء فأنقرة تعتمد على السيطرة على آبار النفظ والماء والغاز الطبيعي في المدن التي تحتلها كما تقوم “بتتريك” تلك المدن عبر تدريس اللغة التركية بجانب العربية، وإنتخاب مجالس محلية موالية لها، هذا فضلا عن استمرار تركيا لدعم الجماعات المسلحة والإرهابية المتمركزة بمدينة إدلب شمال غرب سوريا. والتي تخضع لمساومات مستمرة بين أنقرة وموسكو لإرجاء موعد شن عملية عسكرية سورية لإستعادة السيطرة على المدينة. كما تعمد “أردوغان” إفتعال الأزمات مع الرياض على خلفية قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض باسطنبول “جمال خاشقجي”. كما أن تحركات السياسة الخارجية التركية تبدو معادية لنظيرتها العربية، حيث ترتبط تركيا بعلاقات استراتيجية متميزة مع إيرن التي تصنفها الرياض والقاهرة كعدو أساسي لها ومصدر للعبث بالأمن القومي العربي والتدخل في الشأن الداخلي الخليجي والعربي كما تقوم طهران بدعم عدد من الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن مما يعرقل إرساء الإستقرار بتلك الدول، وكذلك تقوم أنقرة بإستقبال كافة العناصر المصرية الإخوانية التي تقوم ببث قنوات فضائية من تركيا تحرض ضد الدولة المصرية. ومؤخرًا فقد جدد “أردوغان” موقفه المعادي للدولة المصرية من خلال إستغلاله السياسي لوفاة الرئيس المصري المعزول “محمد مرسي” خلال محاكمته وكرر إنتقاداته للمسار المصري الديمقراطي وشكك في شرعية ثورة 30 يونيو مما دفع وزارة الخارجية المصرية إلى إصدار بيان رسمي للرد عليه. كما مثل تدخله الصارخ في الملف الليبي إنتهاكًا لكافة المواثيق الدولية حيث ثبت أنه يدعم الميليشيات المسلحة بطرابلس مما أدي لعرقلة سيطرة الجيش الليبي علي مدينة “غريان” الاستراتيجية غرب العاصمة الليبية. ولعل آخر استفزازات الرئيس التركي تصريحه يوم 14 يوليو 2019 الذي أكد فيه “أن تركيا “تتابع عن كثب جميع التطورات في دول المنطقة وعلى رأسها إسرائيل ومصر وليبيا والجزائر وتونس”، وكذلك “جميع تحركات السعودية والإمارات في منطقة الخليج”. باعتبار بلاده وصية على تلك الدول او مسؤولة عنها وهو ما يخالف قواعد وأسس العلاقات الدولية، فمن الطبيعي أن تتابع كافة الدول التطورات في دول جوارها او الاقاليم المحيطة بها ولكن دون فرض وصاية عليها او التدخل في شأنها الداخلي كما تفعل أنقرة.

2- توتر العلاقات التركية الأوروبية:

تمر العلاقات التركية – الأوروبية بتوتر ملحوظ منذ محاولة الإنقلاب الفاشل في منتصف 2016 إثر الإنتقادات الأوروبية المستمرة لتراجع حقوق الإنسان بتركيا والتدخلات التركية المستمرة في الشأن الداخلي للدول العربية والسلوك التركي المرفوض شرق المتوسط، حيث أعلنت أنقرة في مارس 2019 عن بدء حملة للتنقيب عن الغاز شرق المتوسط قبالة السواحل القبرصية تستمر لمدة ستة أشهر مما يمثل إنتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي نظرًا لعدم وجود اتفاقية ترسيم حدود بين تركيا وقبرص. وأصدر الإتحاد الأوروبي العديد من التحذيرات لأنقرة حول سلوكها الإستفزازي ضد دوله، بيد أن “أردوغان” أصر علي سلوكه العدائي وتصريحاته الاستفزازية ضد دول الإتحاد، مما دفع الأخير للإعلان في 15 يوليو 2019 عن فرض عقوبات علي أنقرة نتيجة لتنقيبها عن الغاز شرق المتوسط، وقد صدر القرار بعد اجتماع مجلس العلاقات الخارجية بالإتحاد بالعاصمة البلجيكية بروكسل بمشاركة وزراء خارجية الاتحاد. وشملت هذه القرارات “اقتطاع جزء من الأموال التي يقدمها الاتحاد لتركيا قبل انضمامها للكيان الأوروبي، ومراجعة أنشطة البنك الاستثماري الأوروبي للإقراض في تركيا، وتعليق المحادثات الجارية بين تركيا والاتحاد بخصوص اتفاقية الطيران، وعدم عقد مجلس الشراكة، وإجتماعات أخرى رفيعة المستوى تجري في إطار الحوار بين الاتحاد وتركيا”. ورغم كون هذه العقوبات رمزية ولا تؤثر بشكل جذري علي الاقتصاد التركي ورغم إعلان الإتحاد الأوروبي غداة هذه العقوبات عن استمرار منح تركيا معونات لدعم اللاجئين السوريين على أرضها. إلا أن هذه العقوبات الأوروبية بحق أنقرة تعد سابقة في تاريخ العلاقات بين الطرفين كما أنها تنذر بفرض المزيد من العقوبات عليها مستقبلا حال اتسعت دائرة الخلافات بينهما والتي تشمل عدة قضايا منها.. رفض أغلب دول الاتحاد الاوروبي انضمام تركيا للاتحاد، الخلاف بين أنقرة ونيقوسيا حول غاز شرق المتوسط، عرقلة أنقرة لتوحيد جزيرة قبرص المنقسمة منذ يوليو 1974، التوتر التركي الفرنسي المتصاعد حيث تكثر القضايا الخلافية بين أنقرة وباريس.

