كشف مركز ستوكهولم للحرية (SCF) في استطلاع جديد، أن تزايد الضغوط على الحقوق والحريات العامة في تركيا، في ظل قيادة أردوغان المستبدة، أدّى إلى ارتفاع شديد ومتزايد في أعداد مرضى الاكتئاب والقلق العقلي والضغط النفسي للمواطنين الأتراك.
نتائج الاستطلاع تشير إلى زيادة معدل المشاكل الصحية العقلية، في أوساط الشعب التركي، ورصد الاستطلاع من خلال العينة المشاركة أن نسبة 86.3% يعيشون في مستوى عال من الاكتئاب، ثم تليهم نسبة 78.8% أشاروا إلى أنهم يعانون من ضغوط نفسية، ونسبة 72.1% من المشاركين ذكروا أنه يعالجون من الأرق. وتشير الدراسة القائمة على عدد من المتقدمين للاستبيان الذاتي من الأتراك أن نسبة 65.1% من المشاركين وصفوا أنفسهم بأنهم “غير سعداء “وذلك بدرجات متفاوتة في القدر من عدم السعادة، بينما اعتبر بنسبة 34.9% أنهم سعداء، وهذا أيضا بمستويات متباينة من السعادة.
وتُبين نتائج هذا الاستطلاع أن هناك انتكاسًا سريعا لسيادة القانون، والحقوق الديمقراطية، والحريات الأساسية، مصحوبا بتردي مستقبل الاقتصاد، بل قد يكون لازدياد وتيرة العنف والحوادث الإرهابية أثر سلبي على السلامة النفسية للمجتمع التركي، كما يكشف أيضا عن إخفاق الحكومة التركية في مسؤوليتها لنشر جو من السعادة بين المواطنين الأتراك، لاسيما في ضوء التدخلات الصارخة من الحكومة في حياة الفرد سواء على مستوى الحقوق أو الحريات.
وباعتبار أن “السعادة الشخصية” لا بد من وجودها ضمن أمور أخرى من القناعات الفردية والمعتقدات الأحلام /والأيديولوجيات والمشاعر والمفاهيم التي لا حاجة للسلطات في إصدار أحكام عليها أو التشهير والتشويه والتدخل فيها، إلا أن تدخلات السلطة الفعلية أو المفترضة في خيارات الفرد بتركيا أسهمت في ظهور هذه الصورة المتفاقمة.
الحالة النفسية للشعب التركي
وطبقا لإحصائيات وزارة الصحة التركية فإن عدد مستخدمي العقاقير المضادة للاكتئاب قد ازداد من نسبة 23.2% بمقدار 35.4 مليون علبة في عام 2014 إلى مقدار 43.6 مليون علبة لعام 2015، وفي أول تسعة أشهر من عام 2016، ارتفع هذا الرقم إلى 33.6 مليون علبة عقار مضادة للاكتئاب، وأفادت التقارير أن واحدا من كل عشرة أفراد في تركيا يتناول أدوية مضادة للاكتئاب.
كما أعلنت وزارة الصحة في الخامس من أغسطس/آب لعام 2014 أن 9.2 مليون تركي يذهبون إلى المستشفيات والعيادات الخاصة للتعافي من مشاكل نفسية، مقابل ثلاثة ملايين فقط هي ما سجلتها تقارير الوزارة لعام 2009، وفي العاشر من ديسمبر لعام 2015 قدم حزب الشعب الجمهوري – حزب المعارضة الرئيسي في تركيا- التماسا إلى البرلمان يطلب فيه إقامة لجنة تحقيق للنظر في حالات زيادة الاضطرابات النفسية، ولم يناقش أمر اللجنة حتى الآن، كما قدم حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) التماسا مماثلا في الأول من مارس لعام 2015، ولكن لم ينظر فيه من البرلمان قبل الانتهاء من جلسة التشريع، مما قضى على فرصة مناقشته.
ويعد عدم رغبة الحكومة التركية للتحقيق في الأسباب الجذرية لارتفاع أسباب الاضطرابات النفسية والاستخدام المرتفع للعقاقير المضادة للاكتئاب هو نهج مناف للمنطق. وقد يرجع السبب غالبًا في هذا الأمر إلى أن الحكومة لا تريد إلقاء اللوم عليها في هذا، فضلا عن محاولاتها لإخفاء أعمالها التي ترقى لدرجة الإجرام. ودائما ما يوجه المراقبون انتقادات للحكومة وعلى النظام الحاكم بتركيا لإفساده التمتع بالحياة الشخصية والعامة بين جماعات عرقية واجتماعية مستهدفة، وبصورة خاصة للفئات الأكثر تأثرا (المستضعفة) على مدار العامين الماضيين وباضطهاد شديد للفئات الهامة مثل الحركة السياسية الكردية، والعلويين، وحركة كولن الدينية.
وتهدف هذه الدراسة إلى توضيح تفشي المشاكل الصحية العقلية وعلاقتها بالسعادة، واستخدمت النسخة التركية لمقياس الاكتئاب والقلق والضغوط (DASS-42) لتقييم الاضطرابات المزاجية النفسية، بينما تم تقييم مستوى السعادة من خلال استخدام النسخة التركية لمقياس السعادة. وبجانب هذان المقياسان، تم إجراء استبيان اجتماعي ديموغرافي لتقييم عدد من العوامل الاجتماعية الديموغرافية. حيث يبلغ عدد المشاركين في الدراسة358 بمتوسط عمري يبلغ 36.1 (مقدار الانحراف المعياري = 9.5).
تشير الاستنتاجات الحالية إلى أن نسبة كبيرة من الأتراك بالمجموعة التي تم انتقاء العينة منها قد عانوا من الاكتئاب والقلق والضغوط مما أدى إلى ظهور مستوى ضعيف لنسبة السعادة. هذه النتيجة التي تحتاج إلى زيادة بحث وإلى دراسة عميقة من جميع الجوانب، تسلط الضوء أيضا على المسئولية الملقاة على عاتق الحكومة التركية للتصدي بسرعة للمشاكل المؤثرة على الحالة النفسية للشعب التركي.
أعداء وهميون
وبدلا من تصدي الرئيس أردوغان ومسئولو الحكومة والوسائل الإعلامية الموالية للحكومة للأسباب الأساسية لهذه المشكلة المتفاقمة بتركيا من جانب ، إلا أنهم مستمرون في تأجيج الهستيريا والذعر داخل المجتمع التركي، من خلال تصدير وابتكار نظريات المؤامرة، حول أعداء وهميون في الداخل والخارج في محاولة لصرف الرأي العام عن المشاكل الاقتصادية والأمنية والسياسية الجارية في تركيا، كما أن الحكومة كانت أيضا متحمسة لإيجاد كبش فداء لعجزها في حل مشاكلها.
صورت الحكومة التركية أكبر المدافعين عن حقوق الإنسان، ومنهوم تانر كيليش رئيس الفرع التركي لمنظمة العفو الدوليىة، على أنهم عملاء أجانب يريدون تجزئة تركيا والتآمر لتحقيق الفوضى بها، بينما وجهت اللوم لحركة كولن السلمية ذات الطابع المدني المحافظ للقانون على أنها دبرت الانقلاب الفاشل الذي وقع في الخامس عشر من يوليو لعام 2016 بدون تقديم السلطات لأي دليل مقنع بهذا الشأن، والقبض على عشرات الأشخاص يوميا في تركيا وتم التوصل لهذا من خلال منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما كان يتم اعتقال ما يقرب من ألف عضو من حركة كولن بشكل أسبوعي بتهم ملفقة لا يوجد عليها أي دليل.