3- توتر العلاقات التركية الأمريكية:

تمر العلاقات التركية الأمريكية بمرحلة حاسمة في تاريخ العلاقات بين الحليفين بالناتو، حيث أعلنت واشنطن يوم17 يوليو 2019 رسمياً وقف تسليم الطائرات المقاتلة (إف 35) لتركيا، بعد يومين من تسلم أنقرة الدفعة الأولي من صواريخ (اس 400) الروسية المثيرة للجدل حيث حذرت واشنطن أنقرة قبل تسليمها من خطورة هذه الخطوة وما تمثله من اختراق روسي لأنظمة دفاع جوي لدولة عضو بحلف الناتو. وقد أعلنت واشنطن أن العلاقات العسكرية مع أنقرة مستمرة، بيد أن طائرات (اف 35 المقاتلة) لا يمكنها أن تتعايش مع منصة روسية لجمع معلومات استخباراتية. وأكدت واشنطن إخراج تركيا من برنامج إنتاج الطائرة الأمريكية الأحدث F-35، ومنعها من الحصول على الطائرة، ونتيجة لذلك القرار فإن أنقرة ستتحمل خسائر بقيمة 1 مليار دولار أمريكي سنويا، بإجمالي 9 مليارات دولار أمريكي. مما يفاقم الازمة الاقتصادية بالبلاد، ورغم ذلك فقد أكد بيان وزارة الدفاع الأمريكية علي استمرار تركيا شريكًا استراتيجيًا لحلف شمال الأطلسي “ناتو” وللولايات المتحدة الأمريكية نفسها. وأوضح أن القرار ما هو إلا رد فعل على حصول تركيا على منظومة S-400 الروسية، وأوضح البيان أن مشاركة تركيا في برنامج إنتاج الطائرة F-35 سينتهي تمامًا في مارس 2020 قبل شهر واحد من بدء تشغيل منظومة S-400 في تركيا المقرر في أبريل من نفس العام. كما أن تركيا لن تكون جزءًا من منظومة الدفاع الجوي الخاصة بحلف الناتو. ومن المتوقع أن يتم سحب الرادارات ومنظومة الدفاع الجوي الخاصة بحلف الناتو من تركيا، والملاحظ أن العقوبات على تركيا رمزية وضعيفة وهذا بسبب أن واشنطن “لا تريد أن تترك تركيا لروسيا” حسبما أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية، ولذا فإن واشنطن لم تلغ كافة برامج التعاون العسكري بين الدولتين حيث من المقرر أن تشارك تركيا قريبا في مناورات عسكرية مشتركة في جورجيا وأوكرانيا وألمانيا برعاية أمريكية. والاهم من فرض العقوبات الامريكية على انقرة. هو ترقب الدولتين لنتائج المحادثات التي ستتم بنهاية يوليو 2019 حول الترتيبات الامنية بشمال سوريا لاسيما بعد اعلان واشنطن الابقاء علي قواتها بسوريا مما اغضب تركيا التي تسعى لفرض منطقة امنية على شمال سوريا تكون تحت سيطرتها، ولذا فإن التوتر التركي الامريكي له العديد من الأبعاد ومنها ..  الخلاف حول المنطقة الأمنية بسوريا، كما تعارض تركيا أى تواجد للقوات السورية داخل مدينة منبج، وتهدد بشن عملية عسكرية جديدة بتل رفعت وشرق الفرات لتصبح بذلك محتلة لربع مساحة سوريا فعليا. فضلا عن رفض واشنطن المطالب التركية المستمرة بتسليمالمفكر الاسلامي التركي المقيم بولاية بنسلفانيا “فتح الله كولن”  والمتهم من أنقرة بالتورط في محاولة الانقلاب بـ15 يوليو 2016، بيد أن واشنطن نفت ذلك وأكد ترامب في مطلع يناير 2019 أنه لن يصدر هذا القرار لانه يتعلق بالقضاء الامريكي الذي لم يوجه أى اتهام لكولن، فضلا عن عدم إقتناع واشنطن بالادلة المقدمة من أنقرة لادانة الاخير.  بالاضافة للخلاف حول الاعتراف بمذابح الأرمن على يد الدولة العثمانية خلال الحرب العاليمة الاولى (1914-1918)، وليس انتهاء بخرق العقوبات الإيرانية .  