لقد علقت الحكومة التركية وأقالت منذ الخامس عشر من يوليو عام 2016 ما يزيد عن 150000 من القضاة والمعلمين ورجال الشرطة وغيرهم من الموظفين بالدولة، وأعلنت وزارة العدل التركية في الثالث عشر من يوليو لعام 2017 أن عدد 50510 فردا تم إلقاء القبض عليهم، وعدد 169013 فردا كانوا موضوع اجراءات قانونية تتعلق بتهمة المشاركة في تدبير الانقلاب. كما مارست الحكومة أيضا أعمال قمع على الوسائل الإعلامية المستقلة والناقدة، وأغلق ما يقرب من 200 نافذة إعلامية، وحبس ما يقرب من 273 صحفي اعتبارا من السابع والعشرون من يوليو لعام 2017. كما تبحث الحكومة للقبض على أفراد أخرين يبلغ عددهم 109 فردا موجهة إليهم تهم إرهابية ملفقة.
ومنذ بداية العام الماضي، وثق مركز ستوكهولم للحرية ثلاثة وثمانين حالة من حوادث وفاة وانتحار مشبوهة، كان معظمها في مراكز الاحتجاز والسجون، يعتقد أن البعض منها إن لم تكن كلها بمثابة أعمال تتعلق ببيئة قمعية متغطرسة تسبب في وجودها نظام أردوغان.
الغرض من البحث:
الوقوف على الاضطرابات التركية خلال العامين الماضيين، الفائدة التي نخرج بها من خلال رصد انتشار معظم المشاكل الصحية العقلية التي يعاني منها الأتراك، والتي لا تؤثر فحسب على حياتهم الشخصية، بل إنها تتعدى إلى حياتهم الاجتماعية، وأدائهم في العمل، والرضاء الزوجي، وجوانب أخرى في أوقات مختلفة من حياتهم اليومية، لذا فإننا أعددنا هذه الدراسة للوقوف على انتشار المشاكل الصحية العقلية الشائعة (اكتئاب، قلق، ضغط) وعلاقتها بالسعادة في تركيا خلال عام 2017.
المشاركون:
يوضح الجدول 2 الصفة الأساسية للمستجيبين للدراسة، حيث كان المستهدفون للدراسة 358 عينة مجتمعية، بلغ عدد الذكور بها 237 بنسبة (66.2%)، وبلغ عدد الإناث 121بنسبة 33.8%، وتراوح عمر المشاركين بها ما بين 18 إلى 70 عاما بمتوسط عمري يبلغ 36.1 (مقدار الانحراف المعياري = 9.5)، وبالنظر إلى أعلى مستوى تعليمي حصلوا عليه، فإننا نجد أن معظمهم حاصل على الشهادة الجامعية وبلغت نسبتهم 50.3%، يليهم 21.2% من حملة الماجستير، 13.7% من الحاصلين على الدكتوراه أو في طريقهم للحصول عليها، ونسبة 8.7 % من خريجي المرحلة الثانوية.
وفيما يتعلق بوضع الحالة الاجتماعية والاقتصادية، أفادت التقارير بأن معظم هؤلاء المشاركون أيضا من الفئة المتوسطة (بنسبة 61.2%)، وتبلغ الفئة الضعيفة (نسبة 20.1%) لتسجل ثاني أعلى حالة للوضع الاجتماعي والاقتصادي أفادها التقرير، وفيما يخص الحالة الاجتماعية أفاد التقرير أن نسبة 76% من المشاركين متزوج، ونسبة 22.6% أعزب، ونسبة 1.4% أرمل.
اعتمدنا في أخذ العينة لهذه الدراسة على التكييف بين النفعية ونظام الآثار المتراكمة لإجراءات التعيين، مع الاستعانة بمواقع اجتماعية على الشبكة العنكبوتية تم استخدامها أولا للتوصل إلى المشاركين، والذين طلب منهم بعد ذلك أن يقدموا تفاصيل الدراسة لمعارفهم.
القياس:
للحصول على معلومات عن المتغيرات الأساسية، هناك نوعان من الاستبيانات (موضحة أدناه) أكثر استخداما بالبحوث النفسية التي تستخدم في محاولة لقياس الصحة العقلية، وبجانب هذه الاستبيانات تم تطوير نموذج ديموغرافي، لتقييم السمة الرئيسية للأفراد المستجيبين للدراسة.
النموذج الديموغرافي:
أكمل جميع المشاركون الاستبيانات التي تتعلق بالمعلومات الديموغرافية، وتتضمن هذه المعلومات أعمار المشاركين، وجنسهم، وحالتهم الاجتماعية، ومستواهم التعليمي، ومستواهم الاجتماعي والاقتصادي.
مقياس الاكتئاب والقلق والضغوط (DASS-42)
يتكون المقياس من 42 عنصرا وضعت لتقييم الحالات العاطفية السلبية الثلاث؛ الاكتئاب (مثل: الحزن، فقدان الرغبة)، القلق (مثل: الارتجاف، مشاكل البلع)، الضغط (مثل: الانفعال، التوتر)، في آن واحد، طلب من المشاركين الإفصاح عن الحالات العاطفية الحالية لديهم والمذكورة أعلاه، حيث احتوى كل مقياس من المقاييس الثلاثة على 14 تصريحا يتراوح تقييم المقياس من 0- 3 فيكون لا ينطبق عليَّ نهائيا، 3 ينطبق عليَّ جدا، وكانت النقاط ما بين 4-2 لتسجل نقاطا مرتفعة وهو ما يمثل أعراض الحالات العاطفية السلبية، فيتراوح تقييم كل مقياس من المقاييس خلال الأوضاع الطبيعية (انظر جدول 1) بين 0-9 للاكتئاب، 0-7 للقلق، 0-14 للضغط، ووجود أي نقاط تعلو هذه المعدلات فهذا يعني أنها تمثل أعراضا سلبية تتراوح ما بين خفيفة إلى خطيرة للغاية.
مقياس السعادة الذاتي (SHS)
يستخدم هذا المقياس على نطاق متسع في كل من الأبحاث النفسية والأغراض العملية، يحتوي مقياس السعادة الذاتي (SHS) على أربعة عناصر تتطلب من المستجبين للدراسة تقييم مقدار السعادة الذاتية من خلال سبع نقاط، وتمثل الدرجات المرتفعة للمقياس مستوى عال من السعادة بينما توضح الدرجات المنخفضة تدني مستوى السعادة.
إجراء
أكمل جميع المشاركين النسخ الإلكترونية للمقاييس من خلال نظام إلكتروني يلزمهم بالإجابة على الأسئلة، وتلقى المشاركون استمارة قبول مشروح بها كافة الأبعاد بأول صفحة من الاستعراض الإلكتروني وبها طلب منهم الموافقة قبل شروعهم في المشاركة أو السماح لهم بالانسحاب من الدراسة. تتكون استمارة القبول المقدمة من معلومات عن عدم الكشف عن هوية الأفراد وسريتهم، وعن عملية خروجهم أثناء أو بعد المشاركة، وتعد عملية المشاركة في الدراسة عملية تطوعية بشكل كامل.
نتائج
بدأ تحليل البحث بوصف كافة الخصائص العامة للعينة كما هو مبين بالجدول 1. وتعقب هذا تقديم تقرير عن معدلات انتشار الاكتئاب، والقلق، والضغط، وكذلك تقديم تقرير عن مقدار السعادة وعدم السعادة ومستوياتها، كما تم إجراء تقرير أيضا عن العلاقة بين السعادة والاكتئاب، والقلق، والضغط.