ثالثا: مستقبل الدولة التركية:

تدل المعطيات السابقة على أن الدولة التركية تمر بحلقة مفرغة من الازمات الداخلية والخارجية الناتجة عن فشل سياسات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، مما يعيد المشهد السياسي التركي الحالي لعام 2001 عندما واجهت البلاد أزمة اقتصادية طاحنة وكانت على وشك الاعلان عن الافلاس، فضلا عن ضعف الحزب الحاكم آنذاك “حزب الشعب الجمهوري”، مما أدى لاسقاطه في اول انتخابات برلمانية وفوز حزب جديد هو “العدالة والتنمية”، ولذا فإنه من المنتظر اتخاذ “أردوغان” لاجراءات رادعة لمواجهة حالة التردي التي تعاني منها الدولة، حيث أكدت مصادر حزبية عزمه إجراء تعديل وزراي موسع لتحسين إداء الحكومة واستقطاب المواطنين مرة أخرى. كما انه من المحتمل اجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل عام 2023 حيث أن هذه هي الأداة التي يهرب بها “أردوغان” عادة من الازمات، بيد أن فوزه بها لن يكون مؤكد بعد تراكم الازمات عليه وهنا سنجد عدة سيناريوهات ومنها ..

– فوز “أردوغان” بالإنتخابات الرئاسية المبكرة حال الدعوة لها وسيكون هذا مضمون له إذا أجرى تعديلات على مجمل سياساته الداخلية لاسيما الاقتصادية منها. لأن نجاحه الإقتصادي كان بوابة العبور للناخبين الأتراك في كل إنتخابات.

-فوز مرشح جديد بالانتخابات الرئاسية المقبلة وربما يكون رئيس بلدية اسطنبول الحالي “أكرم امام أوغلو” أو أحد رفقاء أردوغان السابقين مثل “على باباجان، أو أحمد داوود أوغلو”، وهذه الخسارة ستكون نهاية أردوغان السياسية ونهاية حزبه كذلك.

-عدم استقرار سياسي وربما يكون هذا هو السيناريو المرجح حيث أن الحزب الحاكم منذ 17 عام، يمر حاليا بمرحلة انقسام من خلال تخلي قادة ومؤسسين عنه، وهناك أحزاب جديدة ناشئة، لن تنجح مباشرة في تحقيق الأغلبية في أي استحقاق انتخابي قادم، مما سيؤدي لتفتيت الكتلة التصويتية في أي انتخابات برلمانية او رئاسية مقبلة، ولجوء الاحزاب لعقد حكومات ائتلافية وائتلافية متعددة ستكون هشة ولن تستمر في الحفاظ على استقرار البلاد.

وختاما، فإن السبيل أمام “أردوغان” لمواجهة هذه الازمات والحفاظ على حزبه ومنصبه هو العودة للسياسات الرشيدة التي اتبعها خلال فترة حكمه الاولي (2002-2010) ، وتطبيق سياسة “صفر مشاكل” التي وضعها “أوغلو” بغية حل كل المشكلات مع دول الجوار التركي حتى يساهم ذلك في حل الازمة الاقتصادية عبر تدفق الاستثمارات على تركيا. لان عدم استقرار دولة اقليمية تتمتع بوزن استراتيجي كتركيا سيعمل على مضاعفة حالة عدم الاستقرار التي يمر بها الشرق الاوسط الامر الذي سيؤثر سلبا علي كل دول الاقليم.