الشكل 1 يوضح أن الثلث (28.8%) تقريبا من المشاركين أشاروا في التقرير إلى أنهم يعيشون مستوى “متوسط” من الاكتئاب، وأشار نسبة 24.3% منهم بأنهم يعيشون مستوى “خطير”، ونسبة 21.8% أنهم يعيشون مستوى “شديد الخطورة” من الاكتئاب. بالإضافة إلى هذا أشار نسبة 11.5% من المشاركين أن لديهم قدرا من أعراض الاكتئاب بمستوى “خفيف”، بينما يصف آخرون من المشاركين بنسبة يبلغ قدرها 13.7% أنفسهم بأنهم يعيشون بمستوى “طبيعي”.
الشكل 2 يوضح معدلات انتشار أعراض الضغط بين المشاركين في عينة الدراسة، وتشابها مع أعراض الإكتئاب، فقد وصف أكثر من ثلث المشاركين (33.5%) أنفسهم بأنهم يعانون من الضفط بمستوى “متوسط”، وأفادت التقارير أن هناك انتشار نسبة بين العينة الحالية يبلغ قدرها 21.5% تمثل المستوى “الخطير” للضغط، وهناك نسبة من المشاركين يبلغ قدرهم 6.4% وصفوا أنفسهم أنهم يعانون من الضغط “شديد المستوى”، بينما سجلت التقارير أن نسبة 17.3% من هؤلاء المشاركين كانوا في مستوى “معتدل”، ومع ذلك وصف نسبة 21.2% من المستجيبين للدراسة أنفسهم بأنهم يعيشون حياة “طبيعية”.
الشكل 3 يشير إلى معدلات انتشار القلق، نرى من الشكل، أنه من الواضح تماما أن أكثر من الربع أفادوا أن لديهم مستوى “معتدل” من أعراض القلق، إضافة إلى نسب أخرى سجلها التقرير للمستجيبين تبلغ 17.9% و 18.2% للذين يعانون من أعراض القلق بشكل “خطير” و “شديد الخطورة” على التوالي، وتشابها مع أعراض الاكتئاب، أشار ما يقرب من نسبة 11% من هؤلاء المستجيبين بأنهم يشعرون بمستوى “خفيف” من أعراض القلق، وبالرغم من هذا، وخلافا لأعراض الاكتئاب والضغط أفاد التقرير أن جزءا كبيرا نسبيا من المستجيبين (حوالي 28%) لا يعانون من أعراض القلق بأي درجة من الدرجات.
الشكل 4 يوضح المعدل الخاص بكل مشكلة من المشاكل الصحية العقلية الموجودة في مختلف المستويات، ومن الواضح أن الاكتئاب هو أكبر المشاكل الصحية العقلية وجودا حيث يبلغ نسبته (86.3%) إذا ما قورن بالضغط والقلق اللذين يبلغان (78.8%) و (72.1%) على التوالي، والذي يعني، أن من كل ستة أشخاص يعاني منهم خمسة من الاكتئاب، ومن كل خمسة يعاني أربعة من الضغط، ومن كل سبعة يعاني خمسة من القلق.
الشكل 4 يعرض معدلات السعادة وعدم السعادة التي قيمت من خلال مقياس السعادة الذاتي من بين العينة التركية المأخوذة، وكما ورد بالتقرير أخبر اثنان من كل ثلاثة أشخاص من المستجيبين بأنهم غير سعداء، بينما أخبر واحد فقط من كل ثلاثة أشخاص بأنه سعيد، وهي نتيجة متوقعة؛ لأنه كما أشرنا سابقا أن نسبة انتشار الأنواع المختلفة من المشاكل الصحية العقلية كانت مرتفعة داخل العينة، لذلك فإن الوضع الطبيعي للمستجيبين هو وصف أنفسهم بعدم السعادة بهذه الصورة الكبيرة.
أيد التحليل الإحصائي النتائج الخاصة بالعلاقة بين السعادة والمشاكل الصحية العقلية (الاكتئاب، القلق، الضغط)، وضح معامل ارتباط بيرسون (انظر جدول 3) أن السعادة كانت ترتبط ارتباطا سلبيا بالاكتئاب (r = -.57, p < 0.01)، القلق (r = -.48, p < 0.01)، الضغط (r = -.49, p < 0.01).، تشير هذه النتائج إلى أن الذين سجلوا مستوى مرتفع من الاكتئاب والقلق والضغط غالبا ما يكونون غير سعداء.
يصبح الارتباط مهما عند المستوى 0.01 (على شكل مزدوج)
الجدول 3 يوضح علاقة السعادة مع بالاكتئاب والقلق والضغط
الخلاصة:
أجريت هذه الدراسة لتوضيح مدى انتشار أكثر المشاكل الصحية العقلية الشائعة وعلاقتها بالسعادة داخل الشعب التركي، أوضحت النتائج بشكل كبير أن الأشخاص كما جاء بالتقرير سجلوا في معظم الأوقات مستوى عال من الاكتئاب والقلق والضغط، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون في الغالب من الاكتئاب بمعدل (86.3%)، ثم الذين يعانون من الضغط بمعدل (78.8%)، ومن القلق بمعدل (72.1%)، ووفقا لهذه النتائج، وصف اثنان من البالغين من بين ثلاثة أنفسهم بأنهم غير سعداء، وهذا يعطي مؤشرات عملية هامة عند النظر إلى انتشار المشاكل الصحية العقلية عند السكان الأتراك.
توفر الدراسة كذلك دلائل فيما يخص خطورة المشاكل الصحية العقلية المختلفة بمستويات متباينة يجعلها بحاجة إلى علاجات عاجلة ومتاحة لجميع الأشخاص الذين يعانون من أعراض الاكتئاب والقلق والضغط، ومع ذلك يبدو أن توفير مثل هذه العلاجات العاجلة في الوقت الحالي بات من الصعب الوصول إليها نظرا لعمليات التطهير الجماعية التي أجرتها الحكومة والتي كان لها الأثر السيئ على أخصائي الرعاية الصحية كذلك، حيث تم إقصاء نحو 7500 من أخصائي الرعاية الصحية من بينهم أطباء وأخصاء نفسيون، ومعالجون، وباحثون اجتماعيون، وأطباء، وممرضات من جانب الحكومة من خلال إصدار مراسيم حالة الطوارئ لاتهامات وأعمال ارهابية ملفقه بدون أي تحقيقات فعلية إدارية كانت أو قضائية، وكان بين هؤلاء ما يزيد عن 1500طبيبا.
تواجه تركيا فعليا نقصا خطيرا في الأطباء، والممرضات، ومقدمي الرعاية الصحية، وقد زادت عمليات التطهير هذه الحالة سوءا، حيث إن الإقصاء الذي أجرته الحكومة لا يمكن لأحد العمل في القطاعات الصحية الخاصة وذلك بسبب التدوين الذي أجري لهم في صحائفهم الوظيفية والذي يعد مأخذا عليهم مدى الحياة من جانب الحكومة.
والأكثر من هذا، أن الأشخاص الذين تم إقصائهم من القطاعات الحكومية والخاصة لا يمكنهم الحصول على الخدمات الصحية؛ لأنهم قد فقدوا حقهم في التمتع بالرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، كنتيجة للفصل التعسفي الذي قامت به الحكومة من خلال إصدارها مراسيم قانونية بذلك، وهذا يعني، إذا عانى الأشخاص المستبعدون من مشاكل صحية عقلية، لن يكونوا قادرين على استخدام خدمات الرعاية الصحية، حتى إذا وجدوا مقدمي الرعاية الصحية وكانوا قادرين على تحمل التكاليف، كما يتجنب الكثير الذهاب إلى المستشفيات لأن التسجيل بالمستشفى يعني تنبيه السلطات، مما قد يعقبه اعتقال فوري، كما أن هناك عشرات القضايا أُتهم بها نساء بالانتماء إلى حركة كولن وسحبن على إثرها من قبل رجال الأمن إلى مراكز الاحتجاز مباشرة بعد عمليات خضعوا لها لهم داخل المستشفيات.
فضلا عن ذلك، أن نسبة البطالة زادت في تركيا عن 10.5% كما ورد في أبريل 2017، مما يزيد من احتمالية عدم التمتع بخدمات صحية مناسبة، لأن الأشخاص غير العاملين يحتمل أن يكون لديهم صعوبات مالية تمنعهم من الحصول على الرعاية الصحية عندما يواجهون أي نوع من أنواع المشاكل الصحية العقلية.
وبالنظر إلى جملة هذه الأشياء، توضح النتائج الحالية أن أربعة من البالغين من بين خمسة يواجهون مشكلة صحية عقلية شائعة بمستويات مختلفة، لذا قد تكون الأسباب المذكورة أعلاه هي العوامل التي جعلت الناس يعانون من مشاكل صحية عقلية بهذا القدر. ونتيجة لهذا، فإنه كحل للمشاكل الصحية العقلية المطروحة، يجب على الحكومة التركية إعطاء أولويات للسبل الفعالة لتقليل معدل المشاكل الصحية العقلية من خلال تخلصها أو حلها للمشاكل المذكورة أعلاه.
خلاف هذا، إهدار الكثير من المال لحل مثل هذه المشكلات في المستقبل، لأن مواجهة الأعراض طويلة الأمد من الضغط، والقلق، والاكتئاب قد تؤدي إلى مشاكل واضطرابات خطيرة قد تكون أخطر وأكبر مجازفة من المشاكل الجسدية نوعا ما.
على سبيل المثال، إذا قمت بجرح يدك بمستوى متوسط، فإنك ستظل قادرا على تولي جزء من مهام حياتك اليومية، وقد يمنعك هذا الجرح عن أداء بعض المهام باليد المصابة، بالرغم من هذا، فإنك إذا واجهت اكتئابا بمستوى متوسط، قد يؤدي إلى التأثير على مجالات أوسع خلال حياتك اليومية، بما في ذلك العلاقات الاجتماعية، والرضا الزوجي، والرضا العملي إلى آخره، وسيزيد هذا حتما من تكلفة التعافي. وزيادة عن هذا، إذا لم يتم تشخيص ومعالجة المشاكل الصحية العقلية مبكرا، سيكون هذا بمثابة إهدار لحياة الناس.
تنبيه وتطلع لمزيد من البحث
بالرغم من أن الدراسة الحالية تعمل على وصف الأعراض الخاصة بالمشاكل الصحية العقلية، فإنه من الصعب التوصل إلى استنتاجات عن الأسباب المؤدية لتلك المشاكل الصحية العقلية، وذلك لأن الدراسة الحالية كانت دراسة شاملة لعدة قطاعات بطبيعة جمعت فيها البيانات من عينة في مرحلة زمنية محددة، وهذه المنهجية جعلت من الصعب التوصل إلى استنتاجات ثابتة فيما يتعلق بالمستويات العليا للضغط والقلق والاكتئاب، والمستوى المتدني للسعادة داخل السكان المستهدفين.
وبالتالي، فإن الدلائل المؤيدة والمستخلصة من الدراسات الأكثر تعقيدا المحتوية على الوضع الطولي أو التجريبي بحاجة للكشف عن الأسباب المتوقعة التي تقوم عليها مثل هذه المشاكل الصحية العقلية الواردة بكثافة. ومع ذلك، فإنه لا يمكن لأحد أن يتغافل كيف كان للوضع السلبي الخاص بالحالة السياسية المتصاعدة والهابطة، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية آثارا على السكان التركيين، يتطلب من البحوث القادمة السعي إلى النظر في هذه المسالة البحثية.